مكتبة الأدب العربي و العالمي
حكاية #عيشوناش الجلابيّة (حلقة 1)
قصة حقيقية تروي حياة سلطانة “تُقُّرْت” وهي مدينة جزائرية تتبع إدارياً لولاية وَرْقْلَة” التي تأسست في القرن الرابع ميلادي في عهد مملكة نوميديا، وتبعد بنحو 620 كلم جنوب العاصمة الجزائرية.تعود الأحداث إلى أربعة أو خمسة قرون خلت، كان فيها “بنو جَلَّاب” أبناء العم أعداء، بعضهم يحكم “تقرت” والبعض الآخر “تماسين”.
عند مغيب الشمس، كانت كل من المدينتين المحصّنتين تقفلان أبوابهما بإحكام ،فيكون أهلهما في أمان لا يزعزعه خوف من غزاة أو حيوانات متوحشة، فقد كانت الأسوار متينة شيدها أهل الصحراء فأتقنوا بناءها، وحتى اليوم تشهد سماكة المواد المستخدمة على صلابتها، فهنالك جذوع النخل التي تحل محل الحديد، بالإضافة إلى الصلصال والرمل اللذين يشكلان الخليط الأساسي، أمّا الخشب المستخدم فإنّه يُنقع في ماء مملح لمدة طويلة، ثم يجفّف تحت الشمس لعدة شهور، لكي لا يتعفّن .
الأبواب أيضا كانت تصنع من جذوع النخل، وكان البناؤون يشدّونها إلى جذوع الأشجار الموضوعة بإحكام في الأسوار.ولما كانت الحماية بعد هذا مؤمَّنة في البيوت، كان بوسع الرجال التأخر خارج البيت والمسامرة مع رفاقهم، أما النسوة فينشغلن بتحضير الطعام على الكانون، ويتبادلن الجديد من أخبار النّاس.
أما بيوت الأسياد فهي قصور عالية، وحصون منيعة بُنيت على صورة تعكس قوة مالكيها الذين هم ملوك الصحراء ممن لم تدفعهم حياة الترف إلى الميوعة، فيَدُ السيّد الفطن لا تفارق خنجره، وعينه لا تغفل عن بارودته
وعلى مدينة “تماسين” كان يحكم أمير وهبه الله سبحانه جل وعلا، ابنة آية في الجمال، أحبها ملك “تقرت” حباً شديدا،، كانت الفتاة تدعى “عيشوناش”، وكان والدها فخورًا بأن أنجب جوهرة مثلها، فأنشأها على عُرف القبيلة، وهيَّأها لتعتلي أرقى مناصب العز والجاه.
ولما طلب ملك “تقرت” منه ابنته للزواج لم يعر طلبه اهتماماً، بل إنه ازدراه وحط من قدره، فأين “تقرت” من “تماسين” التي اصطفاها الله ببحيرة ماء صافية ،وواحة خضراء . جن جنون ملك تقرت وتَملَّكه الغضب ، ولم يرض بالذل والخيبة، بل جهز العدة والرجال للغزو وقد كان له من الكنوز وسبائك الذهب ما يكفي لتجهيز جيش كبير ،وما هي إلا أسبوع حتى زحف على عدوه ،بجيش ملأ الصحراء .
أمّا في الجهة المقابلة فقد إشتري خصمه قبائل البدو بالمال تحضيرا للمواجهة، لكن في أحد الليالي قصد رجال مدججون بالسلاح طريق الجنوب ممتطين أسرع النوق، وباغتوهم في الليل، فتفرّقوا في الصّحراء ، وبينما ملك تماسين يصطف مع جيشه للحرب منتظرا البدو للإنضمام إليه ، تنكّر أولئك الرّجال ،ودخلوا المدينة في غفلة من الحرس، وأمعنوا في أهلها السّيف ،وأشعلوا فيها النار .
ولمّا سمع ملكهم الخبر حاول الرجوع بجيشه بسرعة ، لكن ملك “تقرت” رأى الفرصة سانحة ،وأطلق عليهم خيله، فهزمهم شر هزيمة، وفرّوا في كل مكان ،وغنموا مالا عظيما ، وأسر رجاله الأميرة “عيشوناش” وهي تحاول الهرب في سراديب القصر، ثم رجع القوم إلى مدينتهم منتصرين ، وهم يهتفون بحياة الملك .
في الصباح أتى إليها الملك ،ونزع القيد من يديها ،وقال لها: تعلمين بحبي لك ،لهذا أتركك حرة تذهبين إلى حيث ترغبين وسأجهز لك هودجا وجواري لخدمتك ،وإن شيئت البقاء فمرحبا بك ضيفة علينا…
…
يتبع الحلقة 2