مقالات
فهمانُ يرى الشيطانَ باستخدام الفيزياء النووية ج2 / إبراهيم أمين مؤمن-مصر
قبل أن يتشارك جاك التجارب مع فهمان نظر في الورقة التيدون فيها فهمان المعادلة الخاصة بصناعة قنابل الثقوبالسوداء دون أن يجري أي تجارب، ولو تجربة واحدة، وقالله: «لولا تأكدي بأن الأفكار والتجارب تتبلور في ذهنكبسرعة وبدقة مذهلة كالتي بين يدي هذه (يشير إلى معادلةصناعة قنابل الثقوب السوداء) لِمَا وافقت على العمل معك،وقلت لك ليس لدي وقت لأهدره، ويجب علي أن أدرك ثقبسحابة أورط وأحطمه قبل أن يلتهمنا جميعا، ورغم عبقريتكالتي طغت على عبقريات كل الموجودات فإني أرى أناحتمال نجاح عبورك إلى كوكب الجن احتمال ضعيف، لذلكأقول لك للمرة الأخيرة اصرف نظر عن هذا الموضوع.»
امتعض فهمان من قوله وآثر ألا يحاول إقناعه مجددا، لذلكاندفع نحوه وألقى كلماته كالقذائف شارحا له الأساسالعلمي المبني على فكرة العبور دون الدخول في تفاصيلالتجارب سواء كيفيتها أو ماهيتها.
فقهها جاك سريعا وقال: «أسأل الرب التوفيق لك.»
قال فهمان: «لابد من تخليق فقاعة دائرية أولا.»
قال جاك العبقري: «لعلك تريد تخليقها عن طريق ذراتالرابيديوم.»
– «هو كذلك يا صديقي، ولا بد أن تكون دائرية كالكرة، أيمغلقة تماما..» وذكر له فهمان قطرا مناسبا.
– «لا بأس، وما هي الخطوة التالية؟»
– «سأتمركز في وسطها.»
دهش جاك، وحدق به بكامل اتساع عينيه وقال: «فقاعةمغلقة تماما! ستحجب عنك الهواء، ستموت! ولن يحميكسوى ب..»
قاطعه فهمان وطلب منه الصمت، ثم أمره بأن ينظر خلفه.
فنظر بالفعل، فرأى شيئا مغطى، فأسرع إليه وأزاح الستارعنه، وقال دهشا: «بذلة فضائية!»
نظر فيها وقرأ “صُنع في أمريكا بوساطة جامعة بركلي“.
استدار جاك مرة أخرى وقبل أن يقول شيئا رن هاتفه، نظر،إنه رئيس جامعة بركلي.
فلما أراد أن يكلم فهمان قال فهمان: «رُد على الهاتف أولا.»
وبالفعل فتح الهاتف، قال له رئيس جامعة بركلي: «لستأنت فحسب ولدنا، ففهمان ولدنا أيضا، وهو إنسان طيبمحب للسلام؛ لذلك أهدت له جامعة بركلي الذي تعلّم فيهاهذه البذلة، واعلم أنه طلبها منا؛ وليس ذلك فحسب بل أرسلإلينا كيفية تصميمها.»
وأغلق الخط، ونظر إلى فهمان بدهشة. وقبل أن يقول شيئاقال فهمان: «يا صديقي، لنترك الدهشة جانبا، فوقتكَ ثمين،فإنه لا يزال لديك الكثير لتعد شراعك الشمسي وسائرتجهيزات رحلتك.»
فترك الهاتف جانبا.
قال جاك له: «أنا واثق من دقة تصميمك الذي أرسلته إلىجامعة بركلي، طبعا ستوفر لك الأكسجين وتجعل الجوالمحيط بك مناسبا.»
– «بالطبع.»
وجاءا معا بذرات الرابيديوم ونزعا منها الطاقة بعد تبريدهاإلى درجة الصفر المئوي.
قال جاك: «والآن معنا ذرات خاملة، ماذا تفعل بعد ذلك؟»
أجابه: «ستصيبها يا جاك بالجنون، ستضربها بالليزرلتحولها إلى ذرات مجنونة من مادة سالبة.»
قال جاك: «إذن سأتحكم في لفها المغزلي. لا بأس، جارالعمل.»
قال فهمان: «بعد تحويلها من مادة عادية إلى مادة سالبةستسلط عليها الليزر كي تشكلها على هيئة كرة، لكن ليسقبل أن أقف في وسطها بالضبط.»
ورفع جاك البذلة من الأرض وألبسها إياه، ثم علم له علىمكان تمركزه، فتمركز فهمان بالفعل ولكن لاحظ جاك أنهممسك بشيء عجيب.
