شعر وشعراء

انفض السامر / حسن إبراهيم حسن الأفندي

لو أن للآجال عمرا يُشترى

لأعيش ثانية وأنظم سُكّرا

تمضي بنا الأيام مرَّ سحابة

ويقال عنا قد قضى متأخرا

فكأن بالأمس القريب أخاله

جئت الحياة لها نثرت معطرا

وكأنني ما زلت في عمر الصبا

لكنما يأتي المشيب مبكرا

وأخادعنَّ النفس لا أُلفى بها

إلا خداعا ظاهرا ومسيطرا

لم يبق من عمر قصير ما يفي

آمال نفس حاذرت أن تحذرا

تمضي السنون على تراب قاحل

ضمَّ الرفات وظل سجنا قاهرا

هل يا ترى بالموت أفقد زاخرا

من فيض علم قد جمعت مثابرا

أم أن بعد الموت ألقى ما أنا

أحببت في دنياي أعشق ما أرى؟

كم من جمال عشت فيه مقيِّدا

نفسي وسرت مع الجمال متى سرى

انفض سامرنا وراح مراحنا

ذهب الشباب وما فتئت معبرا

في كل زاوية لنا أنشودة

عبقت بطيب الياسمين تبخترا

فالشرق يعرفني ويعرف ماهرا

في شعره طرق النداوة أبحرا

خبب , بسيط أو بكامل نظمه

جاء المعاني تستطيب الوافرا

غنى له شعب العراق ومغرب

وأقام دولته قديرا ماهرا

يسعى إليه النابغون مديحهم

حفظ الوداد وللبلاغة سطرا

حتى كأني من عظيم ثنائهم

كانت قلادته المرصع أحمرا

غطى لأكتاف وشاح فخاره

طربا يهز العطف زاد مفاخرا

يا رب يوم كنت فيه مغردا

ما جئت إلا بالجمال مسامرا

ومدحت أفذاذ الرجال ولم أزل

لم أحن رأسا بالدهان مشطّرا

ملك أنا بين الملوك رصيفهم

ركب الصعاب ولا تبختر وازدرى

قالت لي الحسناء وهي ترومني

أكذا تردُّ على غبي اِفترى

أين البطانة في عظيم مكانة

لتردَّ عنك سؤال من لك اشترى

قلت الحياة لنا طريق عابر

نحو الفسيح وللصلافة أنكرا

لو عشت عمرا بعد عمري مرة

أخرى وأخرى ما عرفت تكبرا

وحفظت حق الصالحين ولم أزل

أرعى ودادا للذي لي أكبرا

ما راعني إلا قضاء حاذق

خطف الأحبة عائدين إلى ثرى

دمعي أكفكفه بموت عزيزة

فإذا بدمع آخر يهمي جرى

الحزن يعرفني رقيقا باكيا

فأقام خيمته بقلبي عسكرا

ماذا ترى لو عشت قلبا قاسيا

ما حنَّ يوما أو تلفّت للورا

لرأيت من رغد الحياة جمالها

ولعشت عمرا في ربيع مقمرا

سبعون عاما ربما قد عشتها

كانت أرق من الورود وأنضرا

في رحلة أرضت لصدر مائج

حمل المآثر لا يمل لها برى

هل لي ببعض العمر أحيا ما مضى

لجرت كنوز عند كفي أنهرا

لأعود أنفق من جديد على الألى

حُرموا الحياة وما رأيت تذمرا

الصابرون بفقرهم لمصيبة

والمؤمنون بربنا مهما جرى

يا رب إني لم أعش بثباتهم

حين الشديد وقد طرقت منابرا

جزعي يؤرقني وعفوك واسع

فارحم لضعفي إذ أتيتك شاعرا

لا لست أطرق غير بابك رحمة

أنت الذي تدري وغيرك ما درى

لوّامتي زجرت لفعل شائن

كم لمت نفسي حينذاك كما ترى

وبكيت إشفاقا بيوم مرعب

رصد الكبير من الأمور وأصغرا

يا رب فاعصم لي من الزلل الذي

لا ترتضيه وكن رحيما غافرا

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً

إغلاق
إغلاق