أتيت الى المعهد الموسيقي عندما كنت ولداً متحمسّاً أخرقاً وكنت أريد أن أغيّر العالم .
أتيت من عمشيت البعيدة آنذاك في البوسطة التي تسير بخفّة الطريق الطويلة .
يفيض عمرك عن السنة الأولى فينقلونك إلى غيرها . وكلّما مرّت سنة ترى المدى واسع امام الرحلة ، والاساتذة تقابلهم كل يوم على قارعة درس . أعود إلى البيت واعيد على هزيع الليل ما في المِزْوَدَة من المحفوظات .
بيروت والكونسرفاتوار تيّاران يتحاذبان نهارك ، لعمشيت وللبيت ليلٌ يحرُس عرشه . الأصدقاء كُثُرْ ، لكن أكثرهم طارئون . يجيئون
إلى المعهد من اجل أن يفكَوا النوتة ويرحلون سريعاً الى المطاعم او التلفزيون ، وقليلٌ منهم يستحق الخبز الموسيقي الفائض عن الحاجة .
المدينة ملعبك الخارجي ، والمعهد حديقة خيالك ، وشهوةٌ تدعوك
إلى متابعة التحصيل .
كم فتحت في هذا الشارع دروباً معلّقة ، ووسعت ممرّات مغلقة ، ومشيت في ساحاتها التي أهملها العابرون منها إلى ديارهم .
المدينة ما تركت من آثار القدامى ، وما دوّن أساتذتي عن البلد من نوتات .
توفيق سكّر ، يوسف الخوري ، إليان مانيان ، نجيب كلاّب ، عبد الغني شعبان ، زكي ناصيف ، يعقوب طاطيوس ، ماري مسابكي ، نجاة نهرا ، جورج فرح ، فريد غصن ، انطوان ظابيطا ، توفيق الباشا ، احمد السبسبي ، نعيم بيطار ، فريد السلفيتي ، حنّا السلفيتي ، توفيق نمُور ، سليم الجردي ، جورج تابت ، كمال الحلو ، جوزف أيّوب ، نقولا الديك ، جوزف شمعة ، ميشال بقلوق ،
المدينة ، أهلها ، فمن سيغنيك عنها ، ومن سيغنيك عنهم .
البارحة مررت قرب المعهد وخِلتُ الحرب قريبة ، والخنادق موزعّة على الأسماء ، وابتدأ الرصاص .
” من أين أدخل في الوطن ”