مقالات
خاطِرَةٌ دامِيَةٌ: أ. د. لطفي منصور
يَقْتُلُ أُخْتَهُ لَها أَرْبَعَةُ أَوْلادٍ لِيُطَهِّرَ بِدَمِها شَرَفَ الْعائِلَةِ:
وَهَلْ يَبْقَى لِلْعائِلَةِ شَرَفٌ بَعْدَ الْقَتْلِ وَالْجَريمَةِ؟؟
لَقَدْ نَكَبَ عائِلَتَهُ أَشَدَّ أَضْعافًا مِنْ نَكَباتِ الدَّهْرِ وَنَوائِبِهِ. حَدَثٌ سَيَنْغَرِسُ في نَسَغِ جَمِيعِ أَفْرادِها ما دامُوا في الْحَياةِ. سَيُواجِهُونَهُ في يَقَظَتِهِمْ وَنَوْمِهِمْ، وَحِلِّهِمْ وَتَرْحالِهِمٍ، وَمَأْكَلِهِمْ وَمَشْرَبِهِمْ.
وَالْيَتامَى الْأَرْبَعَةُ أَلَمْ يَخْطُرُوا بِبالِ الَّذِي حَرَمَهُمْ سَعادَةَ حِضْنِ الْأُمِّ. يا وَيْلَهُمْ وَما يَنتَظِرُهُمْ مِنْ قَتامٍ عِنْدَ فِقْدانِ الْأُمِّ وَالْعَيْشِ في كَنَفِ زَوْجَةِ الْأَبِ.
نَحْنُ أُمَّةٌ لَمْ تَصْقُلْ بَعْضَنا تَعاليمُ دِينِنا في الرَّأْفَةِ وَالْحِلْمِ والصَّبْرِ، وَالْإنْسانِيَّةِ وَالتَّعَقُّلِ في حَلِّ الْأَزَماتِ والْمُعْضِلاتِ، يَرَوْنَ الدَّمَ الْحَلَّ الْأَوْفَرَ دُونَ احْتِسابِ الْعَواقِبِ.
وَهَلْ يَسْلَمُ مُرْتَكِبُ الْجَريمَةِ، بَعْدَ أَنْ يَقْضِيَ زَهْرَةَ عُمُرِهِ في قُبُورِ الْأَحْياءِ. وَيَبْقَى عالَةً عَلَى عائِلَتِهِ عُقُودًا.
إنِّي أَنْحُو بِاللّائِمَةِ عَلَى مَكاتِبِ الشَُّؤُونِ الِاجْتِماعِيَّةِ الّذينَ لا يَقُومُونَ بِواجِبِ التَّوْجِيهِ والتَّوْعِيَةِ لِلْعائِلاتِ الْمَأْزُومَةِ. وهُمْ يَعْرِفُونَها جَيِّدًا، وهذا يَحٍتاجُ إلَى عِلاجٍ نَفْسِيٍّ وَوِجْدانِيٍّ وَعَقْلِيٍّ.
يَجِبُ اجْتِثاثُ فِكْرَةِ “شَرَفُ الْعائِلَةِ” من مُعْجَمِ هُوِيَّتِنا الْأَخْلاقِيَّةِ وَالاِجْتِماعِيَّةِ وَمِنْ عاداتِنا الْجاهِلِيَّةِ الْبالِيَةِ، وَإلْقاءِ التَّبِعَةِ عَلَى الْمَرْأَةِ لِأَنَّها الْأَضْعَفُ في مُجْتَمَعِنا، وَيَفْلَتُ الْجانِي حُرًّا بَعْدَما قَضَى أَرَبَهُ لِيُفَتِّشَ عَنْ ضَحِيَّةٍ جَدِيدَةٍ.
الْمَرْأَةُ ضَحِيَّةُ هَذِهِ الْعاداتِ. إنِّي أَرَى مِنُ واجِبِ مُؤَسَّساتِ التَّعْليمِ عِنْدَنا أنْ تُولِيَ التَّرْبِيَةَ الْجِنْسِيَّةَ اِهْتِمامًا بالِغًا، تُعْطَى مِنْ قِبَلِ مُرْشِدِينَ مُخْتَصِّينَ في الْمَوْضُوع لِنَشْرِ الْوَعْيِ بَيْنَ طَبْقاتِ الْمُجْتَمَعِ .
إنِّي أرْفَعُ صَوْتِي عالِيًا لِأَقُولَ إنَّ قَتْلَ الْمَرْأَةِ لا يَمْنَعُ حُدُوثَ الشَُذوذِ الْجِنْسِي، وَالْمَسْؤُولِيَّةُ عَنْ ذَلِكَ تَقَعُ عَلَى الرَّجُلِ والْمَرْأَةِ. وَأَنَّ الدَّوافِعَ لِذَلكَ نَفْسِيَّةٌ وَبَيَلُوجِيَّةٌ لَها عِلاجُها كَأَيِّ مَرَضٍ آخَرَ.
رَبِّ أَنْزِلْ رَحْمَتَكَ عَلَى الضَّحايا الْبَريئَةِ مِنَ النِّساءِ وَالرِّجالِ .