مكتبة الأدب العربي و العالمي

حكاية ليلة الغنجة من الفولكلور السّوري فتاة في الكوخ ( حلقة 2 )

ذات ليلة قال زين لامرأته أنّه سيسافر في تجارة ،ولن يعود قبل شهر، وفي اليوم الموعود ارتدى الرجل ثيابه وحمل زاده ، ورافقته زينب حتى بوّابة القصر لتودّعه، وقبل أن يخرج ناولها حلقة فيها مفاتيح كثيرة، وقال لها: “هذه مفاتيح القصر، وهناك عشرون غرفة ،وبعضها لم يفتح منذ سنوات طويلة ، يمكنك أن تتفرجي على ما فيها من تحف ونفائس، وتتسلّين، في غيابي، ، وأطلب منك أن لا تخرجي وحدك فالنّاس هنا شديدة الفضول، وتتتسائل دائما عمّا يوجد وراء هذه الجدران الشّاهقة . ثمّ تركها وخرج، ،وبين يديها مفاتيح الغرف كلها، بعد مضيّ ساعات أحسّت بالملل، ‏وأخذت تطوف في أرجاء القصر، تتفرّج على غرفه واحدة بعد الأخرى، واندهشت لما تحتويه كلّ غرفة من أثاث وفراش ورياش، يفوق التّصور ، وفي الأروقة كانت هناك لوحات فيها أجداد زين معلّقة على الحيطان ،وعرفت أنّه من عائلة عريقة ،لكن شيئا لفت انتباهها، فلا أحد منهم يظهر مع زوجته ،وتساءلت إن كان من الصّدفة أنّ كلّ الخدم في هذا القصر هنّ عجائز، ولا يوجد أي فتاة شابّة سواها ،ولم تهتمّ زينب بذلك، فلم يكن في الأمر أي غرابة ،ومن حقّ كل واحد أن يفعل ما يحلو له .
لمّا أتمّت جولتها على كلّ الغرف ،رأت أنّه لا يزال هناك مفتاحا لم تستعمله ،وعرفت أنّه مفتاح الكوخ الذي رأته في الحديقة ،وفي الليل لم تقدر زينب على النوم، فجلست في الشّرفة تستمتع بالنّسيم البارد الذي يهبّ على وجهها ،وفجأة رأت الكوخ مضاءا رغم أنّه مقفل والمفتاح معها ،فتعجّبت ،واشتد بها الفضول لتنزل وترى من هناك ،فوضعت قطّتها الرمادية في حضنها، وكانت تنام دائما في فراش زين، ثم تسللت في الظّلام، ولمّا إقتربت من الكوخ أخذت القطّة تموء بصوت مزعج ،ثم قفزت على الأرض ،وقوّست ظهرها كأن هناك شيئا أخافها ،أما زينب ،فتشجعت وألصقت وجهها في النافذة فلمحت مدفأة وأمامها تجلس إمرأة لكنها لم تر سوى ظهرها ،وضفائر شعرها الطّويل الأسود ،وكان شكلها غريبا إلى الحدّ الذي جعلها تشعر بالوحشة ،فرجعت إلى القصر وجرت القطّة خلفها .
ما أن دخلت زينب غرفتها حتى تنفّست الصّعداء ،ووكذلك القطة التي تمددت في الفراش وقد عاد لها هدوئها ،وبعد قليل أطلت الفتاة على الكوخ، فلم تجد سوى الظلام يلف الحديقة ،وقالت: هناك إمرأة حبيسة في الكوخ، ويجب أن أعرف من هي، ولماذا حرّم علي زين الإقتراب منها ،وفي الصّباح لمّا سألت الخدم أخبروها أنه ليس هناك أحد، والكوخ مقفل منذ زمن طويل ،لكنّها طبعا لم تصدّقهم ،فلا شكّ أن عندهم مفتاحا آخر ،ويقدِّمون لتلك المرأة الطعام والشراب . تأخّر زين في الرّجوع من سفره ،وصارت زينب مشغولة بالكوخ، والسّر الذي يخفونه عنها ،وتذكّرت أختها دلال التي ماتت ولم يمض على زواجها سوى شهرين ،وقالت في نفسها :ترى هل علمت شيئا ،ولذلك دسّوا لها السم وقتلوها ؟ إنها متأكدة الآن أن شيئا ما قد حصل لها فهي بدويّة تعودت على قسوة الحياة، وتعرف كيف تحمي نفسها .وبعد تفكير طويل قررت أن تخرج وتتلطف مع الجيران لعلهم يخبرونها بشيئ .
وذات صباح إستيقظت ،وقد إستبد بها القلق وطار النّوم من عينيها، فغطت رأسها بشال ،وغافلت الخدم، وخرجت دون أن يراها أحد .وفي الطريق وجدت شيخا يركب حمارا فسلمت عليه وسألته إن كان من سكان هذا الحي ،فتفّرس فيها بعينيه الضّيقتين ثمّ قال :نعم !!! ولقد ولدت حينما لم يكن هناك سوى بضعة بيوت متفرقة ،إغتبطت الفتاة ،وقالت: أنا أبحث عن شغل، هل تعرف صاحب ذلك القصر الكبير؟ ظهر الفزع على وجه ذلك الشّيخ وأجابها: أنصحك أن لا تفعلي ،فلا يوجد فتاة شابّة دخلت هناك إلا خرجت ميّتة ،ويقال ،والله أعلم ،أنّ صاحبة القصر تأتي ليلة الغنجة لتقتلها وهي نائمة …

يتبع الحلقة الثالثة

حكاية ليلى الغنجة من الفولكلور السوري الأختان والتاجر الغريب ( حلقة 1 )

من قصص  حكايات زمان

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق