مقالات
استبداد دولة الرفاهية الحكومة الدنماركية ترهق جيوب المواطنين لكي تساهم في حرب ليس لها فيها لا ناقة ولا جمل ..
كتب الاعلامي هاني الريس
تشعر غالبية الشعب الدنماركي بإحساس أعظم بالفخر بيوم ” التأمل العظيم” المسيحي، أو يوم ” الصلاة العظيم” بوصفه تقليد نموذجي للديانة الكاثوليكية في الدنمارك، وهو يوم كان مخصص في الأصل للصلاة والصوم والتعبد والغفران عن الذنوب، والشراكة التامة مع السيد المسيح، من خلال توجيه كل انتباه الفرد إليه والتقرب له وطلب الشفاعة منه .
وكان قد أسس هذا اليوم الأسقف الدنماركي هانس باغر، في 1675 _ 1697 لكي يجمع فيه العديد من الأعياد الكاثوليكية في يوم واحد في الدنمارك، ويصادف كل يوم الجمعة الرابع بعد عيد الفصح المسيحي .
هذا اليوم الفضيل لدى الغالبية الشعبية في الدنمارك، تريد الحكومة الدنماركية إلغائه والقضاء عليه بجعله يوم عمل اضافي عادي للدنماركيين، وذلك تحت مبرر التضخم في الموازنه العامة، وتمويل النفقات المتزايدة على الدفاع والعسكرة والأمن العام، وذلك من خلال مقترح تقدمت به في 12 كانون الثاني/ يناير 2023 إلى البرلمان الدنماركي وطالبته بالموافقة عليه ” نظرا للمصلحة الوطنية العليا” كما سمتها .
وكان مقترح المشروع الذي تقدمت به الحكومة إلى أعضاء البرلمان، من أجل إلغاء يوم الصلاة العظيم، واستبداله بيوم عمل عادي، والذي تم من خلاله طرح أكثر من 100 سؤال داخل قبة البرلمان، يهدف إلى وضع زيادة مالية للموازنة العامة للدولة التي قد تضررت بفعل الزيادة الهائلة على نفقات التسلح و مشاريع أمن البلاد، والدعم السخي التي تقدمه اليوم إلى أوكرانيا لتصديها للهجوم الروسي، ولكن مقترح المشروع الحكومي المنشود، التي كانت تأمل بأن يوفر لخزينة الدولة أكثر من 3 مليارات كرونة دنماركية في حال الموافقة عليه واقراره من قبل البرلمان، واجه تحديات كبيرة وصعبة، وأصبح موضع جدل داخل قبة البرلمان وخارجها، حيث قوبل بالرفض وبانتقادات شديدة للغاية من عدة جبهات ممثلة بالسياسيين والنقابات العمالية واساقفة الكنائس الدنماركية، وبما في ذلك حملات هجومية من بعض وزراء الحكومة نفسها، وأما
الاحزاب التسعة المعارضة من خارج الحكومة، فقد قدمت خطة تمويل بديلة اقترحوا من خلاها خفض الانفاق العام، بدلا إلغاء العطلة الرسمية ليوم ” الصلاة العظيم” ذات الشعبية الواسعة في البلاد، واعتبروا بأن يوم العطلة لن يضر كثيرا بالاقتصاد .
وفي هذا الصدد قالت وزيرة العمل الدنماركية، أني هالسبوي يورجنسن، في تصريح :” نحن نواجه اليوم وضع خطير للغاية بالنسبة للموازنة العامة للدولة، وإنه من الأهمية بمكان بالنسبة للحكومة ان تحافظ على أمن البلاد واستقرارها، وتعمل من أجل النهوض بمستوى دفاعاتها العسكرية والامنية، ولذلك يتوجب علينا جميعا حكومة وشعب، الإستعداد لتقديم
تضحيات كبيرة، واشياء إضافية لمعالجة هذه المعضلة المالية، ولذلك نريد أن نجعل يوم ” الصلاة العظيم” يوم عمل عادي في الدنمارك، وإذا ما حالف الحكومة الحظ وتم تمرير مقترح المشروع في البرلمان، فإنه سوف يصبح يوم ” الصلاة العظيم” يوم عمل إضافي عادي اعتباراً من العام 2024 .
غياب نموذج الرفاهية :
أن رغبة الحكومة الدنماركية التي ظلت تتبجح بنموذج دولة الرفاهية، الذي لا يضاهيه أي نموذج آخر في العالم، وظل محط حسد الآخرين، واعانة الضعفاء والفقراء في المجتمع، على امتداد عقود من الوقت، ظلت مجرد نشوة عابرة، ولا تنبئ بخير، حيث الوضع الاجتماعي والاقتصاد أصبح اليوم في مازق خطير، بسبب الضغوط الهائلة المستمرة على الحياة المعيشة اليومية العادية للمواطنين، ولاسيما الطبقات الضعيفة والفقراء، من خلال تفشي ظاهرة الغلاء الفاحش في الأسعار، وفرض الضرائب المرتفعة، والدعم الاقتصادي الضعيف والمحدود للطبقات المتوسطة والفقيرة، بحيث بدأ يشعر فيه المواطن الدنماركي بقدر هائل من التشاؤم وضيق العيش، في نفس الوقت الذي تحاول فيه الحكومة تبذير الأموال الطائلة على مشاريع وصفقات التسلح ومختلف أجهزة الأمن العام، والمشاركة في الحروب، و تقديم الدعم العسكري والمادي غير المحدود على ما تصفهم بالدول الحليفة والصديقة، بذريعة الدفاع عن نفسها في مواجهة أي عدوان تتعرض إليه، كما كان الحال بالأمس في مشاركات دفاعية في حروب عبثية مع الآخرين، واليوم تساهم بقوة في حرب طاحنة ليس لها فيها لا ناقة ولا جمل، بين الاوكرانيين والروس، بحجة أن أوكرانيا تتعرض للفناء والتذمير الممنهج من قبل الدولة الاتحادية الروسية، وانها تقف إلى جانبها بكل شجاعة واقدام، وتمولها بالمال والسلاح والعتاد، حتى لو كان ذلك على حساب المواطن الدنماركي، فالمهم هو أن تدافع أوكرانيا عن نفسها وتنتصر أمام قوة روسية عاتية ومخيفة .
وبعد إرسال الكثير من انواع شحنات الأسلحة والمعدات الحربية والأدوات التكنولوجية المتطورة واستقبال المزيد من اللاجئيين الاوكرانيين تحت مسمى ” قانون الحماية” وتفضيلهم على المواطنين الدنماركيين والأجانب المقيمين في البلاد، أودعت الحكومة الدنماركية في مكتب الأمم المتحدة لخدمات المشاريع في الدنمارك، مبالغ مالية طائلة قدرت بأكثر من 18 مليون دولار أمريكي لشراء أجهزة ومعدات للكهرباء والمياه والتدفئة الحيوية بهدف إرسالها إلى أوكرانيا، لضمان حصول المجتمعات الأوكرانية على الكهرباء والمياه والتدفئة، وغيرها من المستلزمات الملحة لوقت الشتاء، في نفس الوقت الذي تحاول فيه خداع المجتمع الدنماركي وتدرف فيه دموع التماسيح بشأن تداعي اركان الاقتصاد الوطني، والحاجات الضرورية والملحة لتأمين الأمن والاستقرار، وترهق فيه جيوب المواطنين من جراء مضاعفاتها الفاحشة لفواتير الكهرباء والمياه والتدفئة، وتخفيف الرقابة على التجار، واستشراء الغلاء الفاحش على جميع المواد الاستهلاكية الأساسية اليومية للمواطنين .
هاني الريس
5 شباط/ فبراير 2023