مكتبة الأدب العربي و العالمي
الاسكافي والاخوات الثلاثة كاملة
يحكى أن عجوزا كانت راجعة من السوق تحمل قفة فيها حاجياتها من خضار ولحم لطبخ طعامها وفجأة تعثرت وتمزق نعلها فأخدت تدور في الحي وتبحث عن إسكافيوبعد أن تعبت وجف ريقها وجدت واحدا في آخر الزقاق له دكان صغير وبعد أن أصلح لها نعلها سألته كم هي اجرتك فقال لها لن آخذ منك شيئا لكن أنا رجل غريب وأعيش وحيدا سأكون ممتنا لك لو وجدت لي عروسا !!! ردت العجوز ولم لا لو أسمع بفتاة مليحة سأعلمك قال الإسكافي سأدفع مهرا قدره ألف فرنك ولا أريد من العروس لا جهاز ولا تعب أنا أتكفل بكل شيئ أجابت العجوز حسنا كما تريد والآن سأعود لداري فقد تأخرت كثيرا عن طبخ طعامي !!! أحد الأيام جاءتها أحد جاراتها لتتسلف منها بصلة وكانت أرملة لها ثلاثة بنات ولما رأتها تذكرت الإسكافي فكلمتها عن الزواج فوافقت المرأة وقالت سأزوجه من الكبرى وهذا الرجل يناسب حالتي فأبوهم لم يترك شيئا وليس لي مال لأجهزها ولا لأقيم الحفلات والمآدب لأهل الحي .
جاء الإمام لدار المرأة وكتب الصداق زغردت فطومة ووزعت شراب الورد والحلوي على المدعوين ثم أركب الرجل عروسه في عربة تجرها الخيول ورجع بها إلى دكانه ثم فتح بابا فرأت غرفة حقېرة فيها زربية وجلود وفي وسطها منضدة صغيرة عليها صحفة فيها زيت وزيتون وقربه فجل وخس وخبزة شعير فغسل يديه ثم جلس وقال تفضلي فجالت بعينيها على الطعام وقالت في دار أمي آكل أحسن من هذا !!! أجابها التي تريد أن تهنأ في حياتها يجب أن تقبل الحلو والمر فقالت له بضيق إحتفظ بالمر لنفسك ولا تنتظر أن أشاركك فيه هيا إحمل لي طعاما لائقا ولا تفسد ليلة عرسي !!! فمد يديه وأكل حتى شبع وهي تنظر إليه وتكاد تتميز من الغيظ ثم طبخ كوبا من الشاي وقال لها إمضي هذه الليلة هنا وغدا سآتيك بعربة ترجعك إلى دار أمك وحلال لك الملابس التي إشتريتها لك والآن عن إذنك سأسهر فأمامي بعض العمل لأقوم به فقالت في نفسها هذا أفضل فقد قيل دكان مغلق أفضل من كراء زهيد
في الصباح رجعت البنت صبية لدارهم وبعد أسبوع مرت العجوز على الإسكافي لتصلح شيئا فعمل مثل المرة السابقة وطلب منها أن تخطب له بنت الحلال فأجابته لكني فعلت ذلك وإبنة جارتي فطومة لا ينقصها شيئ وأنا أحس بالخجل من تلك المرأة وأخاف أن أذهب لدارها أجاب الإسكافي لم أقصد أن أسبب لك إحراجا مع جيرانك لكن تعلمين أن الزواج قسمة ونصيب وأنا لم أحس أن لي مكتوب مع تلك الفتاة فقالت له حسنا سأرجع لجارتي فلها بنت أخرى أصغر من الأولى أجابها شرطي باق كما هو ولن يتغير رجعت العجوز لدارها ثم قالت سأذهب لفطومة وأعرف ما جرى لما دقت الباب فتحت لها وأدخلتها ثم بدأت تحكي على أحوالها ولم تقل شيئا عن الطلاق إلى أن قالت لها إبنة المرأة ذلك الرجل بخيل ويريد تجويعي هكذا أفضل قالت العجوز لقد طلب مني خطبة الوسطى فما رأيك ربما يكون حضها أحسن فوافقت الجارة ويوم العرس تلحفت وركبت العربة مع الإسكافي
لما وصلت للدكان فتح لها تلك الغرفة فدخلت ثم قالت في نفسها هذا الرجل يكسب جيدا فهناك كثير من الأحذية والرفوف مليئة والجلد والغراء والمسامير فلماذا يقتر على نفسه في مسكنه وملبسه نظرت لوجهه فرأت أنه لا يزال شابا وشكله ليس سيئا لكن لن تطيق هذا الفقر وحين وضع العشاء قالت له كنت أظن أنك ستحسن طريقة استقبال زوجتك ليلة عرسها وتدللها كما يفعل الرجال !!! وإذا بي أجد نفس الطعام الذي قدمته لأختي هل هذا هو العيش الذي ستقدمه لي غرفة صغيرة دون أثاث وطعام لا ترضى به الكلاب !!!
أجابها الإسكافي الخير يأتي إذا صبرت معي على الزمن قالت باستهزاء وماذا ستزيدني ربما حبة طماطم أو فلفل مقلي !!! قال لها إسمعي يا رابحة الأيام تدور فهل تكونين بجانبي ردت عليه حتى أجيبك يجب أن أرى خيرك الأول وإلا فلن تكون كل أيامي إلا سوءا !!!
قال يبدو أنك مثل أختك لا يهمك إلا المال أما أنا فلا أعني شيئا لك والرزق عطاء من الله ولا أحد يضمن غده كيف يكون والآن سأترك لك الغرفة فنامي وفي الغد أرجعك لدار أمك فندمت وصعب عليها كيف سترجع صبية لدارهم فقالت له إجلس يا حمة لنتفاهم وإلعن الشيطان رد عليها من به عيب فلن يصلحه الدهر مهما طال في الصباح تأتيك العربة وترجعك إلى دار أمك فليس لنا مكتوب مع بعضنا وبإمكانك الإحتفاظ بكل ما أهديته لك.
بعد شهرين جاءت العجوز لخياطة حقيبتها إرتاحت قليلا على كرسي ثم ناداها وقال لقد أصلحت الحقيبة ولمعت الجلد وصارت أجمل من قبل!!! فشكرته على شغله المتقن وقال لها لن أخذ شيئا لكني أريد أن تخطبي لي ابنة فطومة الثالثة زينب !!! رمقته العجوز بطرف عينها قالت لو اقتربت من دار جارتي لأشبعتني سبا وشتما فإثنين من بناتها مطلقتين وأنا السبب !!! أنت يا رجل لا يعجبك شيء فألف واحد يتمناهما جمال وأدب وأخلاق. أحس الإسكافي بالحرج وأجابها لا أحد يشك في هذا ولكن كما تعلمين فلا أقدر أن أتزوج إلا من أثق بها قالت العجوز ويحك ماذا تقصد أجابها لقد سبق لي أن تزوجت من فتاة جميلة وكنت أدللها وأشتري لها ما تشتهيه لكن يشاء الله أن أمرض وألزم الدار.
كانت العجوز تنظر ثم حكت رأسها وقالت في نفسها تلك الصغيرة لم تبهرها قفة الثمار بكل ما فيها من خيرات ولما أكلت شكرتني أما الأختان فلم تلتفتا حتى إلي والله ذلك الرجل له الحق لما طلقهما يا لهما من لئيمتين لا تفكران إلا في نفسيهما !!! ثم نادت العجوز زينب وأجلستها بجنبها وقالت لها لقد أرسلني الإسكافي لخطبتك فما رأيك صاحت أمها ليس عندي بنات للزواج هل نسيت ما فعل بمفيدة ورابحة لو أجده أمامي لضړبته بمكنستي على رأسه !!! قالت الأختين لزينب إنه بخيل وسيقتر عليك في طعامك كل ما عنده صحفة زيتون وكسرة شعير يابسة أجابت البنت لا أريد البقاء في الدار كل واحد يأخذ نصيبه ولعل سعدي يقوم بهذا الزواج وأكرم أمي وأخواتي قولي له إني موافقة يا خالة فرحت العجوز ثم رمت ساريها على رأسها وذهبت تجري إلى السوق في قصر ملك الجان..
يوم الجمعة حضر الشيخ لدار فطومة وكتب عقد زواج الإسكافي على زينب وبعد حفلة حضرها الجيران وصفقوا فيها وغنوا للبنت أركبها زوجها في عربة ورافقها لدكانه ففتح لها باب الغرفة الصغيرة ودعاها للدخول فخلعت غطاء رأسها وجلست على الزربية فقال لها سنعيش هنا حتى يفتحها الله ونشتري دارا أكبر !!! أجابته سأساعدك فأنا أعرف الخياطة والطريزة قال لها بارك الله فيك ثم أحضر لها طبقا فيه صحفة زيتون وشيئا من الزيت والخس والبصل ومعهم خبزة شعير فقسمت الخبزة نصفين ومدت يدها وأكلت فقال لها عذرا فهذا كل ما لدي أجابته الحمد لله على نعمته فخير الطعام ما حضر وخير الثياب ما ستر فتعجب من كلامها وسألها وإن دامت عليك أيام الفقر هل تتركينني وترجعين إلى دارك أجابت إن وجدت منك الحب والإهتمام فذلك يكفيني والرزق على الله فكل طعامك وسبق الخير .
فانبسط منها وقال لها تعالي سأريك شيئا ثم رفع ستارة على الحائط
فظهرت حفرة فلما دخلا منها وجدا نفسيهما في قصر وقادها إلى طاولة كبيرة عليها أصناف الإوز المشوي واللحوم والسمك وكل ما تشتهيه العين من الأشربة والفواكه ففركت زينب عينيها وقالت لزوجها أنا في يقظة أم في حلم أجاب الإسكافي ما ترينه هو الحقيقة ثم صفق فجاءت الجواري وألبسنها الحرير ووضعن القلائد في عنقها والأسورة في معصميها وقال لها هلم بنا نأكل ونشرب وسأروي لك حكايتي!!! قالت له لا أريد سوى بعض الثمار فلقد شبعت ثم قطع فخذ إوزة وقضم منهاوبعد ذلك قال لقد كنت رجلا ثريا أصنع النعال وأصلحها وذات يوم جاءت فتاة جميلة لدكاني فأعجبت بها ولم يمض وقت طويل حتى تزوجنا وإشتريت دارا كبيرة أثثتها بأفخم الأثاث وذات يوم مرضت ولم أعد قادرا على العمل .
وطال هذا الحال وأصبحت أبيع من أثاث الدار وفي الأخير بعتها كلها وجئت لتلك الغرفة في دكاني وبعد أيام تركتني إمرأتي وأنا في أمس الحاجة إليها فاستبد بي اليأس وقررت أن أقتل نفسي لأرتاح فدققت حلقة من حديد لأربط فيه حبلا لكن الحائط إنهاروظهرت حفرة لما دخلت منها وجدت هذا القصر الكبير فمشيت فيه وأنا متعجب مما أرى وكانت هناك صناديق مملوءة بالذهب والفضة وناس تمشي وتجيئ وبالرغم من كثرة الخيرات لم ألمس شيئا وبينما أنا واقف جاءني رجل وقال لي أنا جارك ملك الجان وكنت أسمع ما يجري مع إمرتك فأحزن لأجلك ولما رأينا أنك تنوي المۏت قررنا أن نعطيك فرصة ثانية والقصر وما فيه لك لكن هذه المرة لما تنوي الزواج عليك باختيار امرأة لها طباعك فالنساء كثيرات لكن قلة منهن تحمد الله على القليل وتتحمل ضنك العيش وإذا فشلت يرحمك الله .
راقبت الأختان الإسكافي حتى خرج ثم ذهبتا إلى زينب فألحتا عليها لتدخلهما إلى القصر للفرجة عليه لكن أخبرتهما أن زوجها أوصاها أن لا تستقبل أحدا هناك فوثبتا عليها وضړبتاها على رأسها وقيدتاها بحبل ثم رفعتا الستارة ودخلتا وبينما هما تتجولان شاهدتا صناديق الذهب والمجوهرات فقالت رابحة لمفيدة سنحصل على حقنا ثم أخذتا كيسا وضعتا فيه من إشتهته نفسيهما ولما رجعتا إلى الحفرة لاحظتا أنها إنغلقت عليهما وأصبحتا سجينتين .
قال لهما الإسكافي إعلما أن ذلك الذهب مجعول لامتحان الأنفس وكل من يلمسه يسجن هناك ولأني لم أخذ شيئا منه رغم حاجتي أعطاني ملك الجن القصر بكل ما فيه . ما زلتما لم تفهمان أن الجشع داء بني آدم وأن القناعة أول الفضائل وستبقيان كلبين طول
حياتكما هذا ما تستحقانه!!!!
لكن زينب بدأت تبكي وترجت الإسكافي أن يكلم ملك الجن ليعيد إليهما صورتهما قال لها سأفعل هذا لأجلك لكن لا أريد رؤيتهما أمامي !!! هل فهمت دخل الإسكافي للقصر ثم أحضر عشبة فقال لهما ضعاها في الماء ثم اشربانه ولما فعلتا ذلك رجعتا كما كان فطردهما الإسكافي من دكانه وهددهما بالويل والثبور لو رآهما مرة أخرى في دكانه .
رجعت الفتاتان وهما تتميزان غيضا وقالت رابحة لأختها أردنا أن نفسد حياتها لكن تلك اللئيمة إنتصرت علينا وزاد جمالها وحب ذلك الرجل لها هل رأيت كل ذلك الذهب والأحجار الكريمة لا أصدق أن كل ذلك المال من نصيبهما !!! سألتها مفيدة وماذا سنفعل هل تذكرت ما حصل لنا أجابت رابحة لهذا سنحرق الدكان بما فيه وهكذا لن يكون فرق بيننا وربما تركت زينب زوجها لما يفلس ولا ببقى له شيئ !!! وفي المساء أقفل الإسكافي دكانه وخرج مع إمرأته فكسرت رابحة زجاج النافذة وصبت الزيت وألقت مشعلا في الدكان لكن الڼار لم تشتعل ولما أطلت برأسها فوجئت به ينحصر في النافذة وجاءت الفئران فمزقت وجهها حتى بان العظم ثم سحبتها أختها وغطت رأسها ورجعتا إلى المنزل ولما سألتهما فطومة عما حصل لم تقولا شيئا لكن الجيران أتوا إليها وأخبروها أنهما كانتا تحاولان حړق دكان الإسكافي .
إنتهت