مكتبة الأدب العربي و العالمي

حكاية الصياد والملك وبنت منصور وراء السّبعة بحور حليب الغولة (حلقة 4 )

مرّت الأيام والشّهور ، وحدث أن أصيب السّلطان بمرض غريب ألزمه الفراش، فجاء الأطباء لعلاجه ،لكن إحتاروا ،ولم يفهموا علّته ،فدار على العرافين والمشعوذين ،حتى وصلوا إلى شيخ أبيض اللحية لا يعرف أحد عمره ،فقال له : أنت تشكو من سحر دسّه أحد في طعامك، ولا دواء إلا حليب الغولة في قربة من جلد ثعلب، فأرسل السّلطان في في طلب كبار فرسانه ،فقبلوا المهمّة ،لكن اشترطوا عليه عدم إرسال ذاك الصّياد زوج دلال ،لأنهم يكرهونه، فوافق على مطلبهم ،فجهّزوا أنفسهم للرّحيل ،وأخذوا قافلة من الحمير محمّلة بالخيرات ،وساروا ومعهم الخدم والعبيد ،وكلما وصلوا مكانا فيه بئر ماء نزلوا هناك وأكلوا،وغنت جارية لهم ،وهكذا كانت حالهم، فهم لا يعرفون أين تعيش الأغوال ،ولم يروها في حياتهم ،وكلّما وجدو شخصا في الطريق سألوه ،حتى طالت المدّة،وبدأ الزّاد ينفذ .
بينما هم يسيرون ،وقد أنهكهم التعب ، إذا أبصروا فارساً ملثمّا على فرس أبيض يقترب منهم، ثم سلّم عليهم،و طلب شربة ،فقالوا له: إن أجبتنا عن سؤالنا سقيناك!!! هز ّرأسه بالموافقة ، فأخبروه بمهمّتهم، وإن كان يقد سمع من قبل عن أرض الأغوال ،فردّ عليهم : لا أحد يمكنه الذهاب إلى هناك لكن يقدر أن يأتيهم بم يريدون إذا أعطوه ما يطلب !!! فأخرجوا له صّرة من الجواهر ،لكنّه قال : الثمن هو أن يقطع كل واحد منكم شحمة أذنه ،لكنّهم رفضوا هذا الشرط الغريب ،وحاولوا إسترضاءه بمزيد من المال، لكنه رفض ،وهمّ بالذهاب لكنّهم نادوه ،وأخبروه أنهم قد قبلوا ،وأمرهم لله .
كان ذلك الفارس نسيم ،ولقد روى له أبوه قصّة عن غابة تعيش فيها الأغوال ،وأوصاه بعدم الذّهاب هناك للصّيد، فسار أياما ، وفي الطريق اصطاد ثعلبا وسلخه، ولمّا جفّ الجلد صنع منه قربة ،وبعد مدّة وصل للغابة ،فكمن وراء الأشجار ،فشاهد من بعيد أنثى ترضع صغيرين، فانتظر نزول الظلام واقترب منها بعدما مسح وجهه بالأعشاب، ثم أمسك بأحدهما من رقبته ،ورمى لها القربة ،وقال لها :إذا أردت أن أرجع لك ولدك حيا ،فاملئيها من حليبك، ولما نظرت الغولة إلى السّيف في يده تملكها الجزع ،وفعلت ما طلبه منها ،وهي ترمقه بطرف عينها ،فأخذ القربة، وقفز على جواده ،ثم قطع ظفيرة من شعرها ،فأطلقت الغولة صياحا مخيفا ،وبدأت الغيلان تجري وراءه،لكن نسيم أفلت منهم . ولما وصل إلى الفرسان أراهم الضفيرة الطويلة ،وقال معي ما طلبتم ،والآن سأعطيم صرّة تجمعون فيها شحمات آذانكم ، ولم يجدوا بدّا من تلبية أمره وهم يتميزون من الغيض .
حين أخذ الصرة ،سبقهم عبر طريق مختصر إلى المملكة ،وجلس في بيته ،ولما مر به الفرسان إقتلعوا كل ما زرعه من أزهار ونباتات ،،وافتخروا عليه بأنهم أتوا بدواء السلطان، وسيكافئهم على شجاعتهم ولن يسمع به أحد بعد ذلك, لكنه لم يقاوم لأنّه يدبّر لأمر أعظم, وبعد ذلك تركوه، و توجّهوا الى السّلطان، فبشّروه بالسّلامة ، وناولوه الحليب ,فشربه في الحين ،ونام ،ولما اسيقظ في الصّباح ، أحسّ بالجوع ،فصاح :ويحكم ،أريد عنبا وتينا !!! فهنّأه الطّبّاخ بالصحّة والعافية ،وحمل إليه طبقا من الثّمار اليانعة ،فأكل السّلطان حتى شبع وبعد أيّام،عمل وليمة كبيرة،إستدعى إليها أهل القصر والأمراء ،وبالغ في إكرام الفرسان ،ووعدهم بتزويجهم بنات أخيه، وحضر أيضا نسيم وامرأته ابنة السّلطان ،لكن أبوها لم يهتمّ كثيرا بهما ،وكلّ وقته أمضاه في مدح الفرسان الذين أنقذوا حياته ،وغضبت الأميرة دلال من أبيها ،لأنّها تعرف خسّة أولئك الفرسان ،ولا بدّ أنّ أحدا قد ساعدهم ،وهي لا تعلم أنّ نسيم هو من قام بذلك، فلم يخبرها عن سرّه ،وبقي هادئا كأنّ الأمر لا يعنيه ..

يتبع الحلقة 5

مع تحيات طارق السامرائي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق