مقالات
شحذُ السيف ..بقلم رياض الصالح
أثقلت عليك يا بنيّ بكثرة الشكوى .. لعلك تعتقد كلما أرسل لك نفحاً ما، فكأنني أتسلى بإزعاجك .. أو أتعمد قلب مزاجك و إرهاق روحك .. صدقني .. أنَّ ما أبُثّهُ لك .. إنما أنفثه من لهيب ناري .. و صولة أواري .. و قدح شراري .. كما أن التسلية ليست ضمن قريحتي .. و لا تستهويها طبيعتي .. فأرجو أن تكون قد طالعت ما أكتبه لك .. دون استهتار بعصارة فكري .. أو إقلالٍ من مكانة تجربتي و دهري ..
و لا تتصور مني أنني منحط المشاعر تجاهك .. فلا أبالي بما ستفعله كلماتي بك .. و لا أخاف من شرر لهيبي على ثياب سكونك .. فشعوري بالذنب و تأنيبي لضميري يفوق قدرتي على تحمّل عتابٍ واحدٍ منك ينبؤني بأنك تعاني مما أكتبه لك .. أو أنك تصارع ذاتك من أجل التغير ..
أمثالنا يا ولدي نولد أصفاراً فارغة .. و نبتلى بدلالٍ يبقينا أصفاراً مهما مر على حياتنا من أرقام .. حتى تمنحنا الصدفة رقماً صعباً لا يعرف الصفر .. و لا يعترف بالهامش .. فيقلب حياتنا رأساً على عقب .. و يسرقنا من معادلاتنا بلا مقاومة .. ليقذفنا في معادلات صعبة .. ترتقي بنا .. و نرتقي بها .. و نترك الأثر ..
تسألني .. لماذا تسرقنا الآلام .. و كيف تحطمنا الأيام .. و هل تخدعنا الأحلام .. عجبت من أسئلتك .. لكنها أعجبتني .. و قلقت على روحك .. لكن كلماتك طمأنتني .. و خشيت من ضياعك .. لكن رسالتك المستلهمة وجدتني .. فألهمتني .. و من نحن يا بنيَّ سوى كلماتٍ صادقة .. و طيوف عابرة .. و حكايات سائرة .. تبحث عن باحثٍ نهِم ..
كرهت في بداياتي من هذه الحياة مبدأ النفاد .. كل ما فيها عرضة للنفاد .. حتى صار التزوّد ديدنُ الحياة .. نشبع ثم نجوع .. نروى ثم نعطش .. نتذكر ثم ننسى .. نشتاق ثم نَمَلّ .. نضحكُ ثم نبكي .. كرهت كل هذا .. ثم أحببته .. و لعل في هذه المعادلة .. جواب لأسئلتك .. أو بداية سؤال سيتشكل بعدما تحظى بالإجابة .. فكل جواب عرضة للنفاد .. و مفتاح لسؤال جديد ..
تسرقنا الآلام حتى نجد أنفسنا .. و نحررها من قيود العذاب .. لنعود بعد الغياب .. و نبدأ من جديد .. بشكلٍ جديد .. و عزمٍ شديد .. و عقلٍ رشيد .. إنها رحلة التحرر يا حبيبي .. فكن سعيداً و أنت تتألم مواجهاً للصعاب .. مدركاً لما ستكون بعد ذلك .. مؤمناً بنفاد الألم .. و بداية احتياج جديد .. فإن فاتك تصوّرك لذاتك بعد الضربات .. ستبقى حبيساً للأوجاع مدى العمر .. و رهينةً بأيديها للأبد .. و هكذا تحطمك الأيام ..
آمنت بأن أقتني سيفاً يستحثني لتعلم المبارزة .. و الجرأة على المواجهة .. و القدرة على الالتحام بالأعداء .. فكسرت غمدي تخففاً .. و لست أفضّلُ الرماية .. فقوسها يحتاج زاداً من السهام .. و كنانةً تثقل الكاهل .. فإن نفدت سهامي .. لم تنفعني طاقة جسدي .. و أنا لم أدربه على المجابهة .. عرفت بعدها لماذا كانوا يدفنون السيف مع حامله في قبر واحد .. فبدون صاحبه .. لن يجيد سيفٌ قتالا ..
أما أحلامنا يا ولدي فهي مجنونة غير عاقلة .. و المجنون لا يخدع .. لكنه يغُرُّ بلا قصد .. واحةٌ يسكنها السراب ُ.. فإن كان ديدنك التلذذ بالأحلام .. و طول منام .. شربت السراب في أحلامك .. و إن تحرك فيك إدراكك .. و سمى فيك وعيك .. و اشتعل العقل وهجاً .. فأمطت لثام الكسل .. و شمرت ساعد الأمل .. و لبست حذاء العمل .. وصلت واحتك .. أو اقتربت منها .. حتى لو كانت سرابا ..
نقف في المكتبة أمام آلاف الكتب .. فنحلم بقراءتها .. يقف البعض عند حلمه بقراءتها .. و يتجرأ الطامحون لاقتناء بعضها .. و يقف آخرون عند عناوينها .. و يخوض في غمارها من يؤمن أن طريق الأحلام .. هو شحذ الأفهام .. و خلع الأوهام .. و علاج الأسقام .. ثم لا يكتفي .. حتى يشتعلَ الإلهام .. على الدوام .. فتلحق به الأحلام .. حتى لو لم تسعفه الأيام ..
فلا تجزع من كلماتي .. و لتتبع خطواتي .. حتى تستقلّ بك أقدامك .. في دروبك الخاصة .. و تكون بعثاً جديداً .. بهيئة جديدة .. لزرعٍ جديد .. يتزود من الشجر القديم .. عصارة التجربة .. و بقايا الأمل .. حتى تُرفعَ في السماء .. سيفاً ..
# بقلم/ # رياض الصالح