كنت أعدّ سنواتي على الأصابع وأرتبها على هوى الموسيقى . أستعجل عاماً آخراً كي أكبر أكثر وآتي إلى مهرجان بعلبك . ولم تكن الطريق واضحة للولد الذي كنته فاستعيض عن المشوار بالسماع عبر الأثير لما تبثّه الإذاعة اللبنانيّة والوحيدة آنذاك من أعمال المهرجان .
ثمّ ” وِلْعِتْ ” الحرب وَكَنَّسَتْ المهرجان لسنين .
اذكر أنني إلتقيت بمدينة نيويورك عازف البيانو الكبير ” جيورجي ساندور ” آخر تلامذة المؤلف الموسيقي المجري ” بيلاّ بارتوك ” حيث كان يُدَرّسْ ” رامي ” في أكاديميّة ” جوليارد سكول ” فسألني عن بعلبك وناسها وقلعتها ومهرجانها وعن السِّتْ ” مَيّْ ”
وكان قد عزف في أوائل الستينيّات من القرن الماضي رفقة الأوركسترا السيمفونيّة المجريّة الكونشرتو الثاني لبارتوك في مدينة الشمس . وبعد كأس من دمع العنب تَذَكَّر تلك الليلة المفعمة بالحب والنور وذاك القمر المكتمل يهلّ على القلعة الساحرة . وأضاف هامساً لن أنسى محبّة الناس الذين منحوني شريعة القلب . وكان يضّخ في الكلمات وبلكنة فرنسيّة سحر تلك الليلة والتي حفرت عميقاً في وجدانه . وكان قد تجاوز التسعين من عمر سريع .
وفي ٥ تموز لسنة ٢٠١٩ كانت ” ليلة بليالي ” في افتتاح مهرجان بعلبك رفقة الاوركسترا الفيلهارمونيّة اللبنانيّة مع المايسترو ” لبنان بعلبكي ” وكورال سيدة اللويزة بأدارة الأب ” خليل رحمة ” وموسيقى وأغنيات بطعم الحب . أشعلنا شمعة في ليل دامس ودسنا على جغرافية السياسة والسياسيين وبرامج الحروب الصغيرة والكبيرة .
( تصبحون على وطن ) على صهوة حلم مبلّل برذاذ الطفولة . نقنع أنفسنا بأنه ما زال هناك أمل !!! ونريد أن نقنع أنفسنا بأنه ما زال هناك وطن !!!
– تصبحون على وطن –