مكتبة الأدب العربي و العالمي
حكاية يحيي وماريوس إبناء يوحنّا من زمن الخيال
طفل في سلّة أمام الدّار (حلقة 1 )
في قديم الزّمان عاش تاجر من سريان الشّام اسمه يوحنّا في قرية تحت سفح جبل الأمانوس شمال سوريا ،مع ابنه الصّغير ماريوس ،وكان يشتغل في الكيمياء ،ويصنع العقاقير الطبية ،ولبراعته صار المرضى يأتونه من كلّ ولاية الإسكندرون، فيصف لهم الأدوية ،فذاع صيته ،واحترمه النّاس لفضله كانت المنطقة في ذلك الوقت تابعة للمسلمين من بني أمية ،وكلّ الطوائف الدينية تعيش هناك مع بعضها في سلام .أحد الأّيام كان يوحنا جالسا يقرأ في صفحات من الإنجيل، وفجأة سمع طرقا على الباب ،ولمّا فتحه ، وجد امرأة تحمل رضيعا في سلة ،وقالت له :أرجوك يا سيدي، لا أقدر على الاحتفاظ به فلقد ولدته سرا ،ولو علم أهلي به سيقتلونه فبالله عليك خذه وربيه ،فتربح فيه أجرا ،صمت يوحنّا فلقد كانت الفتاة تبكي وهي في أسوأ حال من التعب والشّحوب ،فأخذته الشّفقة عليها وأدخلها عنده ،فأعد لها طعاما فأكلت ،ثم أحضر لها دواء صنعه من الأعشاب ،وسقاها منه ،وقال لها :سيساعدك على استرداد صحّتك بعد الولادة، والقنّينة هدية لك ،ثم أخذتها ،وانصرفت وهي تدعو له بالخير
،نظر يوحنا إلى الطفل فوجده قمحي اللون ،يحرّك يديه ،ففرح به ،وسماه يحيى .وكانت في رقبة الولد قلادة هي ممّا يضعه البدو في رقاب أبنائهم، ولم يشأ نزعها ،وتركها معه ،ثم قال له :سأربّيك مع أخيك ماريوس، ،وأعلّمكما كلّ ما أعرفه من علم ،فلقد تقدمت في السّن ،وأحتاج إلى من يساعدني في صنعتي .مرّت الأيام وكبر الولدان ،وكانا دائما يتنافسان ،وكلّ واحد يريد أن يغلب الآخر لكن في حين كان ماريوس يتفوق علي أخيه في المصارعة والرّمي بالسّهام ،فإنّ يحيى برع في القراءة، والكتابة حتى لم يعد لرئيس الدير الذي يأدّب صبيان النصارى ما يعلمه له ،ولمّا طلب منه أن يدرس الدّين ،أجابه :ذلك لا يعنيني ،وأنا أحب العلوم وسأتعلم الكيمياء مثل أبي هذا ما أريده !!! لما سمع أبوه يوحنّا بذلك ،قال : هذا ما كنت أرجوه منك يا يحيى، لكن لا بدّ أولا أن تتقن اللّسان اليوناني وخصائص النبات ،قال: ولكنّي أعرفها ،فلقد كنت أمضي الليل في تصفّح كتاب داود الأنطاكي، وحفظت أسماء النّبات مع ما يقابلها باليونانية، ربّت يوحنا على كتف ابنه ،ونظر إليه باعتزاز ،وقال: يا ليت أخاك ماريوس كان مثلك ،فهو لم يفلح في تعلّم شيئ ،واشتكى منه الأب بطرس رئيس الدّير ربّما قدره أن يصير فارسا ،لكنه بالتأكيد لا يصلح للعلم ،حقا يا له من أمر مؤسف !!! إسمع ،سأوصي عليك إذا إبن إسحاق ،وهو طبيب نصراني بارع في صناعة الكيمياء ،ويحذق اللسان اليوناني ،سنذهب إليه في بيمارستان أنطاكية ،فلهم قسم لصناعة العقاقير والأدوية ،غدا صباحا أحملك إليه.
في الصّباح ركبا عربة يجرها بغل، قصدا البيمارستان الكبير ، ،وطلبا رؤية إبن إسحاق ،أقبل الطبيب ،ولمّا رأى الشّيخ يوحنا رحّب به ،وقال: أي ريح طيبة حملتك إلى هنا ؟ لم أراك منذ مدّة ،أجابه : إنّه السنّ يا أبا إسحاق ،فلم فلم تعد قدماي تقدران على حملي كما كانتا تفعلان من قبل ،وأغلب عملي الآن في العقاقير،فالكثير من النّاس فقراء ولا يقدرون على زيارة الأطباء !!! قال أبو إسحاق: الكثير من أطبائنا إلتحقوا ببلاط الخليفة ،وصاروا في خدمته.أجاب العطار : معك حقّ وهذا أمر محزن ، كلّ الناس لا تفكر الآن سوى في الربح ،فالحال ليست جيّدة هنا ،والولاة ينهبون كل شيئ بدعوى خطر الروم على ثغورنا ،ولم يبقوا للنّصارى إلا ما يسدّ الرّمق ،ربّما فكّرت أنا أيضا في طرق أبواب القصور ،فلي ولدان علي تربيتهما!!!
ضحك أبو إسحاق، وقال :أتمنى أن تكون ساقاك لا تزالان قادرتين على حملك مع قواريرك !!! لكن لم تخبرني عن الغلام الذي معك،هل هو إبنك ؟ أجاب الشّيخ : لقد إستبنيته لمّا كان صغيرا ،ولقد أتيت به إليك لتجعله من تلاميذك، أريدك أن تعلّمه أسرار النّبات واللسان اليوناني ،أما الباقي فأنا من سيتكفّل به .قال الطبيب:ولكن يا شيخ يوحنا تلاميذي أمضوا شهورا في التعلم ،قال العطار: لقد حضر يحيى دروس الأب بطرس في دير السريان، وأتقن القراءة والكتابة، وهو له دراية في النبات، وكيفية تقطير الاعشاب ،فلقد كان يدخل لمكتبتي التي أمضيت حياتي في جمعها ،ويتصفح ما فيها من كتب ،والأكثر من ذلك فهو يعرف الكثير من الكلمات اليونانية ،وكلّ ذلك تعلّمه بمفرده ،ليس هذا رائع يا رجل ؟
…
يتبع الحلقة 2
بقلم : أنيس هالي