مكتبة الأدب العربي و العالمي
حكاية لعبة الأرواح من قصص الرّعب والتشويق اللّوحة الملعونة (الحلقة 1 )
كان خليل موظفا في بنك، وهو لا يزال في بداية حياته ،و يعيش بمفرده في شقة وسط حي الزّمالك ،وتعوّد على الذّهاب للنّادي مع أصدقائه للسّهر،ولعب البلياردو، وهناك تعرّف على هالة ،وهي كوافيرة تهتم كثيرا بهندامها وأناقتها ،ولم يمض وقت طويل حتى قرّرا الزّواج ،وانتقلت الفتاة للعيش معه في شقّته ،وزادت مصاريف خليل كثيرا ،فهالة لها رفيقات من المجتمع الراقي ،وهي تحاول أن تكون مثلهنّ ،فغيّرت الأثاث ،وأتت بشغّالة ،وأصبحت تطالب زوجها دائما بالمال ،وهو لا يرفض لها طلبا ،فلقد أعجبته هذه الحياة الجديدة ،وبدأ شيئا فشيئا بالإبتعاد عن أصدقائه القدامى الذين يعرفهم من أيام الجامعة ،واقترض كثيرا من البنك الذي يشتغل فيه ،وكان في العمارة جار غريب الأطوار لا يكلم أحدا ،وهو يخرج كل مساء مع قطّة سوداء للتجوّل ،ثم يعود متأخّرا ،ولا يشعل النّور في الليل. ولما ينظر الجيران إلى نافذته التي تطل على الشارع، يرون ضوء شمعة خافت ،وكانوا كلّهم يتجنّبونه إلا خليل الذي يسلم عليه، ويتبادل معه الحديث ،ولم يكن ذلك يروق لهالة ،فقد كانت تشعر بالخوف كلما رأت ذلك الرّجل .
مضت الّايام ،وتراكمت الدّيون على خليل ،وفكّر أن أن يختلس من البنك الذي يشتغل فيه ،لكنّه كان يتراجع كل مرّة ،ولم يعد أمامه من حلّ إلا أن يذهب لجاره ،وبالطبع لم يغب عنه الثراء الذي يتمتع به ،وكان ذلك واضحا من البذلة الغالية التي يرتديها ،وساعة الرولكس الذهبية ، والعطر الفاخر. لمّا طرق خليل الباب، فتح له الجار، وأدخله إلى صالة واسعة مليئة بالتحف ، وبعضها قديم جدا ،ولاحظ الرجل دهشة خليل ،فقال له : لقد ربحت الثراء ،لكني روحي ذهبت للجحيم ،يجب أن يكفّ كلّ ذلك ،لم يفهم خليل شيئا من كلام الرّجل ،وقال له: إني محتاج لسلفة ،هل أجد لديك خمسة آلاف جنيه ؟ وأنا أرجعها لك ،في أقرب وقت !!! إبتسم الرجل، ثم غاب قليلا ،وأحضر له مظروفا ،وقال له :هذا هو المال ،وسأله إن كان يريد أن يربح المزيد ،فأجابه خليل ،وقد إنفتحت عينيه ،نعم، إني في ضائقة شديدة ،أجابه الجار: إني أضارب في البورصة وأربح دائما ،وهناك من يدلني على الأسهم التي ترتفع والتي ستنخفض .
زادت دهشة خليل، وسأله وكيف ذلك ؟ فأخرج له الرجل لوحة ” ويجا ” قديمة ،وهي التي يستعملها العرّافون للتخاطب مع الأرواح ،ثم قال :له هذه اللوحة هي من يخبرني بكل شيئ ،صمت قليلا كأنه يستجمع شتات ذكريات بعيدة ،وهمس : إذا دخات هذا العالم فلا يمكنك مغادرته ،وإذا متّ فتعال ،واحرق تلك اللوحة !!! ولما سأله لماذا لا يفعل ذلك بنفسه، أجابه بأن الشرّ الذي داخله يمنعه من التخلص منها ،كان اليأس واضحا على وجه الرجل ،ومدّ إليه يده ،وكأنه سستعطفه وقال : لا تنس وصيتي،والمال الذي سأعطيه لك هو هدية منّي خرج خليل، وبداخله مزيج بين الفرحة والحيرة من جاره الغريب، فهو لا يؤمن لا بالأرواح ولا العرافين ،لكن هالة بدّدت ذلك المال بسرعة في السهرات والحفلات ،،واضطرّ خليل للرجوع لجاره مرة أخرى ،وهو يشعر بالخجل من نفسه، وأقسم أن تكون هذه آخر مرة يستلف فيها مالا من أحد، ويجب أن تفهم إمرأته أنه ليس ثريا ولا يملك إلا مرتّبه .
ولما صعد لشقة جاره تعجّب فقد كان الباب مفتوحا ،وبمجرد دخوله وجد جاره ممدّدا على الأريكة ،وقد فارق الحياة ،وعلى رأسه جرح كبير ،فخاف خليل لكن قبل خروجه أخذ لوحة ” الويجا ” ،لكنه لم يستمع لنصيحة جاره ،فلقد كانت قديمة ونادرة وربما باعها لأحد محل العاديات وربح منها بعض المال .ثم رماها في أحد الأركان واتصل بالشّرطة التي إنتهت إلى أن الرّجل قتل بشيئ حادّ ،وأن الجريمة غامضة ،ولم تكن بغاية السّرقة رغم الأشياء الثّمينة الموجودة في الشّقة، ولمّا جاء أبناء الرّجل لم يظهر الحزن على وجه أيّ منهم وكأنّهم كانوا مستريحين لوفاته ،وعيّنوا محاميا لييع الشقة وما فيها،والعجبب أنهم لم يحاولوا حتى الدخول إليها ،وكأنّ هناك شيئ يخيفهم …
….
يتبع الحلقة 2
مع تحيات الكاتب نادر حيميدي