مقالات

دِينْ أَبْرَهام: أ. د. لطفي منصور

إبْراهِيمُ في الْيَهُودِيَّةِ والنَّصْرانِيَّةِ لا يُعْتَبَرُ نَبِيًّا وَلا مُرْسَلًا، وَإنَّما صَدِّيقًا وَلِيًّا.
في الْإسْلامِ الْآيَةُ واضِحَةٌ: (ما كانَ إبْراهِيمُ يَهُودِيًّا وَلا نَصْرانِيًّا وَلَكِنْ كانَ حَنِيفًا مُسْلِمًا وَما كانَ مِنَ مِنَ الْمْشْرِكِينَ)
الْحَنيفُ مِنْ حَنَفَ أَيْ مالَ إلى الدِّينِ الْمُسْتَقيمِ وَهُوَ التَّوْحِيدُ، أَيْ اللَّهُ واحِدٌ لا شَرِيكَ لَهُ.
وَمَعْنَى مُسْلِمٍ هُنا هُوُ الِانْقِيادُ وَالْخُضُوعُ لِلَّهِ تَعالَى لا لِإلَهٍ غَيْرِهِ مِمّا كانَ يَعْبُدُ الْوَثَنِيُّونَ الْمُشْرِكُونَ.
النَّبِيُّ الْوَحِيدُ الْمُرْسَلُ عِنْدَ الْيَهُودِ هُوَ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلامُ. وَالنَّبِيُّ الْوَحيدُ الْمُرْسَلُ عِنْدَ النَّصارَى هُوَ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلامُ. وَقَدِ اعْتَرَفَ الْإسْلامُ بِهِما وَبِالتَّوْراةِ وَالْإنْجِيلِ.
لَمْ يَكُنْ لِإبْراهيمَ كِتابًا سَماوِيًّا كَما هُوَ حاصِلٌ عِنْدَ الْأَنْبِياءِ الثَّلاثَةِ: مُوسى وَعيسَى وَمُحَمَّدٍ، سِوَى ما ذُكِرَ في الْقُرْآنِ “صُحُفُ إبْراهيمَ وَمُوسَى” وَهِيَ مَوادُّ تَوْراتِيَّةٌ تَحْكِي قِصَّةَ إبْراهيمَ مِنْ خُروجِهِ مِنْ أُورَ الْكِلدانِيَّةِ في الْعِراقِ ، وَمَعَهُ سارَةُ وَابْنُ عَمِّه لُو طٍ ثُمَّ إلى حَلَبَ وَفِلِسْطِينَ ثُمَّ إلى مِصَرَ ورُجُوعِهِ إلى فِلسطِينَ، وَأرْضِ الْمِيعادِ، وَسَفَرِهِ إلَى الْحِجاز، قَصَّةٌ تَوْراتِيَّةٌ، هِيَ أَقْرَبُ إلَى الْأَساطِيرِ مِنْها إلَى الْوَقائِعِ التّاريخِيَّةِ.
السُّؤالُ الْمُهِمُّ هَوَ كَيْفَ يُمْكِنُ مَزْجُ الْإسْلامِ بِدِيانَتَيْنِ لا تَعْتَرِفانِ بِهِ، وَلا بِنَبِيِّهِ، وَلا بِنَسَبِ مُحَمَّدٍ إلَى إسْماعِيلَ وَإبْراهِيمَ؟
بِالنِّسْبَةِ لِلْإسْلامِ لا مُشْكِلَةَ فَهُوَ مُعْتَرِفٌ بِالدِّيانَتَبيْنِ وَبالرُّسُلِ والْأَنْبْبِياءِ، فَهَلْ تَعْتَرِفُ الْيَهودِيَّةُ وَالنَّصْرانِيَّةُ بِرِسالَةِ مُحَمَّدٍ كَدِينٍ سَماوِيٍّ؟
لا. وَأَلْفِ لا. لا أَقُولُ هذا مُتَعَصِّبًا لِأَيِّ دِينٍ ، لَكِنَّ الْيَهُودَ يَعْبُدُونَ إلَهَ بَنِي إسْرائِيلَ “إِلُهيمْ” وَهُوَ إلَهٌ خاصٌّ بِهِمْ وَهُمْ شَعْبُهُ الْمُخْتارُ، وَباقي الْبَشَرِ “غويِم” أَيْ لَيْسُوا مِنْهُمْ.
أَثْناءَ دِراسَتِنا الْجامِعِيَّةِ في الجامعاتِ الْيَهودِيَّةِ كُنّا إذا تَرْجَمْنا “اللَّهُ” لَفْظَ الْجَلالَةِ بِ إلُهِيمْ (إلَهِ الْيَهُود” لا يَقْبَلُونَ مِنّا بِحُجَّةِ أَنَّ “اللَّهَ” لَيْسَ إلَهَهُمْ، وَإنَّما لِلْمُسْلِمِينَ.
النَّصارَى لا يَعْتَبِرونَ الْإسْلامَ دِينًا وَإنَّما تارِيخٌ، وَمُحَمَّدًا قائِدًا مُحارِبًا.
أَقُولُ نَعَمْ. هُوَ تاريخٌ وَحَضارَةٌ وَعَقيدَةٌ، وَعِباداتٌ لِلرَّبِّ الْواحِدِ الْأَحَدِ، وَمَنْهَجُ حَياةٍ.
الْإسْلامُ يُقَدِّسُ إبْراهيمَ وَمُوسَى وَعبسَى وَمَرْيَمَ الْبَتُول.
كانَ مُحَمَّدٌ يَقُولُ: موسَى أَخِي وَعيسَى أَخي، وَإبراهيمُ أَبي.
لَكِنَّ الْيَهُودِيَّةَ عادَتِ الْإسْلامَ. وَالنَّصْرانِيَّةَ عادَتِ الْإسْلامَ. هذا الدِّينُ اعتَبَرَ الْيَهُودَ وَالنَّصارى أَهْلَ كِتابٍ وَذِمٍّيِّينَ وَلَمْ يَفْرِضْ عَلَيْهِمِ الْإسْلامَ، وَتَرَكَ لَهُمْ حُرِّيَّةَ الْعِبادَةِ في كَنائِسِهِمْ وَكُنُسِهِمْ وَبِيَعِهِمْ وَصَلَواتِهِمْ.
نَعَمْ لِحُرِّيَّةِ الْعِبادَةِ وَالتَّدَيُّنِ واحْتِرامِ الْآخَرِ ، والتَّسامُحِ والسَّلامِ.
أمّا هذا الْمَزِيجُ الَّذِي تَسْعَى إلَيْهِ أميرِكا فَهُوَ تَدْبيرٌ سِياسِيٌّ لِحاجَةٍ في نَفْسِ نتنياهو لَنْ يَكُونَ في صالِحِ الْإسْلامِ أَبَدًا، وَهُوَ لَيْسَ بِحاجَةٍ إلَيْهِ، فَإنْ تَمَّ لا سَمَحَ اللَّهُ سَيُطالِبُ “الْإبِراهيميُّونَ” مُشارَكَةَ الْمُسْلِمينَ في أَقْصاهُمْ وَكَعْبَتِهِمْ وَحَرَمِ نَبِيِّهِمْ وَأَرْضِ الْمِيعادِ مِنَ النِّيلِ إلَى الْفُراتِ وَهَذا ما يُطالِبُ بِهِ بَعْضُ وُزَراءِ الْحُكُومَةِ الْحالِيَّةِ.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق