مقالات

بارقة دهشة .. رياض الصالح

لقد أدهشتني شمسك حقاً .. يا عزيزتي .. أبهرتني تلك اللحظة الوليدة التي حصلت .. لقد تحرك لدي وقتها كل عقارب ساعاتي .. لعلني لم أخبرك سابقاً عن توقف الزمن في تلك الليلة الكئيبة .. ها أنذا أرضخ لمطلبك المصر على إبداء ما أخفيته عنك من عذابي .. و اضطرابي ..
لا أدري .. إن كانت صنيعتك بي تعد نوعاً من الإحسان .. أو شكلاً لازماً يفرضه الحب .. لكنها بالمحصلة ستبقى عليَّ قاسية .. لعلك تستغربين من هذا التناقض الأهوج .. لشكل الحقيقة ..
فأنا الإنسان الذي يخشى الحياة .. يخشى مرور الزمن الفارغ .. يخشى ضياع الأشياء في مستنقع اللاشيء .. يخشى أن تكون رحلة البعث من جديد عنوانها عدمية الوجود .. فأنا الإنسان الذي أفقده الظلامُ حس إدراك ألوان المعاني ..
فلا تطالبيني الآن عبور مخاض جديد .. و قد خارت قواي حد الدمار .. و عجزت أطرافي عن ترميم ما تبقى من أطلال .. كل ما أستطيعه الآن .. هو محاولة إدراك شكل البقعة التي أقف عليها فقط .. بدون ماض و لا ذكريات ..
ففي حريق تلك الليلة .. تفحمت أشجاري جميعها .. لم أعد أستطيع عد حلقات سيقانها .. لقد فنى بي الزمن الآن .. بعد أن أفنيته بيدي .. فلا تطالبيني بذكريات حرقت .. و لا تظني أنها انبعثت من جديد ..
لن تفهمي نوعية الدهشة التي انتابتني .. إنها تشبه رعشة الخوف التي تصيبني لحظة شعوري بالعجز الكامل .. و أنا اليوم عاجز كالطفل الذي يحدق منبهراً بالكبار .. آملاً في سرعة الزمن .. أن تبلغه مقصده .. لكن الفارق بيننا أني فقدت ثقتي بجدوى الزمن المتكرر .. مع شخص محترق مثلي ..
فدهشتي لحظية بجدارة .. لن تتجاوز موضعها .. و إن دارت عقارب ساعاتي في جحورها حتى تتحجر .. فأنا الإنسان الذي يعرف ذاته حد الترف .. و يغرق في أعماقه حتى القاع .. ثم ينبش في تجاويف قاعه .. ليس حاجة لفهمها .. بل رغبة بدفنها ..
ها هي يدي ترتجف أثناء الكتابة .. ليس خوفاً من أي شيء .. أو جزعاً من اللاشيء .. فمخاوفي قد احترقت مع ما احترق تلك الليلة .. لكنه وقوفي أمام محرابك عارياً .. صريحاً .. لا يرتدي ملابس المجاملات .. و لا أقنعة المناسبات .. يحبوني برعشة من نوع آخر .. لا أريد تحليلها .. فما عدت أستغرب منتجاتي و صادراتي .. بعد عصر الدهشة هذا ..
لقد كانت أشبه باللمعة الخاطفة .. التي أنارت ما يكفي لاستحضار ملامح العالم في قلبي قبل تلك الحرائق .. لكنها ليست كافية لاسترجاع المشاعر البائدة .. لقد أثبتت لي معالم اللون الأبيض الناصع .. لأعرف حجم ذلك السواد الذي أحاط باللوحة و إطارها من جميع النواحي .. حتى لون الرماد فيها .. فقط للعلم .. كان أسوداً ..
هل عرفت من قبل .. أن ألوان لوحتي لا تعرف الدرجات .. لون واحد فقط .. لا يقبل الخلط أو التخفيف من حدته .. فأنا ذلك الإنسان الذي لا يعرف إلا أصل الألوان .. أبيض و أسود .. فما أجملها من أصالة .. و ما أرهقها من حقيقة .. عندما تعطيك المبرر لتحليل الصور وحدك .. بأسلوبك الخاص ..
لا تزال الوحدة تلهو بي يا عزيزتي .. فأنا الراكب في أرجوحتها .. ما بين علوٍّ مُفرِط و هبوط مُفَرِّط .. غبطة لاهية و حسرةٌ مغتالة .. شغف بها و يأس منها .. أربكتني إرهاقاً .. و أتعبت روحي الجدية لعباً و لهواً ..
أعلم أني فاجأتك .. فقد ظننتِ أن إشراقك غيرني .. ليته يستطيع ذلك .. ليته يمتلك فاعلية الدواء .. ليته يستطيع ترتيب روحي المبعثرة .. ليته يولد طاقة الإشعاع اللامتناهي .. بدلاً من خصائص البروق اللامعة اللحظية .. لا أريدك أن تقعي في لوم نفسك .. فأنا لا أسعى لذلك .. قلت لك أني أحرقت شؤم الملامة .. و لكن أطلب منك .. أن توقظيني من سباتي .. و تنفثين في رفاتي .. علّ مفاتيح الحب .. تفعل شيئاً .. فتهديء روعاً .. و تفتح عيناً .. و تؤنس روحاً ملت التكرار البشري الزائف ..

# بقلم
# رياض الصالح

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق