نشاطات
حكاية الصّياد والملك وبنت منصور وراء السّبعة بحور ماء القمر ( حلقة 5 )
لم تطل فرحة السّلطان فقد أصابه مرض أشدّ من الأوّل، فلاح عليه الهرم ، وضعف بدنه .ولمّا رآه العرّاف العجوز أخبر زوجته أنّه مسحور،ومن فعل ذلك يعرف القصر، ولن يتوقّف حتى يقتله ،ثمّ أوصاها بعدم الثّقة في أحد ،أمّا عن العلاج هذ المرّة فماءٌ ينبع بين جبلين ليلة إكتمال القمر. إحتار الجميع ،فلا أحد خرج في طلبه ورجع حيّا !!! لكن المرأة صاحت :من إستطاع إحضار حليب الغولة، فلن يصعب عليه الحصول على ذلك الماء , ثمّ إستدعت الفرسان، وقالت لهم : سيّدكم في أسوأ حال، وهو لم يعد يتذكّر شيئا حتى أنا لا يعرفني ،ولو أتيتم له بهذا الماء السّحري لأعطيت كلّ واحد منكم ببستانا من التّفاح والعنب، وكسوتكم بالحرير !!! صمتوا فلم يكن أمامهم سوى القبول، وتمتم أحدهم: ويحنا !!! لم يكف ما حدث لنا لنقع في ما هو أعظم .
تجهّزوا بالزّاد والماء ،ثمّ ساروا في طريقهم ،وداروا في كلّ مكان ،وهم يسألون الفلاّحين والرّعاة عن ماء القمر ،لكن لم يسمع أحد به،فاغتمّوا لذلك ،وفكّروا بالرّجوع ،وبينما هم يتناقشون ،وقد علىت أصواتهم ،مرّ بهم فارس يلبس جبّة قديمة ،ويغطّي وجهه ،فاتّفقوا أن: يسألوه ،وقالوا له:إسمع !!! نحن نبحث عن ماء القمر ،فهل تعرف عنه شيئا ؟ أجاب :نعم ،ولكن دونه أغوال وأهوال، وإن أعطيتموني ما أطلب، لآتيتكم به!!! صاحوا بصوت واحد : وماذا تريد؟ فإن شئت مالا أعطيناك ،ولنا أيضا الماشية،ردّ عليهم: لا هذا ولا ذاك ما أريده هو أن أكوي ظهوركم بالحديد ،فغضبوا منه وهمّوا بطرده لكنه قال:أنا رجل كثير السّفر،،ولن تجدوا سواي ليحضر لكم الماء ،ولقد مات كثيرون دون أن يحصلوا عليه !!!
فالتفتوا إلى بعضهم وقالوا : حسنا نحن موافقون ،لكن إشفق على ظهورنا ،فأجاب :لن تحسّوا بشيئ ،والآن سأنصرف !!! كان ذلك الفارس نسيم ،ولم يكن من الصّعب عليه الوصول إلى الجبلين ،فلقد بلغه أنّ الشّمس تتربّع بينهما لمّا ينتصف النّهار،وسار في طرق وعرة مليئة بالسباع ،أمّا في الليل فلا يسمع إلا نعيق البوم ،ويرى عيونها الحمراء وهي تحدّق فيه، لكنّه لم يكن يخاف منها ،وفي الأخير وصل إلى مغارة أمامها ناسك يتدفّأ على نار ،فسلّم عليه ،وأخرج له لبنا وجبنا ،فأخذهما الرّجل وأكل وشرب ،ثم شكر الصّياد ،وقال له :من زمان لم أذق مثل هذا الطعام فأنا أقتات على الجذور والأعشاب، لكن ما الذي أتى بك إلى هذا المكان المقفر؟ ،حكى له نسيم أنّه جاء من أجل ماء القمر ،فأخبره النّاسك أنّه يصعد كلّ يوم إلى الجبلين للصّلاة والتّأمل ،وبذلك عرف وقت خروج الماء ،وهو في الشّهر السّابع ليلة اكتمال القمر،ثم قال له :أنت محظوظ ،فهذا الموعد غدا ،والآن إذهب للنّوم ،وفي اليوم التالي عليك تسلق أحد القمّتين ،والإنتظار حتى الليل . وحينما تسمع هدير الماء إقفز إلى القمّة الأخرى وفي يدك دلو ،وإغرف منه وأنت في الهواء ،وأعلمك أنه إذا لم يكن حصانك قويّا فلا تحاول القفز،وإلا سقطت، ودقّ عنقك .
أعطى نسيم كلّ ما في جرابه من زاد للنّاسك ثم إتكأ على صخرة ليغفو قليلا ،لكنه فكّر في أبيه وأمّه اللذان ماتا ،وتركاه وحيدا ،فبدأ يبكي،وفي النهاية غلبه النعاس ونام ،ولّما استيقظ في الصّباح صعد القمّة التي من جهته ورأى أنّ الثانية كانت بعيدة ،ورغم ذلك لم يخف .لما نزل الظلام أشعل عود حطب ،وأمسكه بإحدى يديه ،أما الأخرى فكان فيها دلوا من النّحاس ،ثم أصاخ بأذنيه ،وما كاد يسمع صوت الماء المندفع من القاع حتى همز فرسه الذي ركض بسرعة ،ثمّ مدّ قوائمه ،وقفز ،في هذه اللحظة أحسّ نسيم بالماء على جسده، فغرف منه ،وصاح في الفرس: لا تخطئ النّزول وإلا هلكنا !!! لكن القفزة كانت هائلة ،وبعد لحظات كان الولد على الأرض ،فحمد الله ،وودّع النّاسك، ثم رحل ،وسار ثلاثة أيام .
لمّا وصل إلى الفرسان، وجدهم في إنتظاره على أحر ّمن الجمر،فقال لهم:لقد أتيتكم بالماء ،ثم جرح إصبعه ،بعد ذلك صبّ عليه قطرة من الدّلو، فشفي من ساعته ،قال الفرسان لبعضهم :لم يبق سوى أن نتقدّم إليه واحدا بعد الآخر ليكوي ظهورنا ،وكان نسيم يستمتع بصرخاتهم ،وبكائهم ،ثم تركهم، وسار كعادته في طريق مختصر حتى بلغ داره ،ومرّ به الفرسان بعد ساعة ،فسخروا منه لأنه لا يصلح لشيئ ،وسيكلّمون مولاهم ليطرده من هنا ،لكن نسيم صمت ،ولم يردّ عليهم .وحين وصلوا إلى القصر شرب السّلطان من الماء ،فزالت عنه العلة ،ورجع أصغر ممّا كان فابتهج ،وأعطى الفرسان البساتين التي وعدتهم بها زوجته ،وزاد في إكرامهم وأصبحوا من خاصّته.أمّا الأميرة دلال، فانزعجت من تهكّمهم على زوجها ،وذهبت لتشكوهم لأبيها.وغير بعيد عنها كانت تقف جارية شابّة تنظر لرجل يتذوّق الطّعام قبل دخوله للسّلطان ،فقالت في نفسها :لن ينفعكم ذلك ،المرّة القادمة سأدسّ له سحرا لن ينجو منه أبدا …
…
يتبع الحلقة 6
،مع اجمل تحيات الكاتب طارق السامرائي