مكتبة الأدب العربي و العالمي

قرية_وادي_العفاريت

تقع قرية الجنّات على بعد بضعة أميال من الرّاهدة وبمحاذاة أحد روافد ورزان وتلتصق بأسفل جبل الصلو وتكاد قلعة المنصورة تظلها بجناحها المنشور الذي بسطته ،ويقال أنّها همّت بالطيران لولا أنّ الأمير الدّندكي بن أيّوب أمرها بالتوقف لمّا صاح بها : يا قلعة المنصورة توقّفي !!! فوقفت وبقي جناحها منشوراً يظلل قرية الجنّات وما يجاورها من قرى، وكان ذلك من بين الكرامات الشّائعة عن الأمير الذي يحسّ بالزّهو لأن الناس تعتقد في بركته. كانت القرية تعيش حياتها اليومية المعتادة تهتمّ بزراعة أراضيها ورعي مواشيها عندما فاجأتها أوامر الدندكي ابن أيوب طالباً من أهاليها أخشاباً ، وكلفهم بنقلها إلى القلعة.

حار الأهالي في أمرهم، ولم يدروا ماذا يصنعون فهذه أول مرة تطلب منهم الحكومة مثل هذه الطلبات التي يصعب تنفيذها. حقاً أن القرية خضراء وغنية بالأشجار والثمار واسمها الجنات يدل على حقيقتها . وهم مستعدون لإعطاء الأمير حاجته من الأخشاب ،ولكن من سيتولّى نقلها إلى القلعة المطلة عليهم والتي ترتفع ارتفاعا شاهقاً ؟ وليس هناك طريق معبّد يؤدي إليها.إن تنفيذ أمر الدندكي ذاك مستحيل وعصيانه أكثر استحالة.
اجتمع الأهالي للتشاور فيما بينهم ، وهم يتبادلون نظرات الحيرة والاستفسار عما يمكن صنعه . وتشعبت الآراء وتناقضت الاقتراحات .

فقال أحدهم: المثل يقول: ” أطع الحكومة ولا تنصرها ” وعلينا تلبية طلب الدندنكي ونقل الأخشاب إلى القلعة. وقال آخر: إذا لبينا طلب الدّندكي جعلها عادة وستتكرر طلباته وستكثر وسنسمع منه كل يوم طلباً جديداً. ما رأيك أن نعصي أمره ونعرض أنفسنا وقريتنا للخراب؟ فقال أكبرهم سنا وقد تفتق خياله عن حل للمشكلة : – كلكم محقون في آرائكم . فإذا لبّينا طلب الدندكي ظفر بنا ،وسيكون له كل يوم طلب جديد . أمّا إذا عصينا أمره أحرق القرية، وعلقنا إلى “دقم الخباش” ولكن عندي حل وسطا يجعلنا غير ملزمين بتلبية طلب الدندكي ولا يقر عصيانا لأمره.

إلتفت الجميع نحو الشيخ المسن متلهفين لسماع ا لحل الذي لا يغضب الدّندكي ولا يلبّي طلبه.، وأخذ الشّيخ يجيل نظراته الزائغة في الحاضرين وكأنه يريد التّعرف على وقع كلماته فيهم ، وقال:-الحل أننا نتظاهر بالغباء، ونلبي طلبه بصورة تدل على جهلنا وضعف حيلتنا
تساءل الجميع مستفسرين وقد زادت حيرتهم:- وكيف ذلك؟ أجابهم والابتسامة تعلو وجهه:- ننتقي أحسن الأشجار ،ونقطعها قطعا صغيرة لا يزيد طول القطعة منها على ذراع ،ثم نحملها في سلال حتى القلعة .

وتساءل الجميع:- كيف ستنطلي عليه تلك الحيلة ؟ نفذوا كل ما أشير به عليكم، وأنا أضمن النّجاح. فصاح الجميع- على شرط أن تتولى أنت قيادتنا، فأبتسم بدوره وهو يقول:- لا عليكم ، أنا أتولى الأمر، والآن هيا إلى العمل !!! توجه كل من في القرية لإنتقاء الأشجار، وتقطيعها ،وذهب وفد منهم إلى قلعة المنصورة تلبية لطلب الدندكي وهم يحملون السلال على ظهورهم العارية والاخشاب مقطعة قطعا صغيرة داخلها ولا يبدو غير أطرافها من فتحات السلال.

أخذوا يحثون خطاهم وسط المسارب الضّيقة في الجبل ،ولما وصلوا أخيرا.استقبلهم عمّال البناء بدهشة واستغراب لسرعتهم في الصعود، كأنهم خرجوا من سراديب مظلمة أو طاروا على أجنحة النسور، وحين سألوهم عن الأخشاب التي يحتاجون إليها، أجابهم أهل القرية بصوت واحد أنها في السّلال الصغيرة التي يحملونها على ظهورهم ..

يتبع الحلقة 2

من قصص العالم  الاخر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق