ثقافه وفكر حر

هل يمكن جمع إنسان في اللغة العربية؟

“إنسان” كلمة عربية تتعدد المشتقات المتداخلة معها من قبيل “الناس” و”الإنس”، ويطرح هذا التداخل مسألة جمعِ إنسان في اللغة العربية، من حيث صيغته ودلالته. وبينما تدلّ لفظة إنسان على النوع البشري الذي قد يبدو غير قابلٍ للجمع، تُورد بعض المعاجم العربية القديمة والحديثة أمثلة عن جمع إنسان.

إن كان لكلمة إنسان جمع في اللغة العربية، وتحدد لك صيغ هذا الجمع ودلالاته، وأقوال المعجميين فيها، والشواهد الشعرية الدالة عليه.

إِنسان اسم مؤنثه إنسانة. ويُعرَّف في المعاجم المعاصرة بالكائن الحي المفكر. وإنسان السيف والسهم: حدُّهما. والإنسان المِثالي: الذي يفوق العاديّ بِقُوَى يكتسبها بالتطور. وقيل الإنْسَانُ من يتميّز بسموّ خلقه. والإنسان الأوّل: آدم عليه السلام. والإنسان اسم سورة من سور القرآن الكريم، وهي السُّورة رقم 76 في ترتيب المصحف، مدنيَّة، عدد آياتها إحدى وثلاثون آية. وإنسان العين: الحدقة، أي تلك الفتحة التي يمرّ فيها الضَّوء إلى داخل العين، وتتَّسع وتضيق تبعًا لشدّة الضَّوء. وعلم الإنسان: علم يبحث في تاريخ تطوُّر الإنسان من حيث بنيانه ونظمه الاجتماعيّة وعلاقاته العنصريّة وتوزيعه الجغرافيّ. والإِنسانيّ: اسم مَنْسوبٌ إلى الإِنْسانِ. والإِنسانيّة مصدر صِناعِيٌّ مشتق من الإنسان، ويفيد مجموع خصائص الجنس البشريّ التي تميّزه عن غيره من الأنواع القريبة، ضدّ البهيميّة أو الحيوانيّة. وأُناس: اسم بشر، ويخفَّف بحذف الهمزة فيقال ناس. والإِنْسُ: اسم خِلاف الجن، والإنْسِيُّ : نسبة إلى الإنْس.

جمع إنسان في المعاجم

 

تتواتر صيغة “أَنَاسِيّ” جمعاً لكلمة إنسان. ومن هذا ما أورده ابن سيده في معجم “المحكم والمحيط الأعظم” بتفصيل. وقد أورد في ذلك قوله كما يلي “أناسِيُّ، ككُرْسِيٍّ وكَراسِيَّ، وَقيل: هُوَ جَمْعُ} إنسانٍ، كسِرْحانٍ وسَراحِينَ، ولكنَّهم أَبدلوا الياءَ من النُّون، كَمَا قَالُوا للأرانب: أَرانِيّ، قَالَه الفراءُ، وقَرَأَ الكسائيُّ ويَحيى بن الْحَارِث قولَه تَعَالَى: {- وأَناسِيَّ كَثيراً بالتَّخفيف، أَسقطَ الياءَ الَّتِي تكون فِيمَا بينَ عَيْن الفِعل ولامُه، مثل: قَراقِيرَ وقَراقِرَ، يُبَيِّنُ جَوازَ} أَناسِيَ بالتَّخفيف قَوْلهم: {أَناسِيَةٌ كثيرةٌ، جعلُوا الهاءَ عِوَضاً من إِحْدَى ياءَيْ} أَناسِيَّ جمع إِنْسَان، وَقَالَ المُبَرِّدُ: {أَناسِيَةٌ جمع} إنسِيَّةٍ، والهاءُ عِوَضٌ من الياءِ المَحذوفة، لأَنَّه كَانَ يجب {- أَناسيّ بِوَزْن زَنادِيقَ وفَرازِينَ، وأَنَّ الهاءَ فِي زَنادِقَةٍ وفَرازِنَةٍ إِنَّمَا هِيَ بدَلٌ من الياءِ، وأَنَّها لمّا حُذِفَتْ للتَّخْفِيف عُوِّضَتْ مِنْهَا الهاءُ، فالياءُ الأُولى من} – أَناسِيَّ بِمَنْزِلَة الْيَاء من فَرازينَ وزَناديقَ، والياءُ الأَخيرةُ مِنْهُ بِمَنْزِلَة القافِ والنُّون مِنْهُمَا، وَمثل ذَلِك جَحْجاحٌ وجَحاجِحَةٌ، إنَّما أَصلُه جَحاجِيحُ”.

