مكتبة الأدب العربي و العالمي
حكاية الصّياد والملك وبنت منصور وراء السّبعة بحور غرام الأميرة غالية (الحلقة 8)
لم يمرّ سوى شهر على رجوع الصّياد بالتّفاحات حتى تسامع النّاس بقدوم أسطول من مئات السّفن ،فأمر السّلطان بإغلاق الأبواب ،والإستعداد للحرب ،ثمّ صعد على الأسوار ،فشاهد جيشا كبيرا يقترب ،وقد ثار الغبار،وعلا صهيل الخيل ،فقال للحاشية :راياتهم غريبة ،ولم أشاهد مثلها من قبل، هل يعرف أحدكم من أيّ بلد أتى هؤلاء ؟ فنظروا لبعضهم ،وردّوا : ليس لنا علم بذلك يا مولاي !!! لكن نسيم إلتفت إليه، وقال: أعتقد أني أعرف من هم ،لقد رأيت تلك الرايات فوق قصر بنت منصور ،ولا أدري لماذا جاءت، فهي فيما أعلمه لم تغادر جزيرتها منذ أقدم الأزمان ،سأذهب إليها ،وأفهم سبب قدومها.ركب نسيم جواده ،وخرج ،ولمّا وصل إلى معسكرها، طلب رؤية الأميرة غالية . بعد قليل جاء الحرس ،واقتادوده إلى خيمة كبيرة مجلّلة بالدّيباج والحلّي النّفيسة ،فدخل، وسلّم عليها، فوجدها جالسة على مقعد من خشب الصّندل المطعّم بالعاج ،وتحت قدميها جلود النّمور،فنظرت إليه مليّا، ثمّ قالت له: إذن أنت من جاء لمملكتي ،وسرق تفّاحاتي !!!
أجابها :عذرا يا مولاتي، لقد كنت نائمة ،والتّفاحات أخذتها لعلاج سيّدي ،على كلّ حال سنعطيك عوضا عنها ما تشائين من طرائف بلادنا، لكن الأميرة لم تجب ،فقد كانت تتأمّل جسده القويّ، ووجهه الوسيم ،ثمّ قالت :لقد قرأت رسائلك ،وأعجبني ما فيها من كلمات رقيقة، ثمّ سألت الطّيور عنك، فأخبرتني بما أجّج نار الحبّ في قلبي ،ومنذ ذلك اليوم وأنت تشغل بالي حتى قرّرت المجيئ إليك ،وإن لم ترجع معي ،حرقت هذه المملكةّ ،فأنتم لا تعلمون مقدار قوتي!!! فكّر نسيم ،وأحسّ أنّه في ورطة شديدة ،فهو يحبّ الأميرة دلال ،لكن فجأة ظهرت البسمة على وجهه ،وقال : من عادتنا أن نستقبل ضيوفنا شهرا، فابقي معنا ،أمّا أنا فسأذهب لآتي بأمّي، ثم آتي إليك!!! أجابته :إذا كان الأمر كذلك ،فلا بأس.أمّا نسيم فوضع زادا على فرسه ،وأخذ كلبه ، ثمّ خرج للبحث عن أخيه سليم، فهما متشابهان، ولن تفطن الأميرة الغالية لشيئ ،وسيكون منبسطا لزواج أخيه منها ،فهي فتاة في غاية الجمال، ومملكتها عظيمة لا يوجد ما يضاهيها بين الممالك .و تمنّى أن تنسى امرأة أبيه حقدها عليه ،وتكفّ عن بثّ الفتنة بينهما ،وبفضل ذلك الطائر في غابة السّاحرات يمكنه زيارة أخيه في الجزيرة كلّما إشتاق لرؤيته .
كان غارقا في أفكاره لمّا بدأ الظّلام في النّزول، فرأى من بعيد كهفا فقصده، ثمّ دخل ،وأشعل نارا يسخّن عليها طعامه ،وتصاعدت رائحة المرق واللحم، فمدّ يده ليأكل،وفجأة أطلّت عليه امرأة شابّة ترتعش من البرد ،وقالت له :لقد كنت مسافرة مع زوجي، لكن خرج علينا قطاّع الطّرق، فقتلوه، وتمكّنت أنا من الهرب بشقّ الأنفس ،هل يمكنك أن تأويني عندك حتى حلول الصّباح ؟ أجابها: تفضّلي، لكن ما أن دخلت حتى زمجر الكلب ،وعبثا حاول تهدئته ،وفي النّهاية طرده خارج الكهف ،ثمّ إستلقى نسيم للنوم ،وما كاد يقفل عينيه حتى تحوّلت تلك المرأة لغولة ضخمة ،وإبتلعته ،وبدأ الكلب يعوي حزنا على سيّده ،فجرت خلفه لتقبض عليه ،لكنه هرب وسط الأشجار،ورجعت الغولة للكهف ثم نامت وهي تشعر بالشّبع .
لكن نسيم كان في جسده سحر تفّاحة بنت منصور ،ولذلك ظلّ على قيد الحياة ،ولم تتمكّن معدة الغولة من هضمه ،وقال في نفسه :أتمنّى أن يأتي الكلب بأحد لإنقاذي ،وإلا هلكت !!! ويحي ،كيف لم أفطن إلى أن تلك المرأة غولة ، فوراء الوردة الجميلة قد يختفي السّم الزّعاف ،والله إن نجوت من هذه المصيبة ،فلن أثق أبدا في بنات حوّاء ..
…
يتبع الحلقة 9 قبل الأخيرة
مع تحيات الكاتب طارق السامرائي