عاش ( هانز ) الراعي الطيب مع زوجته البدينة والسليطة اللسان ( ماريشكا ) في كوخ صغير في أحد الأرياف الجميلة شرق أوربا ..
وفي أحد الأيام المشمسة …
كان هانز يقود قطيعه نحو المراعي عندما لمح دخاناً يرتفع من بين أحراش الغابة !!!
فترك قطيعه وانطلق مهرولاً ليتحرى السبب ..
فرأى النار تستعر بفعل الشمس في الحشائش اليابسة على شكل حلقة ..
وقد لفت نظر هانز ثعبان صغير كان قد علق وسط حلقة النيران وهو يفح وتلوى بسبب الحرارة العالية ..
فاشفق هانز على الثعبان ومد عصاه الطويلة وسط الحلقة فأسرع الثعبان بالإلتفاف عليها ثم واصل إلتفافه حتى صعد على ذراع هانز إلى أن طوق عنقه !!!
شعر هانز بالخوف وقال :
أهكذا تكافئني أيها الثعبان الصغير بعد أن أنقذت حياتك … تريد أن تخنقني ..!!
وهنا وأمام دهشة هانز نطق الثعبان قائلا :
لا تخف أيها الراعي الطيب .. لن أقتلك بل أريد أن أكافئك ..
صاح هانز مذهولا :
بأمكاني فهم ما تقول !!! كيف هذا ؟؟؟
قال الثعبان :
أنا ابن ملك الثعابين .. ولنا القدرة على مخاطبة من نحب ومن نثق بهم فقط ..
ولأنك إنسان طيب وقد خلصتني من الهلاك فجائزتي لك هي أن أجعلك تفهم لغة الحيوانات ..
ولكن أحذر أن تخبر أي مخلوق عن تلك الموهبة او كيفية حصولك عليها وإلا فإنك ستموت من ساعتك ..
وهنا قام الثعبان بغرز أنيابه في رقبة هانز وأفرز في جسمه مادة غريبة ثم تركه وانسل بين الحشائش مبتعدا ..
شعر هانز بدوار غريب فرجع إلى قطيعه وقفل عائداً الى بيته ..
فتلقته زوجته متسائلة عن سبب عودته السريعة فأخبرها أنه يشعر بالحمى جراء لدغة ثعبان ..
استلقى هانز في سريره وهو يرتجف فقامت زوجته بتدثيره ووضع الكمادات الباردة عليه إلى أن غط في نوم عميق استيقظ هانز في صباح اليوم التالي وهو يشعر بالعافية والنشاط فانطلق الى عمله ..
وعند الظهيرة استلقى تحت ظلال شجرة ليستريح قليلاً وهو يفكر بما جرى له بالأمس حتى اجتاحته نوبة من الضحك وقال :
يا لي من أحمق لأني اعتقدت أن الثعبان خاطبني بينما كانت مجرد هلاوس بسبب الحمى ..
وهنا … سمع هانز صوتاً يأتي من أعلى الشجرة !! فنظر جيدا فلم يشاهد سوى زوج من الغربان تقف على أحد الأغصان ..
لكن الصوت كان عبارة عن حوار بين شخصين ..
الصوت الأول :
انظر الى هذا الراعي الأحمق .. انه يستلقي هنا ولا يعلم أن تحته يوجد كنز مدفون يتذابح لأجله بنو البشر !!!
الصوت الثاني :
إنه أحمق فعلاً .. وااااااق …
فز هانز من رقاده منذهلاً وقال :
يا إلهي أنه يحدث مرة أخرى … هل حلمت أني سمعت الغرابين يتكلمان ؟؟؟ حسنا .. هناك طريقة واحدة للتأكد ..
أسرع هانز بإحضار مجرفته وشرع يحفر الأرض حيث كان يستلقي حتى عثر أخيرا على صندوق متوسط الحجم !!!
ففتحه فوجده مليئ بالنقود الذهبية والحلي والأحجار الكريمة !!!
ذهل هانز فرفع رأسه تجاه الغرابين وصاح :
شكرا لكما أيها الطائران .. في النهاية لم أكن أحمقاً كما تصورتما .. هههههه
تعجب الغرابان غاية العجب من مخاطبة هانز لهما وقدرته على فهمهما .. فطارا مبتعدين وهما ينعقان ..
سر هانز بالكنز .. لكن سروره الأعظم كان تأكده من حقيقة كونه قادر على فهم لغة الحيوانات ..
عاد هانز بكنزه الى بيته وأخبر زوجته أنه عثر عليه بالصدفة .. ولم يتطرق الى موضوع الغرابين ..
فطارت ماريشكا به من الفرحة ولم تسعها الأرض من فرط السعادة ..
وخلال أيام كان هانز قد اشترى مزرعة صغيرة وامتلك قطيعه الخاص من المواشي والدواجن مع بعض الخيول وعاش مرفهاً رفقة زوجته التي أغدقت على نفسها بالحلي والملابس الفاخرة ..
بعد أيام كان هانز يسير عائدا الى بيته الجديد فصادف في طريقه سائس خيول يمسك بصعوبة بحصان سباقات هائج ..
وكان الآخرون يحاولون معرفة سبب هيجانه دون جدوى ..
فاقترب هانز منهم وقال :
هناك شوكة في حافر ساقه الأمامية اليسرى ..
نظر السائس الى الحافر المشار إليه ثم قال :
هذا الحافر لا يشكو من أي شوكة … ثم من أنت حتى تطلق تخميناتك جزافا ؟؟؟
قال هانز بهدوء :
الشوكة التي أخبرتك عنها موجودة تحت الحدوة ..
ضحك السائس وقال :
وكيف يمكن للشوكة أن تخترق الحدوة وهي من الحديد الأصم ؟؟
هانز :
لقد أصيب الحصان بها قبل أن تقوم أنت بتركيب الحدوة له ..
غضب السائس وصاح :
هل تتهمني الآن باللامبالاة والاهمال في عملي ..؟؟
– أرجوك يا سيدي السائس .. إفعل كما أقول وارحم هذا الحصان المسكين ..
وكان مالك الحصان واقفاً فطلب من سائسه أن ينزع الحدوة عن الحصان ليتأكد من كلام الغريب ..
ففعل السائس ذلك على مضض فبانت الشوكة المؤذية وظهر للجميع صدق هانز فقال مالك الحصان :
حسابي معك فيما بعد أيها السائس العديم الجدوى …
ثم التفت الى هانز وقال :
أما أنت يا سيدي فقد أبهرتنا جميعا .. كيف علمت بمكان الخلل بالتحديد ؟ هل أخبرك الحصان بذلك مثلا ؟؟!!!
دهش هانز من هذا السؤال الفجائي .. كونه علم بذلك من الحصان فعلا …
ولكنه لا يريد ان يصرح بذلك لأنه يتذكر جيداً تصريح الثعبان حول أهمية عدم إفشائه السر وإلا سقط ميتاً من فوره ..
واكتفى هانز بالإجابة :
أنا فقط رجل أنعم الله عليه ببصيرة نافذة .
ثم مضى لحال سبيله …
مر هانز بجانب جاره السيد يوري فشاهده يحاول إدخال نعاجه الى الحظيرة فلا يفلح ..
وكانت النعاج مضطربة وتصدر رغاءاً عاليا ..
ففهم هانز ما تقول .. حيث كانت النعاج تحذر الأخريات من دخول الحظيرة بقولها بصورة متكررة :
حنش في القش … حنش في القش …
فعرض هانز على يوري المساعدة فقبلها ..
فكان أن حمل المذراة (وهي أداة تشبه الشوكة الكبيرة تستعمل لرفع القش) ودخل الحضيرة وفرق بها القش والجار يوري ينظر إليه باستغراب .. حتى أخرج هانز أخيراً الحنش الذي كان مختبئاً بين القش ..
والحنش هو مخلوق يشبه الأفعى القصيرة ولكنه قاتل .. حيث حاول مهاجمة هانز فطعنه الأخير بالمذراة وقتله ..
وعلى إثر ذلك .. دخلت النعاج الحظيرة لوحدها بصمت …
فضحك يوري وقال :
لابد أنك صاحب فراسة وفطنة شديدة يا هانز .. وإلا كيف عرفت بوجود حنش في القش ؟؟؟
– الأمر كما تقول يا يوري .. الأمر كما تقول ..
وفي يوم آخر …
خرج أمير البلاد في رحلة للصيد مع حاشيته .. فمروا بجانب قرية هانز ..
فكان أن حل المساء .. فقاموا بنصب الخيام الملكية في الحقول على ضواحي القرية ..
وقد اجتمع الكثير من سكان القرية وهم ينظرون بشغف ناحية الخيام لعلهم يحظون برؤية إطلالة الأمير الوسيم .. ومن بينهم هانز ..
لكن هانز أثار انتباهه شيئ آخر ..!!!
إذ سمع بومة على إحدى الأشجار وهي تحذر حيوانات الأشجار والطيور الأخرى بضرورة الرحيل لأن هناك شيئ خطير على وشك الحدوث !!!
شيئ سيؤدي بالعائلة المالكة الى إحراق القرية وما حواليها عن بكرة أبيها !!!!
ركض هانز باتجاه البومة التي واصلت الطيران من شجرة الى أخرى وهي تطلق تحذيراتها المستمرة حتى أدركها وصاح :
أيتها البومة الحكيمة مهلا …
التفتت البومة وهي على غصنها العالي نحو هانز فتفاجئت به وهو يخاطبها بالقول :
ما الشيئ الذي سيحدث والذي لأجله تحذرين كائنات المنطقة ؟؟
استغربت البومة من وجود آدمي يفهم كلامها فأرادت إختباره لعلها تكون قد أخطأت فقالت :
ما نوع الشجرة التي تقع على يمينك ؟
التفت هانز الى يمينه وقال :
إنها شجرة كستناء .. والآن أرجوكي أيتها البومة بعد أن تأكدتي أني أفهم ما تقولين .. أطلب منك ان تخبريني ماذا سمعتي بالضبط لعلي أستطيع منع حدوث الكارثة ..
طارت البومة الى مكان قرب هانز ونظرت إليه بتمعن بعينيها الوسيعتين وقالت :
يبدو أنك إنسان طيب وصادق لذا سأخبرك فاستعد ..
أخبرت البومة هانز بالسر الخطير فانذهل وقال :
يا إلهي يجب ان أمنع حصول ذلك وإلا أصبحت قريتنا أثراً بعد عين …
ركض هانز بأقصى سرعته نحو المخيم الملكي حيث يقام حفل عشاء أقامه عمدة القرية ترحيبا بقدوم الأمير وحاول الدخول فمنعه الحرس فصاح :
أرجوكم علي الدخول .. الأمر خطير جدا …
فلم يكترثوا لتوسلاته .. وهنا شاهد هانز من بعيد العمدة وهو يحمل كأس عصير ويستعد لتقديمه للأمير قائلا :
يسرنا الآن يا مولاي الأمير ان نقدم لك العصير الذي تشتهر به قريتنا المتواضعة لتشرفنا بتذوقه ..
قال هانز في نفسه :
يا إلهي يجب أن أسرع قبل أن ينفذوا مؤامرتهم .. ما العمل ؟؟؟ حسنا لدي فكرة …
أخرج هانز من كيسه بعض الماسات وأراها للحرس فدهشوا لبريقها وقالوا :
يا للعجب !!! أهي حقيقية ؟
قال هانز :
بإمكانكم أن تتأكدوا بانفسكم ..
ثم رمى فجأة بالماسات الى الأعلى !! فلما تشاغلوا بها انسل هانز من بينهم راكضاً نحو الأمير وهو يصرخ :
أيها الأمير كلااااااااا … لا تشرب ..
وهنا ركض الحرس خلفه حتى إن أحدهم رماه بسهم فاخترق فخذه .. لكن هانز واصل الركض والصراخ رغم ذلك إلى أن انتبه إليه الأمير في اللحظة الأخيرة وهو على وشك تجرع العصير .. فتوقف عما كان يفعله ونهض من مجلسه وأمر بإحضار هانز ..
فلما مثل بين يديه سأله الأمير :
لماذا خاطرت بحياتك لتقابلني ؟ ماذا تريد ؟
قال هانز والأعياء بادي على محياه :
كأس العصير الذي تحمله بين يديك … يحتوي على سم زعاف ..!!!
أراد الأمير أن يتأكد فرمى بالعصير على نبتة قريبة فما أسرع ما ذبلت وماتت وكأنها احترقت !!!
فالتفت الأمير مغضباً نحو عمدة القرية .. فرفع (إيفان) صديق الأمير المقرب سيفه وأراد ان يقتل العمدة .. فانهار العمدة من الخوف …
لكن هانز استجمع كل ما لديه من طاقة متبقية .. يحاول بذلك أن يقول الحقيقة كاملة قبل أن يفقد وعيه بسبب جرحه :
كلا أيها الأمير أمنعه ..
صاح الأمير بإيفان ان يتوقف .. فقال إيفان :
دعني أيها الأمير أضرب عنق هذا الخائن ..
أجاب الأمير :
– قلت لك توقف حتى نعلم منه حجم المؤامرة ..
ثم واصل هانز كلامه بصعوبة :
العمدة بريئ .. لقد تم استغفاله وقام احدهم بدس السم في العصير الذي قدمه لك حتى يقتلك فيثأر لك أبيك الملك ويقوم بتدمير قرية العمدة .. هذا مراده ..
قال الامير بعصبية :
من يجرؤ على ذلك ؟ من ؟؟؟
أشار هانز إلى إيفان وقال :
هو فعل ذلك …
هنا ضحك إيفان وقال :
يا له من قروي أحمق ليتهمني انا صديقك المقرب … لابد انه شريك العمدة في المؤامرة ..
نظر الأمير بحيرة الى صديقه إيفان وقال :
لو كان شريك العمدة لما خاطر بحياته لينقذني .. لماذا تراه يفعل ذلك ؟ ها يا صديقي !!!؟؟
ثم التفت الى هانز وقال :
هل لديك دليل على ما تقول ؟
– نعم .. إنه يحتفظ بقارورة السم في جيبه الداخلي ..
صاح إيفان باضطراب والعرق يتصبب من جبينه :
مولاي أرجوك .. أوقف هذه المهزلة …
قال الأمير بحزم :
هذا ما أنوي فعله … يا حراس .. اقبضوا عليه ..
وأشار إلى إيفان ..
فأمسك الحرس به فيما مد الأمير يده الى جيب إيفان واستخرج قارورة السم تماماً كما أخبرهم هانز …
ثم نظر الأمير عن قرب الى عيني إيفان منتظراً منه تفسيراً عما حدث .. فأخفض إيفان رأسه بسبب شعوره العميق بالصغر والمذلة فقال الأمير :
لهذا كنت مستعجلاً لقتل العمدة لتخفي تورطك ..
خذوه بعيداً عن ناظري .. سنحاكمه بعد أن نعود الى المملكة ..
بعد ذلك استدعى الأمير طبيبه الخاص فوراً فقام بمعالجة هانز حتى شفي تماما ..
وقد حاول الأمير فهم كيفية معرفة هانز بتلك الأمور .. لكن هانز أخبره أنه لا يريد منه مكافأة سوى ان يعفيه من الإجابة .. فلبى الأمير طلبه بسرور ..
كما تمنى الأمير من هانز أن يعمل معه قائلا :
من يعلم ؟ ربما سأعود هنا يوما ما عندما أصبح الملك وتكون أنت وزيري أو مستشاري .
وقبل عودته لمملكته .. قام الأمير بشكر هانز عن طريق تسليمه منصب عمدة القرية الجديد بعد إعفاء العمدة السابق ..
ومرت الأيام …
وبينما كان هانز العمدة يسير بعربته الفاخرة .. وإذا به يستمع الى زقزقة عصافير على شرفة أحد البيوت ..
كانت الزقزقة صاخبة .. حتى أن السيدة صاحبة البيت والتي كانت في حديقة المنزل صاحت بالعصافير :
اغربن أيتها المزعجات .. لقد نومت طفلي الرضيع للتو .. وها أنتن تتصايحن على شرفة غرفته !!!
ثم رمت العصافير بحذائها ..
وهنا صاح هانز فجأة بسائقه أن يتوقف .. ثم وثب هانز من العربة ونط من سور حديقة المنزل فصاحت به المرأة :
سيدي العمدة ماذا تفعل ؟ أجننت !!!؟؟؟
لكن هانز واصل اندفاعه مسرعا حتى دخل المنزل وهو يصيح :
ابنك في خطر !!!!
صرخت المرأة بزوجها الذي كان يعمل في الحديقة الخلفية وقالت :
إلحق يا ساشا … العمدة سيقضي على ولدنا …!!!
ترك ساشا ما كان يفعله وهرول مسرعاً خلف العمدة حتى أدركه في غرفة الطفل ففوجئ بهانز وهو يضع إصبعه على فمه ويطلب منه الهدوء …
فلقد كانت هناك عقربة سوداء تتحرك ببطئ على جسد الرضيع النائم …
ارتعب الأب وحاول التدخل لكن هانز منعه وقال :
ستقضي على صغيرك بهذه الطريقة .. لذا دعني أتصرف .. أرجوك ..
مد هانز بهدوء عصاه قريبا من العقربة .. فأخذت العقربة تتحسسها وقد بلغ التوتر أقصاه لدى ساشا ..
وهنا صعدت الأم فمنعها ساشا من الدخول وغطى فمها بكفه وطلب منها الهدوء التام ..
وأخيرا .. تسلقت العقربة العصا فرفعها هانز فورا ثم رماها على الأرض وداس عليها بقدمه فقتلها …
فتنفس الوالدان الصعداء وفرحا كثيرا بنجاة ولدهما فتشكرا طويلا من هانز عمدة القرية ..
خرج هانز من البيت والتفت الى العصافير التي عادت تزقزق بصورة طبيعية فابتسم وأكمل طريقه ..
بعد بضعة سنوات …
كان هانز مع زوجته يتنزهان في المزرعة على ظهر جوادين ..
كان جواد هانز يمشي بخفة ورشاقة بينما يمشي جواد ماريشكا بتثاقل فقال جواد هانز :
ما لي أراك اليوم بطيئ الحركة ؟ .. هل تقدم بك العمر ؟؟
أجاب جواد ماريشكا :
كلا … بل السبب هو الحمل ..
– الحمل ؟؟؟
– نعم الحمل … ألا ترى إنك تحمل على ظهرك غزالاً رشيقا .. بينما أحمل أنا هذه البقرة السمينة ..
وهنا انفجر هانز ضاحكاً مما سمعه حتى سقط من على صهوة جواده من فرط الضحك !!!
فتعجبت ماريشكا منه غاية العجب وسألته :
على ماذا ضحكت ؟ هيا اخبرني فورا …
نهض هانز وقال وهو مازال مستغرقاً في الضحك :
لا شيئ يا عزيزتي .. لا شيئ ..
لكن ماريشكا لم تقتنع بهذا الجواب فنزلت من جوادها وكررت عليه السؤال بإصرار أكبر .. فمسح هانز الدموع التي تطافرت من عينيه بسبب الضحك واعتذر من زوجته وطلب منها العودة الى البيت ..
غير ان ماريشكا صرخت وأخذت تبكي وألحت على هانز أن يخبرها السبب وإنها لن تتحرك من مكانها حتى تعلم الحقيقة ولا شيئ غير الحقيقة .. ثم قالت :
أريد أن أعلم السر الذي أوصلك الى ما أنت عليه الآن .. ولا تخبرني أنه الذكاء والفطنة .. أي ذكاء هذا الذي هبط عليك فجأة ؟؟ ثم أين كان هذا الذكاء عندما تزوجت واحدة مثلي ؟؟
أخبرها هانز أنه لا يستطيع إخبارها الحقيقة لأنه لو فعل ذلك لمات فورا .. وأقسم لها على ذلك .. لذا عليها أن تشكر الرب للنعمة التي هي فيها وأن تصمت وتتقبل وضعها ..
لكن عناد ماريشكا كان شديدا فأصرت بقوة على موقفها حتى أخذت تزعق وتضرب الأرض بقدميها ..
وأمام كل هذا رضخ هانز أخيرا ووافق على كشف السر لكنه قبل ذلك طلب من زوجته أن تمنحه بعض الوقت ليحفر قبره ..
حمل هانز مجرفته وشرع بحفر قبره داخل مزرعته .. بينما زوجته تراقبه دون أن تغير شيئا من رأيها ..
وبعد فراغه .. إستلقى هانز داخل القبر وقال :
أنا الآن مستعد للموت بعد أن أخبرك بالسر .
قالت ماريشكا باستهزاء :
لا تظن إنك بهذا ستثنيني عن قراري .. فقراري نهائي لا رجعة فيه ..
وبينما كان هانز على وشك البوح بالسر وإذا به يشاهد ديكاً ودجاجة قرب القبر ..
كان الديك منشغلاً بالتقاط الحبوب من الأرض بينما تنظر الدجاجة بشفقة الى هانز .. ثم التفتت الدجاحة الى الديك وقالت له معاتبة :
كيف تفكر بالطعام في هذا الوقت الذي فيه سيدنا هانز على وشك الموت ..؟
استمر الديك بالأكل وهو يقول :
عن أي سيد تتحدثين ؟ في الحقيقة ان الذي يستلقي في القبر ليس سوى جبان رعديد .. لو كان رجل حقا لكبح جماح زوجته …
بعد سماعه لهذا الكلام .. أحمرت عينا هانز من الغضب فنهض من قبره ونظر الى زوجته نظرة أرعبتها ..
ثم حمل هانز عصاه وأراد ضرب ماريشكا ففرت من أمامه مذعورة وهي تصيح :
سامحني … لن أكررها مجددا … التوبة …
بعد تلك الحادثة .. لم تتجرأ ماريشكا وتسأل زوجها عن هذا الموضوع أبداً … أو عن أي حاجة تغضبه ..
فعاش هانز ما تبقى من حياته في خدمة الناس مستفيدا مما يفهمه من لغة الحيوانات …
حكايا زمان