شعر وشعراء

اسْتِغاثَةُ القُدْسِ!

أ.د. لطفي منصور

يا قُدْسُ يا مَهْبِطَ الأَنْبِياءِ
يا دُرَّةً في جَبينِ الأَوْلِياءِ
كُنْتِ مَأْوَى حمائِمِ السَّلامَة بالعلياءِ
ومَغاثَ المَلْهُوفِ إذًا
جَنَّهُ اللَّيْلُ يَبْغِي الأمْنَ
بَيْنَ أَسوارِكِ بِكِبْرِياءِ
وَمَنْبَعَ العِلْمِ والدِّراسَةِ أَنْتِ!
وَالتَّنكزِيَّةُ شاهِدٌ فيكِ تَألَّقتْ
شُمْسُ الْعُلومِ مَنْهَلُ
العِلْمِ يَؤُمُّكِ عُشَّاقُهُ
لِلاعْتِلاءِ
ماذا جَرَى حينَ خاطَبْتُها بِحَسْرَةٍ
فَأبَتْ أنْ تُجِيبَّ، مُعاتِبَةً بِرَجاءٍ
نادَيْتُها أَيْنَ جَمالُ الدِّينِ الدِّمَشْقِيُّ
مَنْ أَرْسَى بُنْيانَكِ، وَأعْلَى قِبابَكِ
بالْعِزِّ وَالْقُوَّةِ دُونَ رِياءِ؟
أَيْنَ ابْنُ قُدامَةَ المَقْدِسِيُّ حَطَّ رِحالَهُ
في رِحابِكِ، خَطَّ “الْمُغْني” فِيهِ لِلسُّنَّةِ
مَنْهَجٌ، وَلِلْفِكْرِ مَرْتَعٌ بِفَيْضٍ بِغِذاءِ
تَوَجَّهْتُ إلَى الصَّخْرَةِ فَإِذَا هِيَ تَبْكِي
فَقُلْتُ: أيْنَ الّذينَ عَهِدْتُهُمْ حَوالَيْكِ،
يَتَبَتَّلُونَ بِشَهامَةٍ، وهاماتُهُمْ لِلرَّبِّ بِانحِناءِ
قَالَتْ: سَطا عَلَيَّ الغُرَباءُ الْمُغْتَصِبُونَ،
فَانتَهَكًُوا شَرَفي بِاحتِقارٍ وازدراءِ
لِي إلَيْكَ رِسالَةٌ تُبَلِّغُها لِصاحِبي
في الشَّام عَبْدِالْمَلْكِ،
وَأَسْمِعْهُ في قَبْرِهِ، وَقُلْ لَهُ:
عَروسُكَ قَدْ تَعَرَّتْ فَأدرِكْها بِارْتِقاءِ،
أنا رايَتُكَ، رايَةُ الإسلامِ يَتَهامَسونَ
عَلَى خَلْعِي آبِقونَ بَيْنَ مُرْتَدٍّ وَأَدْعِياءِ
وَفَجْأَةً داهَمَني وَاستَفَزَّني
أنينٌ كَهَديرِ البَحْرِ صاخِبٍ بِاسْتِياءِ
صَوْتٌ كَأنَّ الملائكَةَ نَطَقَتْ بِهِ
استَمَعَتْ لَهُ الأرْضُ وما في السَّماءِ:
أنا الأَقْصَى مَسْرَى الرَّسولِ في الآفاقْ، ومَرْبِطُ الحَمولَةِ البُراقْ، فَوْقي في السَّماءِ السّابِعَةِ الضُّراحْ، وهو البيتُ المَعْمورُ، لِنَبِيِّنا مُباحْ، وفوقَهُ الْعَرشُ مِلْءْ السَّماواتِ والأرْضِ والْبِطاحْ ، يُزْعِجُني مُرورُ قَوْمٍ يَمُرّونَ في داخلي، لا أَعْرِِفُهُم ولا يَعْرِفوني، أيْنَ الوليدْ، الذي تَرَكَ لنا كُلَّ شَيْءٍ تَليدْ. مِنْ خراجِ مِصْرَ البِناءْ، سَبْعَ سِنينَ متواليَةٍ بالهناءْ، أيُّها الوليدْ، يا أبا الحظِّ السَّعيدْ، انهضْ واحْمِ بَيْتَكَ مِنْ كُلِّ تَهْديدْ، أسْرِعْ فالأمورُ تسيرُ عَكْسَ ما نُريد!!!!
وانشَقَّ السُّكونْ، وَإذا أَجْراسُ القِيامَةِ تبدأُ بالعَزْفِ والرَّنينْ، وَإذا بِلَحْنِ الخُلودِ يَنْطَلِقُ في الفضاءِ: نَحْنُ هنا، القدْسُ لنا، نَحْنُ مَعْ بَعْضِنا، أُخُوَّةٌ تجمَعُ القيامَةَ والأقصَى، انظروا العُهْدَةَ العُمَرِيَّةْ، إنَّها مصونَةٌ قَوِيَّّةْ، في أيدينا بَيضاءُ بَهِيَّةْ، كالعُرْوَةِ الوُثْقَى، لا انفِصامَ لها،عَلَى الْقَوْمُِ عَصِيَّةْ.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق