مكتبة الأدب العربي و العالمي
حكاية #الفتاة_المخطوفة الجزء السادس
وصلت ثريّا إلى دار الجارة ،ثمّ طرقت الباب،وبعد قليل فتحت لها المرأة، ولما رأتها شهقت من الدّهشة ،ثم أدخلتها مع الفتى ،وقالت :عذرا ليس لي ما أقدّمه لكما !!! فردّت البنت: لا عليك، فقد أكلنا وشبعنا ،ثمّ سألتها بلهفة عن صندوق أمّها، فأحضرته لها ،ثم فتحته بيد مرتعشة، وأخذت تقلّب محتوياته حتى وجدت ذلك الوشاح الأزرق ،وفوقه رسالة مطوية ،قرأتها فإذا فيها : لمّا تقرئين هذه الرّسالة أكون قد متّ ،وأريدك أن لا تحزني ،فقد يكون والداك على قيد الحياة ،فلقد وجدك زوجي عبد الله على الشّاطئ ملفوفة في الوشاح ،وربّيناك عندنا حتى كبرت ،والآن أحسّ بالرّاحة بعد أن بحت لك بهذا السّر، وبإمكاني أن أموت باطمئنان .تعجّبت ثريا ،وأعادت قراءة تلك الرّسالة مرّة أخرى ،ثم أخذت ذلك الوشاح الحريري بين يديها ،وقلّبته ،وفي أحد الأركان رأت كتابة صغيرة لا تكاد تظهر ،ولما قرّبتها من عينيها كانت اسم امرأة تدعى حورية ،وتساءلت هل هي أمّها أم أحدا آخر ؟ ليس بإمكانها أن تجزم بشيئ .
لكن الجارة قالت لها: أنّ الوشاح صنعة أهل العاصمة ،ولا يباع إلا في أسواقها ،وأنا أعرف ذلك لأن أختى متزوّجة من صانع شواشي، وكنت كثيرا ما أزورها ،وأدور في الأسواق أتفرج على دكاكين التّجار ،سألتها ثريا :هل يمكن أن أذهب لزيارة أختك؟ فأنا أريد أن أبدأ حياة جديدة هناك !!! أخذت الجارة ورقة صوّرت فيها مكان دار أختها ،ثم قالت لها :ولكن كيف ستذهبين دون مال؟ أجابتها إنه لها بنادق وذخائر سرقتهم من قطاع الطريق، ولقد أخفتهم في حفرة على الشاطئ ،قالت الجارة :القبائل تشتري منك السّلاح بثمن جيّد ،سأرسل زوجي ليبيعها لك ،ولن يأخذ سوى عمولة صغيرة على تعبه ،والله لولا الفقر لما أخذ درهما واحدا منك .
تحسّست ثريا الطبنجة التي في حزامها ،وقالت :أمّا هذه فلن أبيعها .آخر اليوم جاءها خليفة زوج الجارة بألف دينار، وهو مبلغ ضخم ،لا يربحه طول حياته ،وقال لها :قبائل البدو تعشق الأسلحة ،وتدفع بسخاء لشرائها ،هذا عمل مربح أكثر من صيد السمك بمائة مرّة !!! فكّرت ثريا باهتمام ،فقد أصبحت تعرف الآن العمل الذي ستقوم به ،فسفن القراصنة مليئة بالسّلاح،والمؤن وهي تعرف الميناء الذي ترسو فيه ،وستساعد أولّا هؤلاء الصّيادين الذين يموتون من الجوع ، ثم تفكرّ في نفسها .لكن قبل كلّ ذلك ستذهب للبحث عن حورية فهي التي ستميط السرّ عن حكاية القفّة التي وجدت نفسها فيها لما كانت صغيرة ،والسّؤال :لماذا ألقاها أبواها في هذا المكان البعيد ؟وما هو سرّ شقرتها،وعيونها الفاتحة .
كانت هناك قافلة طويلة من الخيول والعربات مسافرة إلى عاصمة الإيالة التونسية، فانضمت إليلها مع حسن، وبقيت طوال الرّحلة تفكّر في أبويها دون أن تهتدي إلى حل ،وعرفت من حسن أنه يتيم ،ويعيش عند عم له يقسو عليه وأنه لن يعود إليه ،وبعد رحلة طويلة وصلا ،وشرعا يبحثان عن دار أخت الجارة حتى وجداها ،ولما طرقت الباب خرجت لها تلك المرأة ،ولما عرفت القصة ،أدخلتهما ،وسقتهما لبنا واعدت لهما طعاما ،فأكلا واستراحا ،ثم أرتهما الدكاكين التي تصنع السّفسارى ،وذلك النوع من الوشاح ،ثم إنصرفت ،بدأت ثريا تدور ،وتسأل ،عن حورية حتى وقفت أمام دكان فيه امرأة مع إبنتها ،ولما سألتها قالت لا أعرف سوى واحدة من زبائني لها ذلك الإسم وهي إبنة الباي إسماعيل ،تراجعت ثريا إلى الخلف بدهشة ،فهل باي تونس جدّها ؟ فهذا والله أعجب شيئ سمعته في حياتها !!!
…
يتبع الحلقة 7
من قصص حكايا العالم الاخر