مقالات
الشّهاداتُ الأكّاديميَّةُ الْعُلْيا: أ.د. لطفي منصور
هيَ إنْجازٌ تَفْتَخِرُ بهِ كلُّ الشُّعوبِ الرّاقيَةِ التي تَذَوَّقَتْ طَعمَ الْعِلْمِ والأدَبِ. أعْني بذلكَ الألقابَ الأَكاديميَّةَ الرَّفيعَةَ، التي حَصَلَ عليها أصْحابُها بالدِّراسَةِ والْجِدِّ والسَّهَرِ، واجْتِيازِ امتحاناتِ صَعْبَةٍ، وَكِتابَةِ أبحاثٍ عِلْمِيَّةٍ تُثْبِتُ جدارَةَ الطّالِبِ واستِحْقاقَهُ لِنَيْلِ اللَّقَبِ الْمُشَرِّفِ، الذي وراءَهُ خِبْرَةٌ عِلْمِيَّةٌ يَسْتَغِلُّها صاحِبُها لسعادَتِه، وسَعادَةِ مُجْتَمَعِهِ والنُّهوضِ بِهِ عِلْمِيًّا وَأدَبِيًّا وَرُقِيًّا وَثَقافَةً وإنْتاجًا وَإعْمارًا.
أعني بالشَّهاداتِ العُلْيا الماجستير والدُّكتوراة وما فَوْقَ.
هذهِ الألقابُ الأكاديميَّةُ أخذَها الغَرْبُ عَنِ الْعَرَبِ والمسلمينَ، يَوْمَ كانتْ بَغْدادُ منارَةَ العلمِ والأدَبِ، وهزَّتِ العالمَ بدارِ الحِكْمَةِ والمدرَسَةِ النِّظاميَّةِ التي دَرَسَ وَدَرَّسَ فيها عالمُ الأُمَّةِ أبو حامدْ الغزالِيُّ (ت١١١١م)، وجامِعَةُ الْمُستنصِرِيَّةِ التي طَبَّقَ ذِكْرُها الآفاقَ في آسيا والشَّرْقِ العرَبِيِّ.
وكانَ الْعِلْمُ يَشِعُّ من الأزْهَرِ وَبَيْتِ الْحِكْمَةِ في مِصْرَ. ومِثْلُ هذا كان في منارَةِ تونِسَ وجامِعِ الزَّيْتونَةِ فيها، وَابْنِ خَلْدونَ مُفَجِّرِ عِلمِ الاجتماعِ البشَري الذي أسماهُ في مُقَدِّمَتِهِ ״العُمران في الْخَليقَةِ” . وَتِطِلُّ علينا “جامِعَةُ القَرَويِّينَ” في المغرب. التي كانَ يَؤُمُّها المُسلمونَ وغيرُهم.
ثمَّ يمتدُّ الْعِلْمُ الإسْلامِيِّ إلى مناراتِ الأندَلس. فيصلُ قُرطُبَةَ معَ ابْنِ رُشد، وإشبيلِيَّةَ وغرناطَةَ كَعبات العلم في في أوروبا كُلِّها.
أوْجَدَ عُلَماءُ المسلمينَ وشُيوخُهم ثلاثَ دَرجاتٍ علميَّةٍ انتحَلَتْها أوروبا، ولا زالتْ مستعملةً حتّى اليوم وهي:
– الإجازَةِ: كانَ يمنَحُها المعلِّمُ كتابيًّا لتلميذه بعد أنْ يُنْهِيَ المنهجَ التَّعليميٌَ الأوَّلَ، ومضمونُها: أجَزْتُك روايةَ كُتُبي، ويذكرُها لَه. يقابلُ الإجازةَ اللَّقَبُ الأَوّل (ب.ع).
– الفضيلَةُ: وهي اللَّقَبُ الثاني، يمنَحُها الشيخُ أوِ القاضي صاحِبُ الفضيلَةِ. يُقابِلُها الماجستير، ترجمةً حرفيَّةً عنِ العربيَّةِ.
– العالِمِيَّةُ: يُقابِلُها الدُّكتوراة ترجَمَةً حَرْفِيَّةً عنِ العربيَّةِ، وهي اللَّقَبُ الثّالِثُ.
وَبَعْدُ،
أتَوَجَّهُ إلى مُثَقَّفينا ومنهم طُلّابي الذينَ خَرَّجتُهم خلال ثلاثينَ سنةً أنْ يُكمِلُوا تعليمَهم لِأنَّ مجتمَعنا بحاجةٍ إليهم في نُهوضِهِ وتَقَدُّمِهِ.
قُبْحًا لِتُجّار الشَّهاداتِ المزيَّفَةِ وَأَقْبِحْ بِهِم.
قُبْحًا لِكُلِّ من يشتري شهادَةً زَيْفًا لا يعرِفُ من العلمِ الذي تُشيرُ إليهِ سِوى اسمِهِ.
قُبْحًا للوزارَةِ التي توظِّفُهم بالوسائط.
مِثْلُ هؤلاءِ لا يَضُرُّونَ مُجْتَمَعَهُم فَحَسبْ وإنَّما يُدَنِّسونَ قبمَةَ الشَّهادَةِ الْحَقيقيَّةِ، ويُسَبِّبونَ الخَبالَ في عَزيمَةِ طُلّابِنا الذين ينوونَ الالتحاقَ بالكليّات والجامعاتِ للدِّراسَاتِ العُلْيا.
قاتَلَهُمُ اللَّهُ بِإفكِهِم. وتَحِيَّتي لمن بذَلَ الجهودَ الكبرى لينْهَضَ بِأُسْرَتِهِ ومُجْتَمَعِهِ.