 

وقد تناقلت معاجم أخرى كلسان العرب لابن منظور وتاج العروس للزبيدي جمع إنسان على أَنَاسِي. ونقلت هذه المعاجم عن اللِّحْيَانِيُّ قولًا مفصلًا في ذلك إذ يقول: “يُجْمَع إِنسانٌ أَناسِيَّ وَآنَاسًا عَلَى مِثَالِ آباضٍ، وأَناسِيَةً بِالتَّخْفِيفِ والتأْنيث. والإِنْسُ: الْبَشَرُ، الْوَاحِدُ إِنْسِيٌّ وأَنَسيٌّ أَيضًا، بِالتَّحْرِيكِ. وَيُقَالُ: أَنَسٌ وآناسٌ كثير. وَقَالَ الْفَرَّاءُ فِي قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: وَأَناسِيَّ كَثِيراً؛ الأَناسِيُّ جِماعٌ، الْوَاحِدُ إِنْسِيٌّ، وإِن شِئْتَ جَعَلْتَهُ إِنساناً ثُمَّ جَمَعْتَهُ”.

كيف يُصاغ جمع إنسان؟

اتفقت جل المعاجم على لفظة “أَنَاسِيّ” كما أسلفنا جمع لكلمة إنسان. وقد فصّلت هذه المعاجم أيضًا في طريقة صياغة هذا الجمع. ويتبين أن أناسي أصلُها أَناسِينُ، ثم أُبدلت النونَ ياءً وأُدْغَمُت فيها ياءَ فَعاليل. أناسين=أناسيي=أناسيّ. ويورد أهل الصرف مثال ظربان وظرابي، كمثل على هذا النوع من الاشتقاق، مشيرين إلى أن علامة النسب المتجدد جواز سقوط الياء. وبقاء الدلالة على معنى مشعور به قبل سقوطها.

هل يمكن جمع إنسان؟

 

بناءً على ما سبق يتضح أنه يمكن جمع إنسان جمعٌ متواترٌ على “أَنَاسِيّ” مثلما أوردت ذلك المعاجم، ومثلما اعتمد ذلك أهل النحو والصرف العربي. وقد ورد هذا الجمع في كثير من الشواهد الشعرية مشتركًا بين معنيين رئيسين: جمع إنسان الذي يقصد به الآدمي، أو جمع إنسان العين الذي يقصد به الحدقة. ومن هذه الشواهد:

 

  • قول كعب بن زهير:

 

حَديثُ أَناسِيٍّ فَلَما سَمِعتُهُ             إِذا لَيسَ فيهِ ما أَبينُ فَأَعقِلُ

قول ذو الرِّمّة:

بِها مِن حَسيسِ القَفرِ صَوتٌ كَأَنَّهُ             غِنَاءُ أَناسِيٍّ بِها وَتَنادِ

وقال أيضًا:

إِذا اِستَوجَسَت آذانُها اِستَأَنَسَت لَها           أَناسيُّ مَلحودٍ لَها في الحَواجِبِ

قول الطغرائي:

بعثُوا أَناسِيَّ الحِداق فما انثنتْ               إلا وأشفارُ الجفونِ شِفَارُ

قول البحتري:

بِدَفعٍ عَنِ الحاجاتِ حَتّى كَأَنَّما                 سُئِلتُم أَناسِيَّ الحِداقِ اللَوامِحِ

قول محيي الدين بن عربي: 

فإنْ تجس ترى لينا وداخله                      سمّ قتول كأني الحية الرقشا

هذا خصصتُ به وحدي وأعن به             نوع الأناسيِّ حال البدء والإنشا

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق