مكتبة الأدب العربي و العالمي

حكاية_عمار ( الجزء الثاني)

بينما كان عمار جالس يفكر في مصيبته اذا بشخص يضع أمامه صرة قماش تفوح منها رائحة طعام وزجاجتين من ماء رفع عمار رأسه بإتجاه الشخص الذي وضع الاكل أمامه فوجدها فتاة في منتصف العشرينات وهي متخفية بين جدران وتلتفت يمينا وشمالا

كانت فتاة متوسطة القامة تضع خمار طويل منسد على رقبتها وتضع في معصمها مجموعة من حلقات مختلفة الالوان
نهض عمار من مكانه مستغربا لماذا هي ليست خائفة مثل بقية الناس ولماذا جاءت إليه تقدم مساعدة فأشرت إليه بأصبع يدها بأن يخفض صوته

وقالت هامسة : إسمع …أنا أعلم انك لست ذلك الشخص الذي لحسن التطواني يتحدثون عنه ولن أشرح لك الامر الآن الليلة بعد ان ينام الجميع سأتي اليك في الخرابة التي تنام فيها وسأشرح لك الأمر وستفهم كل شيء وسأساعدك للخروج من هنا

تناول طعامك دون ان يراك أحد ولا تنسى ان تتخلص من الاواني حتى لا يعرف أحد من أهل القرية ان هناك من يساعدك وسنتقابل عند الموعد المحدد

ذهبت الفتاة وهي مسرعة تخفي وجهها بالوشاح الذي كانت ينسدل من رقبتها وإستغرب عمار من جرأتها فقد راى فيها انها الامل القادم فشعر بنوع من الخلاص على يديها

فأخذ طعامه وشرابه وذهب في أحد أركان المنزل المهجور الذي ينام فيه وتناول طعامه بسرعة وهو غير مصدق بأن هناك شخص قد إقتنع بأنه ليس هو الممسوخ الذي يتحدث الجميع عنه وان من بين كل أهل القرية هناك فتاة واحدة صدقت ما يقول وستساعده في الخروج من هذه الورطة

تمنى لو كانت رجلا يدافع عنه أمام الجميع ويغير نظرتهم له ولكن في مجتمعنا شرقي من سيسمع لرأي إمراة
ظل عمار مستيقظا طوال الليل ينتظر قدوم تلك فتاة فقد إنتصف الليل وغاب حس عن أجراء القرية سوى من أصوات بعض الكلاب التي كانت تنبح بين الحين والاخر

وفجأة سمع أقدام قادمة نحوه فنهض واعتدل في جلسته فإذا بها نفس الفتاة تأتي إليه كما أخبرته جلست بعيدة عنه بضع أمتار واخرجت صرة قماشية أخرى وبها طعام وماء ووضعتها أمام عدي ثم قالت :

أعرفك بنفسي انا أسمي دليلة والشخص الذي يتحدث عنه الناس في القرية يلقبونه بعلقم اما إسمه حقيقي هو أمجد و عقلم هو كناية عن نبات ينبت هنا وله طعم مر ومن دون رائحة لا يأكله أحد وهو مكروه من حيوانات والبشر لذلك يطلقون عليه هذا الاسم عليه

فسألها عمار قائلا : ولماذا يعتقد اهل القرية أنني هو ذلك شخص ؟
فأجابته دليلة على الفور لأنك تشبهه في كل شيء حتى في نبرة صوتك وطريقة مشيتك تشبهه وانا شخصيا لما رأيتك أول مرة إعتقدت أنك هو فعلا فسبحان الله كأنك أخوه توأم

عاد عمار يسألها قائلا : ولماذا كان أهل القرية يكرهون علقم ويصفونه بأنه ممسوخ وغول
سكتت دليلة قليلا ثم قالت : لان أرواح شيطانية كانت تسكن فيه منذ ولادته فعند الليل ينقلب الى وحش حقيقي عيناه تصبح حمراء مثل الدم وصوته يشبه زمخرة كلاب مفترسة يعتدي بالضرب على كل من يصادفه في ذلك الوقت وأحيانا يذهب الى مقابر وينبش جثثا الاموات

كانت عنده قوة وطاقة لا يكاد يصمد أمامها حتى عشرة رجال قوة إستمدها من الجن وكان يجبر أهل القرية على النوم منذ ساعة السابعة مساءاً وويل له من يخرج في ذالك الوقت علقم قتل كثيرا من أبناء القرية

راح عمار يحدق طويلا في الفتاة التي كانت تحكي له بحماس فسألها قائلا : وانت كيف إستنتجتي هذا الفرق بيني وبينه وكيف عرفتي أنني لست هو دون عن بقية أهل القرية ؟

راحت دليلة تنظر إليه وعيناها تلمع تحت انوار مصباحها اليدوي ثم قالت : لأنني أنا زوجة علقم

إستدار عمار بشكل كامل باتجاه دليلة وراح ينظر إليها وهو مندهش بعدما سمع ما قالته فسألها مستغربا انت زوجة ذلك الشخص الذي يخاف منه أهل القرية والذي يعتقدون أنه انا ؟

أجابت نعم ولذلك إستطعت أن أدرك انك لست هو في بداية عندما سمعت صراخ أهل القرية وهم ينادون بأن ممسوخ قد عاد ويجب أن تختبؤ منه أصابني خوفا شديد وتملكني نفس الإحساس الذي كنت أعيش معه

جال في خاطري أكثر من سؤال وقلت في نفسي كيف لشخص قد دفنته بيدي أنا ان يعود للحياة بعد كل هذه المدة يستحيل ذاك طبعا ثم تذكرت أن علقم كان بصورة شيطان حقيقي ويمكن ان يظهر في هيئة أخرى ويعود

ذهبت راكضة الى النافذة ونظرت منها وشاهدتك انت في ساحة تقف وتنادي على جميع من وهلة الأولى أعتقدت فعلا انك أنت لكنك طباعك الهادئة هي من ميزك عنه

فلا يعقل ان يقف علقم بذلك الشكل هادئ ويترجى الناس ان تأتي اليه وتسمعه .صحيح انك تشبهه الى حد بعيد ولكنك تختلف عنه في طباع

فعاد عمار يسألها مرة أخرى قائلا : يقول ان زوجك كان غولا وممسوخ وقلت لي انت أنه على هذا الحال منذ ولادته فإسمح لي بهذا سؤال كيف قبلتي ان تتزوجي بشخص منبوذ ومرفوض من قبل الجميع بصراحة أرى ذلك الامر غير منطقي

ضحكت دليلة وقالت : لانني أنا ايضا كنت مرفوضة ومكروهة من قيل الجميع هل تعلم ان كل أهل هذه القرية يعرفون بعضهم البعض وتربط بين أغلبيتهم صلة قرابة ماعدا انا؟

لقد جئت منذ زمن الى هذه القرية ولا أحد يعرف اهلي ولا أصلي حتى أنا لا أدري من يكون أهلي وكلما أذكر ان إمراة عجوز جاءت بي الى هذه القرية وانا فتاة بعمر عشر سنوات ونشأت عندها وتكفلت بتربتي ثم بعد فترة من زمن ماتت وتركتني وحيدة في البيت واصبحت مطمعا لمعظم شباب القرية

لم يتقدم إلي أحد للزواج سوى أمجد الذي يطلقون عليه لقب عقلم فلم يكن بيدي خيار اخر سوى الموافقة عليه لا أنكر أني كنت أشعر معه بالامان والخوف في نفس وقت الامان من حيث ان كل طلباتي مجابة من قبل اهل القرية ولا أحد كان يجرؤ ان يتحدث معي بكلمة واحدة او يغلط معي

والخوف بأنني أعيش مع رجلا تسكنه أرواح شيطانية وكل يوم أرى المنكرات التي كان يفعلها مع اهل القرية ومعي ويمكن ان ينقلب علي في أي لحظة كانت حياتي صعبة معه ومع ذلك كان هو أملي وحيد

فعاد عمار يسألها قائلا : لما لم نجد جثته في المقبرة هذا الصباح فهل انت من نقلها الى مكان أخر .؟
سكتت دليلة قليلا ثم قالت لم انقلها الى اي مكان بل أحرقتها

إستغرب عمار من كلام دليلة وبدأ ينظر إليها بتعجب قائلا :
احرقتها ولماذا ؟
فأجابته على الفور بقولها :كنت تلك وصية علقم هو من طلب مني ذلك قبل ان يموت بأن احرق جثته
تنهد عمار بعمق ثم قال : وكيف مات علقم ؟

فقالت دليلة شارحة : طريقة موته كانت غريبة جدا ومرعبة لقد كان في الآونة الاخيرة يشاهد اشياء أمامه تحصل كان يتقاتل مع أشخاص لا يراهم أحد سواه ظل في ساحة عامة يصرخ ويلوح ويضرب بيديه في الهواء كان يصارع الخيال ثم دخل عندي الى بيت وملابسه ملطخة بالدماء وقال لي بأنه قد قتل كبيرهم وهم قادمون اليه من أجل قتله

لم أفهم ما كان يقصد ولم أشأ ان أساله عن ذلك خشية ان يضربني كعادته ثم اوصاني بأنهم اذا تغلبوا عليه وقتلوه بأن أحرق جثته بعد ثلاث أيام لانهم سيخرجونها من القبر ويأخذونها معهم الى واد الجن في مملكتهم

ثم فجأة بدا المنزل يرتج والاواني تتساقد وكان باب يطرق بقوة يكاد يتحطم وكان علقم يقف خلفه وهو يسنده بيديه وجسمه حتى لا يدخلوا اليه وكنت انا أصرخ وانادي بأعلى صوتي دون أن أعرف ما يحصل ثم تمكنوا من تحطيم الباب

وشاهدت رمحا طويلا يغرس في صدر علقم ويخرج من ظهره وبدات الدماء تغطي مكان وبعد قليل هدا كل شيء ورأيت جثة علقم ممدة أمامي
حتى أهل القرية رفضوا ان يغسلوه او ان يذهبوا في جنازته

فقد تكفلت بكل شيء وحدي وسحبت جثته الى المقبرة ودفنته في مكان بعيد عن قبور الآخرين وحينما عدت الى منزل وجدت الناس تقيم أفراح وهي سعيدة بموت علقم ولم اعرف حينها ماذا أفعل هل اشترك معهم في فرحة ام أعود الى بيت واكمل عدة حزن كأي أرملة حزينة على موت زوجها

فهم عمار كل القصة و أدرك ماهو سبب محنته هذه فقد وقع ضحية تشابه بينه وبين شخصا كان منبوذ ومكروه من طرف الجميع فقد كان علقم هو شبيهه الذي وجده في هذه القرية وورث منه نفس شعور الذي كان يعامل به من طرف الجميع

فسألها قائلا : حسنا واذا كيف ستساعديني على الخروج من هذه الورطة هل ستشهدي أمام الجميع بأنني لست أنا هو زوجك وتخبريهم بالحقيقة ؟

إبتسمت دليلة إبتسامة عريضة حتى كادت تبرز أسنانها البيضاء من تحت ضوء مصباحها اليدوي وقالت : لا بل جئت أريد منك ان تمثل أمام الجميع بأنك انت هو زوجي وانك انت هو علقم الذي يعرفونه
عمار

صعق عمار من كلام الذي أخبرته به دليلة زوجة علقم وبدأ ينظر اليها مستغربا مما تتقول فهو كان يأمل ان يجد عندها حلا يخرجه من هذا المأزق الذي هو فيه فأذا بها تريد ان تغرقه أكثر وتأكد للجميع انه هو ذلك الشخص الذي يخافون من الاقتراب والحديث معه

فسألها قائلا : هل جرى لعقلك شيء يا امرأة انا اريدك ان تخلصني من هذه ورطة وانت تريدين ان أجازف بنفسي وأقول لهم اني انا هو ذلك ممسوخ الذي كنتم تخافون منه ماذا الكلام الذي تقولين وكيف خطر في بالك هذا شيء ؟

فقالت دليلة محاولة ان تبين له الامر وتشرح وجهة نظرها حاول ان تهدأ وتركز جيدا في كلامي ان هذا هو حل الوحيد الذي يضمن لك ان تخرج من هنا وتسترد كرامتك من هؤلاء الذين ظلموك واهانوك واهانونني

إن إعتبارك علقم بينهم يعني انك تملك سلطة مطلقة وسيادة والهيبة والجميع يحسب لك الف حساب ولا أحد يقف في طريقك واي شخص تطلب منه شيء سينفذه لك في الحال

ولن يرد لك طلب ثم إن مسألة خروجك من القرية هي مسألة وقت فقط وتستطيع ان تخرج منها متى تشاء ولكن بعد ان تلقن الجميع درسا لن ينسوه

فأجابها عمار وهو معترضا على كلامها وقال : ومن قال لك اني اريد ان أنتقم من اهل القرية او انني أفكر في إنتقام أساسا كل ما يهمني الان هو ان اعود الى المنزل ولا اريد ان أتورط معهم بشيء اخر

لم يثني هذا الكلام من عزيمة دليلة في إقناع عمار بتمثيل دور علقم زوجها فقالت محاولة من جديد : افهمني جيدا يا عمار مسألة ليست مجرد إنتقام فقط هناك مصلحة قد نجي منها ارباح وتعود الى بيتك وانت محملا بالمال والذهب

قد كان علقم يفرض على الناس ان يدفعوا له أموال و كل شيء ومن نساء كان يأخذ خواتم وصيغ وسلاسل ذهب فإن انت مثلت هذا الدور لفترة قصيرة ستعود الى منزلك وانت محملا بالارباح والذهب الى مكان اخر

وتعيش فيه بعيدا عن هذه القرية ثم المال والذهب الذي عندي والذي أحتفظ به من ايام علقم سيساعدنا انا وانت في إنشاء مشروع مهم ونصبح اغنياء فكر جيدا ولا تضيع الفرصة

راح عمار ينظر اليها وهو غير مصدق أنها تلك المراة التي جاءت مستعطفة معه وتحاول ان تساعده فإذا بها تنقلب إلى شخص اخر يحاول ان يستغله لاطماعها الخاصة

هنا قد توضحت أمامه صورة جيدا وعرف لماذا علقم تزوج هذه المرأة فلم يكن كل ذلك بصدفة ولكن كما يقال الطيور على أشكالها تقع فسألها قائلا : اخبريني بصدق يا دليلة هل كنتي تحبين هلقم هل كنتي تتمني انه لم يمت فعلا وظل حي الى الان ثم لماذا تريدي ان تجعلي مني لصا يساعدك في نهب ارزاق الناس ويتطاول عليهم

سكتت دليلة برهة ثم أجابته قائلة : مسألة انني كنت أحب علقم ام لا فسأقول لك بكل صدق أنني أحببته نعم أحببته ولا تستغرب من كلامي هذا لانه الوحيد الذي منحني الثقة والامان في هذه القرية وكان الظل الذي أعيش تحته

حتى وان كان شيطان وغولا فهو يظل زوجي والذي حماني من ظلم وتنمر اهل القرية وجعل لي مكانة بينهم اما إذا كنت اريد ان أجعل منك لصا وسارقا فلا تفهمني من هذا الجانب

انا مستعطفة معك واريدك ان تخرج من هنا وتعوض الايام التي قضيتها في النوم في العراء وتعوض تعذيب النفسي الذي تعرضت له هنا صدقني انها فرصة العمر ويجب ان تفكر فيها مليا وتعيد حساباتك من جديد

انا سأتركك الآن وفي الغد مثل هذا الوقت سأتي اليك واسمع منك الجواب النهائي
وقبل ان تنهض دليلة من مكانها سألها عمار قائلا ولنفترض اني لم أوفق ماذا يمكن ان يحدث ؟

إبتسمت دليلة إبتسامة خبيثة وقالت : لا شيء وان جاء اهل القرية يسألونني من يكون هذا سأقول لهم انك زوجي وستقضي بقية حياتك هنا منبوذ من طرف الجميع
وتنام في الخرابات ولن تخرج طوال عمرك من هذه القرية تذكر كلامي وفكر جيدا في ما عرضت عليك

ذهبت دليلة وتركت عمار غارق في مصيبة جديدة لم يكن يحسبها فحتى الامل الذي ظن انه قادم لم يكن الا سراب يريد ان يضلله اكثر ويغرق به في حيرة ويأس لكم تمنى انه لم يأتي الى هنا وظل في بيته وكف نفسه عناء

كل هذه مشاكل ولكنه النصيب والقدر وحتى تكتمل معه اكثر وجد له توأم هنا ذو تاريخ اسود في طريق واصبح هو يحمل ذنوبه فوق اكتافه ويعيش بها دون اي ذنب

وضع رأسه على حقيبته وحاول ان ينام ولكن النوم لم يعد يأتيه وسط هذه الكوراث والمصائب المتلاحقة وظل طوال الليل يقلب أفكاره ويحاول ان يصل الى حل أخر الى ان سمع صوت أذان الفجر ينادي من مأذنة القرية فنهض للصلاة لكنه تذكر حادثة التي وقعت له مع إمام مسجد

فقرر ان يعود الى مكانه والا يذهب ولكنه تذكر مقاولة كان يقولها جده عن حكايات الجن والشياطين بأنها لا تدخل مساجد ولا تقترب منها فهل يعقل ان يكون إمام مسجد لا يعرف هذه المعلومة ايضا ولماذا لم يلاحظ عليه ذلك

فنهض مرة اخرى وقرر ان يذهب فإذا وجده إمام هناك سيقتنع بأنه ليس كما يتصور
توجه عمار مسرعا الى مسجد قرية فوجد إمام يجلس وحيدا منتظرا الناس للصلاة وكان يجلس بشكل هادئ ولم يتوتر او يضطرب عند رؤيته حينما دخل من باب مسجد وكانه كان يتوقع قدومه فإستغرب عمار من ذلك وراح يقف منتظر ردة فعل إمام لكنه أشار إليه بيده وقال تعالى يا عمار إقترب

تقدم عمار بخطوات متثاقلة وهو غير مصدق ان امام المسجد ينادي عليه باسمه ولم يصفه بالملعون وممسوخ كما حدث في المرة السابقة وانه ربما قد أدرك بأنه ليس ذلك الشخص الذي يعتقده الجميع

أحس بأن الروح والسعادة قد رجعت له وأنه اخيرا قد زال عنه غمام الحيرة واليأس فوقف بالقرب من إمام المسجد وهو ينظر إليه بنظرات الامل و خلاص مما هو قادم إليه به فأشار له بأن يجلس أمامه فأنزل عمار بركبته على الارض ووضع فخذيه على ساقه وجلس وهو ينتظر الى ما سيقوله له

فأدخل إمام يديه في جيب عباءته واخرج منها مفتاح وقدمه الى عمار قائلا : هذا مفتاح منزلي الذي يقع خلف المسجد من هنا تذهب اليه وتستحم وتغتسل وتتناول إفطارك وتصلي الفجر في البيت وبعد ان أكمل صلاة بالناس سأتي اليك وأحدثك في موضوع مهم

تحرك الان قبل ان يأتي مصلون يرونك هنا اخرج من باب الخلفي للمسجد وستجد منزلي مباشرة أمامك أدخل ولا تخف فلا يوجد هناك أحد

أخذ عمار مفتاح من يد إمام وذهب مسرعا الى منزله وفتح باب فوجد طاولة بها طعام إفطار الصباح ينتظره وكأنها كان معدة له مسبقا إستحم واغتسل وبعدها صلى صلاة الفجر وتناول طعامه وقبل ان يكمل إذا بباب المنزل يفتح ويدخل منه إمام مسجد

فلم يتحدث إليه بل توجه مباشرة باتجاه غرفة اخرى وقضى هناك بعض الوقت ثم عاد الى عمار وجلس بالقرب منه وقال :
أعتذر منك يا بني لانني طردتك ذاك اليوم من مسجد

فأنا كنت اعتقد بانك ذلك الملعون الذي مات قبل خمس سنوات ولا أنكر أنه بينك وبينه شبه كبير الى درجة ان كل من يراك يعتقد انك هو
َإعتدل عمار في جلسته ثم إلتفت ناحية إمام وقال : لا عليك يا حضرة إمام حصل خير ولكن كيف ادركت الان بأنني لست انا هو ؟

فأجابه إمام قائلا : لقد شككت في موضوع بعدما رأيتك تدخل المسجد وانت تحمل هيئة إنسان محترم ومعتدل وهو في بيت الله وقلت في نفسي بأن هذا سلوك لا يمكن ان يكون في شخصاً لايصون حرمة مقدسات وشرائع

ثم ان ذلك الملعون لم يقترب يوما من مسجد ولم يدخل اليه بينما انت كنت تدخل اليه ولا يبدوا عليك الارتباط والوجل حتى نظراتك وانت تحدث الناس كانت توحي بأنك صادق لذلك إطمنئت اليك وقلت يخلق من شبه أربعين ..

ولم أشاء ان اخبر الناس بحقيقتك حتى أتاكد جيدا من تكون واليوم حينما جئت عندي الى مسجد قلت أعتذر منك في بداية وبعدها سيعرف الناس حقيقتك .

أطرب هذا كلام قلب عمار وأحس بالسكينة والسعادة وكانه بات من أمنين وأسترد ثقته بنفسه وقال : اخبرني ياحضرة إمام هل كان لعلقم أهل في هذه القرية ام أنه غريب عنها ؟
فسكت الإمام قليلا وقال سوف أخبرك بقصة علقم لاكن ليس الآن حتى الغد

بدأ إمام المسجد يحكي لعمار قصة علقم وقال
علقم ليس إبن القرية لقد جاء الى هنا منذ زمن بعيد واذكر ان إمراة غجرية هي من أحضرته الى هذه القرية كان طفلا ليس كمثل بقية الاطفال يقتل حيونات ويتلذذ بتعذيبها

ويمارس المنكرات جهرا ونهارا لم يكن أحد قادر على بطشه او الاقتراب منه يده كانت صلبة كصوان يضرب بيها فيوقع اقوى رجال كان مسكون من الجن وياعوذ بالله

ثم كبر علقم هنا شيء فشيء وكبرت معه مشاكله ومصائبه لدرجة انه أصبح غولا حقيقي والسر كله يعود لتلك المراة الغجرية التي ربته في بيتها يقال انها كانت ساحرة ومشعوذة

وكانت هي من اورثته طبائع الشر والمنكر من خلال الاعمال التي كانت تعلمها اياه واغلب الظن انها هي من سخرت الشياطين والجن بجسده عن طريق السحر حتى صار كائن بشري ممسوخ مسكون بهم .

فسأله عمار مرة اخرى قائلا : وهل تزوج علقم من إحدى نساء اهل القرية ؟
سكت إمام وراح ينظر إليه عميقا ثم اردف قائلا : ولماذا سألتني هذا سؤال ؟

تنحح عمار قليلا ثم قال : لانه يامولانا قد جاءت عندي زوجته ليلة البارحة وعرضت علي ان أساعدها في أمر مهم مقابل ان تساعدني هي في خروج من هنا

و كانت تحاول ان تجعلني ابدوا أمامكم بانني انا هو علقم من أجل اجمع المال من اهل قرية وأستغل غفلتهم واعتقادهم بأنني انا هو علقم ويخافوني مني ويقدمون لي ما أطلب

فسأله إمام قائلا : وبماذا أجبتها انت ؟
رفضت طبعا فلا يمكن ان أتحول الى لص وقاتل كما كان يفعل ذلك الشخص الذي تصفونه بانه ملعون

انا ياحضرة إمام قد دخلت الى هذه القرية بخطأ كنت ابحث عن صديق قديم يدعى خالد اعرفه منذ ايام خدمة العسكرية ولا علاقة لي بكل الذي تعرفونه فلا يعقل ان اسلمها نفسي حتى تجعل مني لصاً وقاتل

وحتى لو بقيت هنا منبوذا بينكم فأنني لن ارث من ذلك الشخص الذي يشبهني أفعاله ادقذرة يكفي ما لقيته من مصائب بسبب الشبه الذي بيننا وهي ترديني ان اتشبه حتى بطباعه

إبتسم إمام مسجد وقال : بارك الله فيك لا أنكر اني أعجبت بك فيا سبحان الله هناك فرق بين ثرى وثريا رغم تشابه كلمتين فثرى هو ندى الارض والثريا هي نجوم العاليا في السماء والتي يشع بريقها كل ليلة مع بداية مغيب
وهذا هو الفرق بينك وبين علقم وما حصل لك مع عقلم لم يكن الا ما صدفة وقعت بين توأم القدر

إستغرب عمار من الجملة الاخيرة فقد سمع هذه الجملة من قبل وراح يفكر من أين جائت اليه ومن أين سمعها وسأل الامام قائلاً : توأم القدر من اين سمعت بهذه الكلمة يا حضرة الإمام ؟

إبتسم الإمام إبتسامة مشرقة وقال : من إمراة تدعى دليلة يابني دليلة التي جاءت إليك البارحة لم تكن زوجة علقم كما أخبرتك انها ابنة اختي

إنقلب كل شيء في ذهن وعقل عمار ولم يعد يفهم ما يجري من خلفه ولا من حوله وراح ينظر الى إمام مسجد في صدمة وذهول وكأنه بات أطرش وأعمى في حفلة عرس لا يعرف ما يدور فيها

فكل يوم يتفاجئ بشيء جديد في هذه القرية التي أصبحت تخبيء له الكثير من الأسرار والمفاجأة
فنطق عمار بصوت متعرج يسأله قائلا: هل قلت لي ان دليلة ليست زوجة علقم ؟

حرك إمام رأسه بالايجاب وهو يحدق مبتسما في عمار ويتأمل مشاهد صدمة ودهشة وهي تعصر وجهه وقال :أجل دليلة ليست زوجة علقم

فتح عمار فمه محتارا مما سمع وأدرك ان كل ذلك الكلام الذي قالته له عن علقم كان كذب فعاد يسأله مرة اخرى قائلا :
ومن تكون دليلة ؟

ضحك إمام بصوت منخفض وهو يراقب دهشة عمار الذي أحس بأنه صدم بخبر وقال : دليلة هي إبنة اختي انا وهي من أعدت لك هذا الطعام وهي الان مع زوجتي في منزل أهلي وانا من أرسلتها لك حتى تتحدث معك على أنها زوجة علقم

تجمد عمار في مكانه ولم يعد يصدق ما يسمع وراح شاخصا بصره في إمام المسجد وعلامات تعجب تدور حول رأسه وكأنه لم يعد يستوعب ما يحصل خلف كواليس فسأله بصوت مصدوم قائلا : ولكن لماذا فعلت كل ذلك يا حضرة إمام ؟

تربع إمام مسجد في جلسته وقال شارحا :بعدما أدركت بأنك لست انت علقم خشيت ان تكون انت أخوه او أحد اقاربه يحاول ان يتسلل بيننا وينتقم له او يحاول يبحث عن المال الذي كان علقم يجمعه من أهل القرية ويسرقه منهم

فقلت لا بدا من ان أتبين نوياك جيدا وان تبقى في نظر الناس على أنك هو علقم حتى اعرف الحقيقة. فاتفقت مع إبنة اختي دليلة على ان تذهب اليك وتقدم اليك طعام وتأخذ معك موعدا بعد ان ينام الجميع

وتأتي اليك لتتفق معك على تمثل دور زوجها أمام الجميع وبعد منتصف الليل احضرتها اليك وكنت انا واقف خلف جدار أستمع لكلامكم وقد سمعت كل حوار الذي دار بينكما وارتحت بأنك لست هنا من أجل الانتقام او الطمع في المال

وتأكدت بان كل مافي موضوع هو مجرد تشابه ليس إلا وبعد اذان الفجر دخلت الي قادم من هناك لان ضميرك الحي لن يدعك تنام وستلجىء اخيرا الى بيت الله وها انت الآن في منزلي وقد عرفت كل شيء

أحس عمار بأن صدره ينشرح وانا غمام الحيرة قد بدا ينقشع وقد إتضحت له كل رؤيا وفهم كل ما كان يدور من حوله فضحك على نفسه وعلى ما جرى معه وهو غير مصدق بالمقلب الذي وقع فيه وقال : أتعلم ياحضرة إمام كنت أفكر في أنك اذا ما طردتني مرة أخرى من مسجد بأن أخذ دابة من اهل القرية واركب عليها واقطع بها طريق العودة

ولن أبقى هنا ثانية واحدة ولكن جميل بانك قد إستقبلتني وشرحت لي كل شيء فعلي الاقل لن أذهب وانا محبط وغافل ولكن أخبرني كيف مات علقم فقد حكت لي دليلة قصة موته فهل مات كما اخبرتني هي فعلاً ؟

فأجابه إمام مسجد شارحا : لا فعلقم مات بطريقة شنيعة جدا ولا أحد شاهد كيف مات سوى انا وسأخبرك بها بشرط لا تحكي لأحد من اهل القرية ولا أحد أخر سواك يعلم بهذه قصة

كان ذلك في إحد الليالي حينما كان يجبر علقم اهل القرية بأن يدخلوا لمنازلهم ويظل وحده يتجول في أرجاء القرية اذكر حينها انني نهضت لقيام الليل
وكان ذلك قبل يوم واحد من شهر رمضان شاهدت من نافذة منزلي هذه التي تطل على ساحة القرية ثلاث رجال يرتدون عباءات بيضاء ووجهم يشع كالنور وهم يدخلون من جهة الامامية للقرية

وكانوا يمشون بخطوات ثابته وملامحهم لا تظهر رغم انهم كانوا قطعة من ضوء قمر ولما رأهم علقم صرخ من الخوف والرعب وكأنه كان يعرفهم فهذه اول مرة أشاهد علقم وهو خائف ومرعوب فأمسكه أحدهم من يديه اليمنى والاخر من يديه اليسرى ثم جاء الشخص الثالث وغرس شيء في قلب علقم وتركه طريحا على الارض وبعدها اختفوا في لمح البصر

كانت اقدامي ترتعد من الرعب من رؤية هذا المنظر وانا أتساءل من يكون اولئك الثلاثة الذين دخلوا الى القرية وقتلوا علقم وبينما واقف في حيرة اذا بي أسمع صوت قادم من بعيد وكان صوت الاذان فعرفت من يكون اولئك

وفي صباح إستيقظ اهل القرية واذا بهم يجدون جثة علقم ممدة في ساحة والغريب انه لا توجد اي اثار للدماء او خدش على جثته رغم انني متاكد اني لمحتهم وهم يدخلون شيء في جسده ثم حملناه وأخذناه للمقبرة لدفنه وحينما حفرنا قبره فاذا بصوت يأتي من خلفي ويقول لي لا تصلي عليه التفت الى مصدر صوت فلم يكن هناك اي أحد

وبينما نحن عائدين الى منازلنا شاهدت شيء يدخل الى قبر علقم فعرفت انهم جاؤو لاخذ جثته وما ان جئت اتكلم حتى نادى علينا نفس صوت قائلا اكمل طريقك ولا تنظر خلفك وهذه كانت قصة نهاية علقم

عن قصص وحكايات العالم الاخر ….

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق