مكتبة الأدب العربي و العالمي

حكاية غسق والثّوب الخشبي من الفولكلور الفلسطيني وحيدة في الغابة ( الحلقة 1 )

يحكى في قديم الزّمان وسالف العصر والأوان عن فتاة شابّة إسمها غسق تعيش مع أبيها العطار وأمّها في قرية صغيرة ،وكان بيتهم من الطين وبقربه عدد من النخيل وجدول ماء ،وذات يوم مرضت أمّها ،ولم تلبث أن ماتت فحزنت عليها كثيرا ،ولما رأى أبوها الشّيخ جابر حالتها فكّر في الزواج من امرأة ثانية لعلها تعوّضها عن الحنان الذي فقدته ،لكنّه لم يجد ما يعجبه ،مضت الأيام ،وباله مشغول بابنته وملّ من لعب دور الأب والأم معا، وذات يوم جاءته إلى دكانه امرأة جميلة ،وراقت لها العطور التي يصنعها ذلك الرّجل وصارت تأتيه كلّ مرّة ،وتتحدّث معه .وكانت حسنة المنطق،فتعوّد علىها ،وفاتحها في أمر الزّواج فوافقت ،لكن غسق غضبت من أبيها ،فهي لا تريد أن يأخذ أحد مكان أمّها ،ويرتدي ملابسها وحليّها. ورغم محاولة الأب إقناع إبنته بأهمّية وجود امرأة في الدار لتعتني بها وبتربيتها ،إلا أنّها رفضت الفكرة من أساسها .
بقيت غسق دائما منعزلة في غرفتها ،وتذمّرت منها امرأة أبيها ،وقالت لها أنّها لا تصلح لشيئ ،فلم تجد الفتاة سوى قطتها لتشكو لها أحزانها ،وذات يوم رأت المرأة لابسة قلادة ذهبية لأمها ،فقالت في نفسها : لن ترثي أمي،وأنا على قيد الحياة ،ثمّ إنتظرت دخول المرأة لتستحمّ ،وأخذت صرّة ملابس أمّها وحليّها، بعد ذلك هربت من الدار ،وذهبت إلى الغابة حيث كانت تأخذها أمّها لما كانت صغيرة لتلعب، وتقطف الزهور . أحسّت الفتاة بالرّاحة ،هنا تستطيع العيش مع ذكرياتها الجميلة وهي تعرف مكان الأشجار ولمّا تجوع تجمع الثمار وتأكل .وكان يعيش في تلك الغابة غول إسمه نتشان يصطاد كلّ من يمرّ به من المسافرين أو الرعاة ،ويقتلهم، ثم يحملهم إلى مغارة ،وكانت الفتاة تعرف بوجود ذلك الغول، ولذلك كانت لا تترك أيّ أثر خلفها ،وتدفن نوى الثمار وراءها ،لكن أحد الليالي هبّت ريح عنيفة ، قلبت التراب على الأرض ،وخلعت الأوراق من الأشجار .
ولمّا مرّ الغول عرف أنّ هناك أحدا في الغابة،وهو شديد الحرص لذلك لم يكن من السهل التفطن له ،فقرّر أن ينصب له فخّا محكما ،فشوي لحما، ثم ،وضع شبكة فوق الأشجار ،وربطها بحبل ،واختفى بين النباتات العالية ،كانت غسق جالسة، وقد لبست عقد أمها الذهبي، وفجأة شمّت الرائحة واشتهت اللحم ،فمنذ أيام طويلة وهي تعيش على الثّمار والفطر الذي تجمعه وتطبخه في الماء ،لمّا إقتربت رأت حطبا وحوله عظام ،لكن هناك قطعة لا تزال كاملة ،وقد سال شحمها ،فنظرت حولها ،و لم يكن هناك أحد ،وقالت في نفسها :الأغوال لا تشوي اللحم بل تأكله نيئا ،لا بد أنّه صيّاد !!! لكنها مع ذلك كانت حذرة ،وأخذت عودا لتلتقط به قطعة اللحم من بعيد ،قال الغول : إنها أخبث مما كنت أتصوّره، ثم خرج فجأة من مخبئه ،وارتمى عليها ،لكن البنت خطفت اللحمة ،وطعنته بالعود في عينه ،فصرخ من شدة الألم ،وأمسك بطرف ثوبها فمزّقه، وهربت الفتاة وهي عارية الجسم ،ثم جلست حزينة تحت شجرة ،وقد إنقطعت شهيّتها ،فالغول لن يدعها في حالها بعدما فقأت عينه ،وفجأة سمعت أصواتا تهتف متعجبة ،ولما إلتفتت رأت مجموعة من الأقزام تنظر إلى جسدها العاري بعيونها الصغيرة،فاختفت وراء الشّجرة ،وصاحت :ألا تخجلون من أنفسكم أيّها الأوغاد !!!
قال كبيرهم :لو أعطيتنا العقد الذي في رقبتك، لصنعنا لك ثوبا من الخشب، فكما ترين لا يوجد هنا غير الأشجار ،فرمت لهم العقد ،وكان الأقزام ماهرين جدا في النّجارة ،ولم تمض ساعة حتى صنعوا لها ثوبا من خشب، ولدهشتها الشديدة كان رقيقا مثل النّسيج فلبسته، وأحسّت بالدفئ ،ثم هامت على وجهها في الغابة ،وسارت أيّاما وهي خائفة ،أمّا الغول فلم يعثر لها على أثر ،فقد صار لها لون الأشجار ،ورائحتها ..

يتبع الحلقة 2

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق