مكتبة الأدب العربي و العالمي
حكاية مفتاح الصندوق الخشبي من الفولكلور السّوري يوم جميل كالحلم (حلقة 3 )
التفتت المرأة إلى أبنائها، وضّمتهم إليها بحنان، وقالت: انظروا ماذا اشترى لنا أبوكم، كل هذا الخير لكم فقاموامن حينه وشرعوا بالجري في كلّ مكان ،وصيحاتهم المرحة تملأ الدّار،حتى القطّة أعجبتها الحياة هنا وانطلقت تتسلق الشجيرات وتمرح مع الطيور والأسماك في البركة ولما تعبت جلست في ركن تنظر حولها في سعادة ،أما أم خليل فأخذت في التجول وسط الدار ،وتفتح الغرف وتطل عليها كانت هناك خمسة للنّوم فيها أسرة نظيفة ، ومفروشة بالسجاد ثلاثة للأطفال وواحدة للضّيوف والأخيرة للزّوجين وهي مرتّبة وفيها فراش عليه أغطية من الصّوف النّاعم ووسائد من ريش النعم ورأت خزانة لما فتحتها تعجبت لما فيها من أثواب مختلفة الألوان
ولمّا جربت أحدها كان على مقاسها تماما، فزاد تعجبها لذك ،وخطر في بالها أنّ زوجها ربما وقعت في شبكته أصداف فيها لآلئ ثمينة ليشتري لها كل ذلك ،ولم يترك شيئا إلا فكر فيه فقد كانت مجموعة من قوارير العطر مرصوفة بعناية على منضدة صغيرة ومعا الكحل، والسّواك ،والبخور ،ثم وجدت المطبخ وفيه دهليز عامر بجرار الدقيق والزّيت والقديد ،وكل ما تشتهيه النّفس من التين المجفف والمر ومربى المشمش وسائر الفواكه فأدخلت إصبعها وذاقت منها فأعجبها ،فمنذ أن تزوجت لم تذق لا المربى ولا العسل ،أمّا الآن فكلّ شيئ أمامها .
ووجدت أيضا اللّوز والشّاي ،فصنعت لنفسها فنجانا ،ترشفته بهدوء وهي تقلب في الجرار ،وشيئ منها موضوع على الأرض ،وبعضها معلق ،قالت في نفسها سأواصل التفرج غدا في الدهليز ففيه ما لا عين رأت ولا أذن سمعت من الخيرات ،أما الآن سأطبخ قدري فالصبيان لم يأكلوا شيئا من الصباح سوى عصيدة بالزيت لا تشبع ولا تغني من جوع .وضعت القدر على النار وطبخت كل ما تشتهيه نفسها ثم وضعت الطعام على طاولة كبيرة في قاعة الأكل ،فتحلقوا جميها وصار الصبيان يأكلون ويتصايحون بفرح فلم يروا في حياتهم كل هذه الأصناف منصوبة مرة واحدة أمامهم إلا في الولائم ،فأدخلوا أيديهم الصّغيرة في الصحاف ،وذاقوا من كل شيئ ،فقد كرهوا مرق السّمك الذي كانوا يأكلونه كل يوم ، كانت المرأة تأكل ،وتطعم إبنتها التي تجليس في حجرها، وتمنت لو أن زوجها كان حاضرا معهم فلقد كانت تحبه رغم فقره، و تأمل أن يعود في المساء .
لما شبعوا حملتهم أمهم للحمّام ،وغسلت لهم أجسادهم وقصت شعورهم ،ثم ألبستهم من الثّياب التي وجدتها في خزائن غرف الأطفال وكان لها ولدين وبنتين ،وحين نظرت إليهم لم تصّدق نفسها فلم ترهم قبل ذلك بمثل هذه النّظافة والأناقة ،فلم يكن لها في بيتها القديم حمّام ،ولكي يستحمّوا ،عليها بتسخين الماء على الحطب الذي لا يكفي وفي النّهاية يستحمّون بماء يكاد يكون باردا كانت الذكريات تتزاحم في رأس أم خليل،فرغم شبابها وجمالها قست عليها الحياة وضحكت عليها جاراتها ،وهنّ في الواقع يغرن منها لأنّها أحلى منهم ،حملت المرأة أطفالها للنّوم وغطّتهم بأغطية وثيرة، فناموا وهم يحسون بالدفئ ،والشبع ،
أمّا المرأة فتركت عشاء زوجها على الطاولة ثم إستحمت وتجملت بما وجدته على منضدة غرفتها ،ولما نظرت إلة نفسها في المرآة أحست بالرضى فلقد كانت جميلة مثل الوردة المتفتّحة ،وزادتها الثياب التي لبستها فتنة ثم خرجت تمشي في باحة الدّار، تتمتع بالأزهار والطيور، وتتمنى لو رأت جاراتها ماهي فيه من نعيم ،وتتفتخر عليهم مثلما كنّ يفعلن معها ،ورغم لؤمهنّ كانت تحن إلى الجلوس معهن ،فحكايتهن ممتعة وهي تسليها كثيرا ،ثمّ أليس بفضلهن إشترى لها زوجها هذا البيت الذي تجلس فيه الآن؟ مرّ الوقت وتأخّر زوجها عن الرّجوع كعادته ،فقالت في نفسها : سأنتظره ،لعل المانع خير ..
…
يتبع الحلقة 4
حكايا العالم الاخر