مقالات
من ربح أو خسر من زيارة نانسي بيلوسي إلى تايوان؟
لكن، وفي الوقت نفسه، فإن هذا هو نصر مكلّف للولايات المتحدة الأمريكية.
فالصين، وخاصة النخبة الصينية، منقسمة على نفسها. وعلى الرغم من نمو الطموح والوطنية في المجتمع الصيني، إلا أن جزءا كبيرا من النخبة يؤيد الحفاظ على الوضع الراهن، أي مكانة الشريك الأصغر في العلاقات مع واشنطن، ما يسمح لكثيرين بكسب أموال جيدة من التجارة مع الولايات المتحدة الأمريكية.
وتجربة الإذلال الشديد تدفع الصين، بشكل كبير، نحو إجماع وطني على ضرورة المواجهة مع الولايات المتحدة الأمريكية، وتضامن المجتمع الصيني، وتسريع انخراط الصين في عدد من الأنشطة المعادية للولايات المتحدة في العالم.
من ناحية أخرى، فقد كان استفزاز بيلوسي فوضويا إلى حد ما، غير معد وغير محسوب. وكان لرحلتها العديد من الدوافع الشخصية، والمغامرة، والتهور، وهي سمة تتنامى في السياسة الخارجية الأمريكية. ومع ذلك، فإن الزيارة تنسجم تماما مع الخط الاستراتيجي للمؤسسة الأمريكية، لتدمير المنافس الاستراتيجي متمثلا في الصين. ولا عجب أن مايك بومبيو والجمهوريين الآخرين أيدوا الزيارة بالكامل، بمعنى أنه لا يمكن القول إن كل ما حدث ما كان ينبغي أن يحدث.
وكما أسلفت مرارا، فإن الولايات المتحدة الأمريكية والدولار الأمريكي يخسران موقعهما الريادي في العالم، وهو ما يهدد الولايات المتحدة بزعزعة الاستقرار والتفكك الداخليين. والفرصة الوحيدة لنجاة الولايات المتحدة الأمريكية هي بتدمير منافسيها عمليا باستخدام الوسائل العسكرية، حيث أصبح من رابع المستحيلات تحقيق ذلك بأي وسيلة أخرى. وكلما أسرعت الولايات المتحدة في القيام بذلك، كلما زادت فرص النجاح.
وكل من الحرب في أوكرانيا، وزيارة بيلوسي إلى تايوان هما خطوتان في هذا الاتجاه، حيث تحاول الولايات المتحدة الأمريكية إثارة الحرب، ويفضل أن تكون بالوكالة، إلا أنها لن تتوقف إذا ما تطورت الحرب إلى المشاركة المباشرة. وعلى العكس من ذلك، فكلما طال تأجيل المواجهة المباشرة بين الولايات المتحدة الأمريكية من جانب، وروسيا والصين على الجانب الآخر، كلما زاد احتمال فوزهما، حيث تضعف الولايات المتحدة كل يوم، وقد بدأ اقتصادها بالفعل في الانزلاق نحو الهاوية.
وعقب الانقلاب الأمريكي في أوكرانيا، عام 2014، عانت روسيا زهاء 8 سنوات من القصف المدفعي الأوكراني اليومي على دونباس، وجرائم الخطف على الأراضي الروسية، والاستفزازات على الحدود من قبل أجهزة الأمن الأوكرانية. لكن واشنطن تمكنت في النهاية من إشراك روسيا في الصراع، وعلى خلفية الهجوم الوشيك للقوات الأوكرانية على دونباس، اضطر بوتين إلى اتخاذ تدابير لتقليل القدرة الأوكرانية على القتال، ومنع الاستيلاء على دونيتسك. في الوقت نفسه، وكما نرى أمامنا، وعلى الرغم من الاضطرار لشن عملية عسكرية في أوكرانيا، فقد جمّد بوتين الصراع عمليا، حتى عاد تقريبا إلى نفس مستواه من حيث الأعمال العسكرية التي استمرت 8 سنوات في دونباس. فهو يلعب على الوقت، ما يسمح للغرب أن يزداد ضعفا.
بناء على ذلك، فإن زيارة بيلوسي إلى تايوان هي الجولة الأولى من الصراع حول من له الحق في تحديد أين ومتى تبدأ الحرب الأمريكية الصينية، وبشكل مباشر أو بالوكالة.
على هذا المستوى، فإن الصين لم تخسر، بل انتصرت في تجنب المواجهة المباشرة مع الولايات المتحدة الأمريكية. وعلى الرغم من أن خسارة السمعة هو أمر غير سار قطعا، إلا أن النصر في الحرب نفسها أكثر أهمية، وكلما تأخرت الصين في دخول هذه الحرب، كلما كان أفضل.
بالنسبة للولايات المتحدة، لم تجلب زيارة بيلوسي أي فوائد طويلة الأمد، بل إن العكس صحيح: الخسائر واضحة.
فبالإضافة إلى تضامن وتعبئة الصين ضد الولايات المتحدة كما أسلفت، فإن هناك، في رأيي المتواضع، نوعا من السيناريوهات التي ستتحقق ذاتيا في المستقبل، عندما تبدأ أوساط الأعمال التجارية من كلا الجانبين، انتظارا للعقوبات المتبادلة، في تقليص حجم العلاقات التجارية الأمريكية الصينية. وانخفاض الإمدادات الصينية لن يؤدي سوى إلى تسريع نمو التضخم في الغرب أكثر مما هو عليه بالفعل. كما سيسرع ذلك من خروج الأموال الصينية من السندات الأمريكية، ومن المحتمل أن تتسارع وتيرة بسط السيطرة الصينية على تايوان، على الرغم من أنني لا أميل إلى الاعتقاد بأن هذا سيحدث خلال العام الجاري. إلا أنه، وبطبيعة الحال، فإن تصاعد المواجهة بين الولايات المتحدة الأمريكية والصين يصب في مصلحة روسيا.
باختصار، يسير كل شيء حتى الآن في إطار توقعاتي، بينما تقترب الحرب الصينية الأمريكية تدريجيا. ومع الأخذ في الاعتبار حقيقة أن الاقتصاد الأمريكي سيتعرض لصدمات هائلة العام المقبل، أعتقد أن الاستفزازات الأمريكية ستزداد، فلم يعد لدى واشنطن وقت للانتظار، يجب عليها الإسراع. ومن المحتمل أن نشهد محاولة للاعتراف باستقلال تايوان بدعم من الولايات المتحدة الأمريكية في وقت لاحق من هذا العام أو العام المقبل.
حينها سوف تتسارع الأحداث…
المحلل السياسي/ ألكسندر نازاروف
رابط قناة “تليغرام” الخاصة بالكاتب
المقالة تعبر فقط عن رأي الصحيفة أو الكاتب