مكتبة الأدب العربي و العالمي
حكاية #السّلطان_وغصن_الرّمان الوشاح المطرّز (حلقة 1 )
في قديم الزمان وسالف العصر والأوان عاش سلطان في بلاد بعيدة ،وكانت مملكته مترامية الأطراف كثيرة الخيرات،ولم يكن يقلقه سوى أنّ إبنه الأمير فرحان لا يريد الزّواج ،ويفضّل صحبة الجواري والقيان ،وكلّما كلّمه أبوه عن واحدة من بنات السلاطين، وجد فيها ألف عيب، وذات يوم مرض الأب ،ولم يعرف الأطباء له علاجا ،فمات ،وفي قلبه لوعة على إبنه الذي سيتولّى العرش من بعده دون أن يتزوج كما جاء في أعراف المملكة .وفي أحد الأيام انتاب فرحان الضجر من البقاء في القصر،وإدارة شؤون المملكة ،وقال في نفسه : كنت أظن أنّ عمل السّلطان سهل ،لكنه أعقد مما كنت أتوقع ، وقرّر أن يخرج في رحلة كي يروّح عن نفسه ،فدعا وزير أبيه الشّيخ محمّد ،وحدّثه بما عزم عليه ،فأجابه : ليعلم مولاي أنه لو أحسّ أهل القصر بغيابك عنهم ،لاجترأوا على ملكك !!! قال فرحان :لقد فكّرت في الأمر،ولكي يظلّ رحيلنا مجهولاً، سأبحث عن رجل يشبهني، وأجلسه على العرش لحين عودتي ،وسأوصيه بأن لا يفعل شيئا ،ومقابل ذلك يأكل ويشرب مثلما يشاء ،وتغنّي له الجواري .
قال الوزير:أرجو فقط أن لا يقوم بخطيئة تندم عليها، ردّ السّلطان: ويله إن لم يسمع كلامي !!! ثم تنكرّا ،وخرجا يتجوّلان في المدينة ،وهما يتفرّسان في وجوه الناس دون أن يجدا ضالّتهما ،وحين همّا بالرّجوع إقترب منهما فتى وعلى رأسه طبق فطائر، وصار يمدح بضاعته ،لكن فرحان لم يجبه ،وبقي ينظر إليه بتعجّب ،فقال الفتي: ويحك، كأنّك لم تر بائعا متجوّلا من قبل !!! لكن الوزير فهم سبب إهتمام السّلطان به ،فقال له: يا فتى ، طب نفسا سنشتري منك بضاعتك بضعف ثمنها ،لكن ما رأيك أن تعيش أسبوعا كاملا مثل السّلاطين، تأكل طعامهم ،وتبيت في فراشهم ،ضحك البائع ،وقال: و ينادونني أيضا مولاي !!! إسمع أيّها الشيخ الخرف،هل ستشتري الفطائر ، وتريحني من هرائك ؟
أحسّ فرجان بالضيق وقال له :لا تضع وقتنا ،ثم كلمه عن حيلته ،فخاف البائع، وهمس بصوت ضعيف هل حقا أنت السّلطان ؟ فأراه فرحان خاتم الملك الذي في إصبعه، وهو من زمرّدة خضراء ،وسأله: هل أنت موافق على ما طلبته منك ؟ أومأ البائع برأسه ،وهو غير مصدّق نفسه ،وتأكّد من كلام السّلطان حين أدخله للقصر، وقاده العبيد للحمّام، وقص الحلاق شعره ،ولما لبس البائع ثياب فرحان ووضع على رأسه عمامة كبيرة ، لم يكن أحد يقدر عن تفريقه عن السّلطان، وحتى عاداته علّمها له ،وقال له فرحان: كما إتفقنا سأغيب سبعة أيام ،وأنت إستمتع بحياتك ،وأوصيك أن لا تتدخّل فيما يعنيك، وهذا السّر يبقى بيننا ،هل فهمت ؟ أحنى البائع رأسه ،وردّ :وكيف لي أن أعصي أمر مولاي الذي غمرني بلطفه !!!
غدا صباحا لبس فرحان والوزير ملابس الخدم ،وخرجا من الباب دون أن يفطن لهما الحرس، وفي أحد الأركان ،وجدا حصانين في إنتظارهما ،عليهما ما يكفي من الزاد والماء لرحلة طويلة .سار السلطان ووزيره بين البراري حتى وصلا إلى جدول صغير، وتوقّفا عنده ليستريحا. ويطبخا طعامهما ،وفجأة إلتفت فرحان حوله فرأى وشاحا مطرّزا ، ولما قرّبه من أنفه أسكرته رائحة العطر الشذيّ الذي كان فيه ،نظر له الوزير بحدّة، وقال له :لقد أتينا للفسحة وليس للعشق !!! تعال ساعدني ،فأنا كما ترى شيخ ليس لي حول ولا قوّة ،لكن فرحان بدا منشغلا بصاحبة ذلك الوشاح إلى درجة أنّه لم يسمع كلام الوزير وظل يتحسّس الطّريزة بأنامله، وهو يعجب لجمالها ونعومة ملمسها ،ويحاول أن يتخيل صاحبته .
ولم يفق من شروده إلا والوزير يضع أمامه صحفة طعامه ، وسأله ما بك ؟ لك عشرات الجواري ،وتفسد رحلتك لأجل وشاح لا تعرف صاحبته ،ومن يدريك أنها ليست غامقة اللون ، ومجعّدة الشعر ،هيا كل طعامك ودعنا نذهب للصيد فهذا المكان مليئ بالأرانب والحجل،وأصناف الطيور .ردّ السلطان :لقد إنتابني شعور غريب لما أمسكت بذلك الوشاح ،ومعك حق فهلمّ بنا إلى الصّيد ،فلقد إشتهيت اللحم المشوي …
…
يتبع الحلقة 2
من قصص حكايا العآلم الآخر
لمشاهدة الجزء الثاني اضغط على الرابط المرفق
حكاية #السّلطان_وغصن_الرّمان الرّاعية التي تعزف على النّاي (الحلقة 2 )