“لم أجد في الأيام زمن، ولا في المسافات سكن، وكل مقام لا يساوي نغمة إذا ضاعت معزوفة الوطن“ أول السريات التي هبت علينا في حفل تدشين المؤلف الأول للكاتب والفنان عيسى هجرس في نادي الضباط بتاريخ 23يناير 2023 الذي حمل عمق المعاني في عمق المسميات،وعمق الحب بمختلف الصفات، وعمق شخصه في كل ملفات الإحساس، التي ترُجمت في مضمون السرايات التي هبت من كل حدب وصوب، ومن صولات وجولات، من المحرق،وتاريخ الزمن، ومحطات العمر، ووقفات الألم، ومن الإمنيات واللحظات العابرة عميقة الأثر.
سراياتٌ حملت الطفولة، ومعها قصص سُطرت على جدران الزمن حتى الكهولة، وحكمة العمر تاريخ يبقى دهر، شخوص برمزيات سردت لتؤرخ بعبارات تعلو قمم، حضر لمقامها معالي الثقافة والفن والأدب، وامتلئت القاعة وحُشدت من صفو رجالات ونساء المجتمع من مختلف الأعمال والأعمار لتزهو أرجاء المكان احتفاءً بهذا المؤلف ” سرايات” الذي يلامس كل الأزمان ليبقى بصمة أثر في تاريخ الأدب بندرة ابداعية مميزة في مكتبة الثقافة.
“سرايات“ المؤلف عيسى هجرس معاني لمشاعر، وترجمة لشعور، ومجلد حياة يحكي حالات تلامس شخوص، وشريط عمر يمر بدقة الساعات، من أولى السرايات حتى أخرها الألف والستين، لم تترك فاصل في الزمن الا وهبت السرايات بقوتها وعمق معانيها، وعباراتها الحكيمة كما هي السراية الخاتمة التي أكدت على أهم عمود لبناء المجتمع ” من أهمل التربية وأقام التعليم، كمن شيد بناءً ونسي التصميم” (سراية1060) والتي تدعم التربية قبل التعليم.
سراياتٌ هبت بنهم، ونغم، بأوتارٍ تميزت بعمق الإحساس والتفكير، وروح الإبداع ..فكان منها “( سراية 24)” أريدك حبيباً أموت وأحيا على لقاه.. ولا تكن لي طبيباً يدفعني الجرح كي أراه“، وسرايات رسمت للمقارنات والإنتقاد رقصة حكيمة راقية للإصلاح كما هي ( سراية 21) ..” عندما درسني صفعني، وعندما درست ابنة اعتذر لي عن صفعة أبيه.. فقلت لا تعتذر .. فصفعة أبيك هي ساعة المنبه التي أيقظتني لما أنا فيه” حقيقة موقف وحكمة وتاريخ لزمن عن زمن.
سرايات بحثت في تقلبات النفس البشرية وسردت الحالات والأمزجه كما هي ( سراية 96) ” أنا مخاطر وأنت مقامر .. قد نلتقي في التهور ولكننا سهمان الطريق بينهما اختلف .. واحد تجاوز الهدف .. والثاني عند الإِشارة وقف”،و( سراية 76) “تحتاج بعض الحنكة لتكون حكيماً، وتحتاج كل الحكمة أحياناً كي تبدو مغفلاً”
التفكير الراقي لسرايات هجرس احترمت ذات الإنسان وذوقه لكل الأجيال.. كما هي(سراية 12)” أفصل ثوب صداقتي على مقاس أصدقائي ويوم أفصلة على مقاسي، سيكون ثوب اللاصديق قياسي”.
“سراياتٌ” عنوان المؤلف الأول لعيسى هجرس عنوان مجدياً في الإختيار محققاً للمعنى في المضمون والمحتوى، فعندما نقلب صفحاته نشعر بهبات السرايات التي تحيرنا في الإختيار وتنافس أفكارنا في استيقافنا للتفكير والتعمق في المعنى والإحساس بالمضمون وجماله المحمول بعمق الثقافة والتجارب الحياتية والعلاقات الإجتماعية المتنوعة، حقيقة سريات جمعت الشعر، والأدب، والحكمة، والأمثال،من تاريخ الزمن الماضي والحاضر والمستقبل، كلمات بتعابير راقصة جميلة، وتراكيب في نوته موسيقة راقية، عزفت أحلى نغم صدح صداها في أعماقنا، كجهاز نبض يستشعر قوة الإحساس، ودقات القلب في أجسادنا، وعمق الروح لأعمارنا كما هي( سراية 140) ” تمنيت عودة الطفولة، على ألا أعود طفلاً .. فلم أعد أطيق حمل كراريس المدرسة وكتب الدراسة، بعدما حملت فواتير الكهولة”
عيسى هجرس لم يكن طبيباً أو معالجاً ولم يكن متخصصاً في تنمية القدرات المهارية والفكرية، ولم يكن أديباً، وإنما فاق الأدب والشعر من مهنيته كهندسة الطيران تخصصه العلمي وعمله المهني حيث ترجم هذه المهنية بقلم الإحساس الذي يتمتع به وعمق الشعور الإنساني في مؤلفة فهندس السرايات في بناء جميل جمع كل تقلبات الزمن والعلاقات والإتصالات، هندسها بروح محلقة في سماء الخيال لتنثر ورد المحبة عبر سرايات الزمن، وتقلباته لتكونواقع ملموس شهده حضور وجمع غفير في قاعة الإحتفال لاستقبال هذه السرايات التي حقنت أوردتنا وجمدتنا من قوة ابداعها لتكون بعدها الإنتعاشة الروحية الجميلة التي حلقت بنا لنفتح كل صفحات ماضينا وتاريخنا وعمرنا ولحظات أزماننا وعلاقاتنا المرصودة في حكم وعبارات هذه السرايات كما هي( سراية 235) ” الحرية لا تقبل عبدا يطلب يدها، ولكنها تريد حراً ينتزع قامتها” .
عيسى هجرس له قلب وطن، وله احساس زاهي يحمل كل معاني الإنسانية تمثل في الجمع الأدبي من السرايات بهندسة أدبية نادرة ومبدعة ومتميزة أبهرت الحضور وخطفت الإحساس بأمطارها الندية الراقصة كما هي ( سراية 535)” النجوم التائهة في الفضاء تمد الكون بالهداية، وكم علمتنا نهاية الدروب كيف تكون البداية”، سرايات بشموع مختلفة الألوان ومتعددة الأشكال ولكن ابداعها تميز بضوء واحد ونادر – مقتبس من سراية 529″ لنكن كالشموع مهما اختلفت ألوانها وتعددت أشكالها في الإحتراق لها لون ضوء واحد” .
“سرايات“ مؤلفٌ غني بالخبرة الأدبية، والمعرفة الثقافية، والروح الإنسانية، والمواقف الحكيمة لزمن من كل الأزمان تستوقفك كل سراية وقت طويل في بحرها لتعيد قراءتها مرة لعمق المعنى، ومرة للتحليل الأدبي، ومرة لتقارنة بشريط حياتك ومواقف مرت عليك، ومرة ترددها لتكون من كنوز ثقافتك بروعاتها الإبداعية، ومرة تهم بك في عالم الخيال والحلم والمنال، سرياتٌ عيسى هجرس محيط تنافس بعهضا وتحيرك في اختيارها لتقوص في أعماقها غير المحدود واللا منتهي العمق كما هي (سراية 499)” عدت إلى الصور القديمة فلم أجد صورتي ولكن وجدت من كنت أشبهه”.