اخبار العالم العربي
موجع أنت أيها الرحيل.. # أيمان_عكور
“وما ان انتهي من حزن على حبيب مات ..حتى يصفعني موت آخر.”
هذه كلمات النعي التي كتبها والدي وقلبه ينفطر حزنا ووجعا لم يعد ينتهي منذ سنوات.. وكأن الحياة تختبر صبره الذي أرهق قلبه..
عائلة صغيرة ..شابين واختين..بيت دافىء يملئه الحب والضحك والشقاوة..
عشت مع اخوتي كل تفاصيل الحياة ومغامراتها.. إلى أن بدأت تفاصيل جديدة تنتظر أحلامي واخوتي .. ساطور اغتال كل الضحك والفرح والألوان..
كيف أنسى ذلك اليوم المشؤوم والذي قبل ثلاث سنوات..وبلا سابق إنذار خطف الموت فيه أخي الكبير الدكتور خالد الذي توقف قلبه بعد أن انكسر الماً على طفلته الصغيرة سلمى التي قرر الأطباء استئصال احدى عينيها لوجود ورم سرطاني فيها ..
لم يقوى خالد وهو الطبيب الذي كان يبث القوة والتفاؤل على الجميع، لم يقوى قلبه على رؤية طفلته بنصف عين..نصف حلم..نصف إبتسامة..
يومها تمنى الموت كي لا يشهد مثل ذلك النهار الذي تستفيق فيه طفلته من العملية وتسأله : ليش يا بابا شلتوا عيني؟
وكانت السماء أبوابها مفتوحة له..وفعلا لم يفق صباح العملية من نومه..بل رحل عن الدنيا بعيدا عن مثل ذلك الوجع… تاركا طفلته وحيدة وفي قلبها ألف سؤال..ليش يا بابا إنت كمان رحت من حياتي..يا ريتك ضليت والله كنت راح أضل فرحانة حتى لو بشوفك بعين وحدة..؟
لكنه القهر ..تمكن من أخي خالد.. وسرق منه آخر نفس..
انقلبت حياتنا .. اختفت الألوان..أمي لم تجف دموعها حتى اليوم..وهي لم تكن مدركة بعد ماذا ينتظرها..
بعد رحيل خالد الاخ والاب والصديق ادركنا أنا واخواتي وعد وعهد أن الغروب ليس إنتهاء فقط.. وانما ابتداء ..
ابتداء لمعاني أخرى وعناوين أخرى ومرحلة أخرى…ووجع آخر.
وعد ..أختي التي وعدها خالد أن يزفها في عرسها لم تستوعب روحها أن خالد لن يعود..
بقي الوجع يلتحفنا جميعا … كنت أسمع تنهيدة وجع … وموجة حزن تجتاح قلب أمي واخواتي… هربت حروفي من أمامي.. سقطت دموعي وأحزاني.
هكذا.. عندما يخطف الموت أحبائنا..نتحول إلى عاجزين عن كل شيئ ، الا الرحيل.
وهو ما اختارته وعد الجميلة بعد أن مات قلبها بموت خالد..
وللمرة الثانية ..وتماما بعد سنة من رحيل حبيبي خالد..تلملم وعد آخر انفاسها وترحل بهدوء عن الحياة التي قهرتها بموت اخيها دون رحمة ..
يوم مسموم آخر..صرخت أمي وهي ترجوها أن تفيق..أن لا تكسر بقايا قلب لم يعد يحتمل وجعا جديدا..
لكن قلب أختي وعد..توقف وطارت روحها لتلتحق بخالد الذي تعشقه..
أمي..أبي..اختي عهد وأنا في حالة ذهول.. لا يمكن أن تكون وعد قد ماتت أيضا..
ذهبت لأبحث عنها
بحثت عنها في سطور كلماتها وفي هداياها..
بحثت عنها في صوتها الذي كنت اطلب منها الا تفكر يوما في الغناء .. وتضحك وتضحك ويصدح صوتها أعلى وأعلى لتغيطني.. آه يا وعد..اقسم لك لن اوقفك عن الصراخ ..لن اعترض..فقط عودي بيننا..
لكنه الموت..خطفها وهي نائمة ودون أي سبب مقنع حتى للاطباء.
كم انت موجع أيها الرحيل
وكم أنت أشد وجعا أيها الحنين..؟؟
حياتنا اختفت منها الألوان..أمي تحولت لكائن بلا روح يتوشح السواد..
اما أبي..فالموت قهره ابنه وابنته الشابة المفعمة بالحياة يرحلان هكذا دون أن يقول لهما وداعا..
وبدأت بعد تلك الفاجعة فصول جديدة لمأساتنا.. ذكريات مسروقة..أنين لا ينتهي..كل منا يحاول أن يخفف من وجع الآخر وهو يتمزق ألما..
حتى عهد.. الصيدلانية القوية ذات الشخصية المميزة إنهارت على فراق توأم روحها وعد ..وبدأت تذبل يوما بعد اليوم..صارت تخاف من النوم.. من الليل..من صدمة الغياب..
نسيت وجعي وصرت أنا المداوي وجرحي ينزف في الخفاء ..اطبطب على والدتي من جهة..وأحتضن أختي عهد من جهة أخرى..
عهد لم تعد تجرؤ على النوم وحدها بغرفتها..صرت لها الأب والأخ والصديق علني ارمم بقاياها..
ما ابشعك أيها الموت..أخذت منا خالد ووعد..لن اتركك بعد اليوم تنهش بعائلتي كما تشاء ..لا تخافي حبيبتي عهد..أنا أخوك..لن اتركك..
قبل يومين..قالت لي عهد انها حلمت انها مع خالد ووعد..وسألوها عني وقالت لهم أنني سألحق بهم قريبا ..
ضحكت وقتها..وقلت لها ( بلاش بالله من أحلامك..مش ناقصنا)
ابتسمت عهد وسقطت من عينها دمعة..
ونمت قربها لأني لم أرد أن تشعر بأي خوف أو وحدة.. وغفوت أنا بعد أن تأكدت من نومها..
تخيلت لوهلة أنني سمعت أنينا خافتا بعد ساعات..قلت أنه التعب ..ومجرد تخيلات..
لم اتخيل ابدا أن ذلك الأنين الخافت كان النفس الآخير لحبيبتي أختي عهد والتي ايضا اختارها الموت إثناء نومها كي يتحقق حلمها وتلتحق بخالد ووعد..
حاولنا انعاشها..ايقاظ قلبها..لكنها اسدلت الستارة على فصل جديد من وجع لا يأبى أن ينتهي..وماتت أيضا أختي الجميلة عهد أول أمس وتحول عيدنا إلى جنازة
ماتت عهد بعد سنة بالتمام من موت وعد..وتركت أما ميتة وهي على قيد الحياة ..وأبا مؤمنا لا شيئ على لسانه الا : عيدك يا بابا احلى بالجنة مع خالد ووعد..الله يرحمكم حبايبي جميعا ..
ترى من يأتي لي بقلب كقلبّ اختي الراحلة، من يَستوعب تلك الحكايات التي تستوطنّ قلبي، وتأكل ذاكرتيّ مَن ينفض الحزنّ عني بعد موتها.
عهد..أختي ..صديقتي .. أرجوك لا ترحلي ..لا تحققي ذلك الكابوس الذي رأيتيه قبل يوم من وفاتك.. لا تقتلي أخر رمق لأمي وأبي..
لم تفق عهد..ودفناها تحت التراب عند قدمي توأم روحها وعد.. وعيدها صار في الجنة بعيدا عنا..
عهدا علي يا عهد..
سأبقى أبحث عنك في طفولتنا ..
في الطرق التي لعبنا فيها سويا ..
في أشيائنا الصغيرة المشتركة ..
سأبحث عنك في الوجوه التي تحبين ..
والأسماء التي تعشقين..
والبلدان التي تهوين..
سأبحث عنك في كل شيء كنت فيه..
لعل الحنين ينتهي..
لكن الحنين رحلة بدأت ولم تنتهي ولن تنتهي..؟؟؟
من سوء حظي مات أخوتي قبل أن اموت فتركوا بقلبي جرح لا يبرأ وحزن لا يهدأ ووجع مقيم داخلي رافضاً للرحيل، اللهم ارحم أخوتي وارحم حالي من دونهم…
كانوا معنا بالأمس.. فغابوا عنا اليوم… وغاب معهم لحن الحياة..
نشتاق إليهم.. نتذكرهم.. نبكي.. نتمنى لو أن نجلس معهم.. نحاكيهم كما كنا نفعل ولو… مرة واحدة .
نرتشف الحزن بهدوء.. بصمت… نعانق بعضا مما تبقى من الذكريات..هي فقط ما يبقى… بعد الفراق.
يرحلون بصمت .. تاركين خلفهم في القلب ألف آآآآه …
الف رحمة عليك غاليتي .
لا أصدق حتى اللحظة أنك لن تعودي كي نكمل حكاياتنا..
الرحمة للدكتور خالد وليد عبيدات/
البلوغر وعد وليد عبيدات/
الصيدلانية عهد وليد عبيدات ..
ماتوا جميعا حزنا على من يحبون..
ربنا يصبر قلب أمي وابوي..؟؟
وقلبي..؟؟
ويبقى الرحيل عزف لا ينتهي متى ما بدأ..
رحمهم الله جميعا..