قال جاك: «ما تلك التي بيمينك يا فهمان؟»
قال فهمان: «هذا أحدث ما ابتكرته، إنه منظار ملحق بهمجس حساس.»
قال جاك دهشا: «مجس! منظار!» تمتم جاك ثم ما لبث أنصمت لحظات، فقد جال بفكره بعيدا وتذكر الخليةالصمامية التي صممها فهمان وهو طالب في الفرقة الثانيةوغدت الطريقة المفضلة التي تستخدمها الدول في إطفاءالحرائق الهائلة.
قال جاك: «أكيد المجس لرصد الأبعاد الكونية التي سوفتظهر خلف الثقوب السوداء، والمنظار لرؤية تلك الأبعاد.»
صمت برهة ثم ضحك ضحكات بدموع حارة، تلك هيضحكات الألم، وقال: «من المفارقات العجيبة أن رؤية تلكالمعجزة يعني لحظة الوداع.»
بادله فهمان نفس الشعور وقال: «يجب أن نضحي من أجلأن يحيا العالم بسلام يا جاك.»
قال جاك دامعا: «حسنا، حسنا، تمركز بمعجزتك وأنا سوفأعزف لك سيمفونية رائعة.»
ولما همّ جاك بالعمل رن هاتفه، إنه رئيس ناسا.
قال رئيس ناسا: «….»
قال جاك: «أنا في مهمة، وفور أن أنتهي منها سوف آتيكلأنظر في تجهيزات الرحلة.» وأغلق الخط على الفور وألقىالهاتف.
تمتم جاك مجددا، وأقبل إلى فهمان، وقال: «ممكن ألقي نظرةعلى تلك التي بيمينك؟»
فناوله فهمان إياها، نظر بها جاك وقال: «أيها الداهية، كيفصنعت تلك الكاميرا؟» يقولها وهو يقلبها رأسا على عقب،ثم نظر بها فرأي أنها تضخم حجم الأشياء إلى ملياراتالمرات.
نظر في جانب من الحجرة فرأى دبوسا، فسلط الكاميرا على سنه فقط فتحول السن إلى حجم هائل كحجم قرصالشمس.
فقال: «إنها حقا معجزة!»
وناولها إياها، ثم عاد، ولما همّ بمسك جهاز الليزر لمحتعيناه شخصا ينظر إليهما خلسة.
أدار عينيه الحادتين كالصقر فرأى أكثر من عين ترصده،فتلون وجهه، ثم ترك المكان وأمسك بواحد منهم وقال: «منأنت أيها الرجل؟»
أجابه بأنه باحث.
فسأله جاك عن مسألة بسيطة في علم الفيزياء من منهجالثانوي، فلم يستطع الإجابة عليها، حيث تهته وسكت علىالفور.
فأمسكه من كرافتة بذلته وهو يكز على أسنانه وقال له: «أتعلم من أنا؟»
رغم علم الرجل به فإنه أنكر عدم معرفته به.
قال جاك وعيناه تقدحان شررا: «أنا متأكد أنك تعلم من أنا،اذهب لمن أرسلك للتجسس علينا، وأخبره بأني أنا جاكالولايات المتحدة الأمريكية لو رأيته لأهدرت كرامته أمامالجميع.»
أوجعته الكلمة، فقال غاضبا مستكبرا: «أتعلم من أنا ياجاك؟»
أجابه: «كلب، ومن أرسلك كلب مثلك، اذهب من هنا ولملم بقيةكلابك وخذهم معك، وأخبر يعقوب إسحاق أن جاك لا يُعاملهكذا.»
ودفعه بقوة.
وانفضوا بالفعل جميعا وذهبوا.
عاد جاك مجددا إلى فهمان. قال فهمان: «كنتُ أخشى عليكمنهم، وكدت أموت خوفا عليك.»
قال جاك: «يريدون أن يعرفوا ماذا نفعل يا فهمان، فدعكمنهم إنهم لا يساوون عندي جناح بعوضة.»
قال فهمان: «ماذا يريد رئيس الوزراء الإسرائيلي يا جاك؟»
قال جاك مستاء: «يريد سلاحا يسيطر به على العالم ويعلنحكم دولة إسرائيل.»
***
بداية قال فهمان: «يا جاك، لو ولدت الثقوب السوداء–بشرط أن تكون دوّارة– وأنا في تلك الفقاعة السالبة لنتبتلعني الثقوب كما تعلم، وإنما سوف تدفعني بقوة بنفسمقدار قوة الجذب لو كنتُ خارج الدائرة.»
قال جاك دهشا: «وهذا يعني أنها ستدفعك حتى ترتطمبالجدار وربما تموت. وهذه معضلة ولا أجد لها حلا.»
– «لها حل، ولكن اعلم أن حياتي بين يديك.»
– «ونفسي فداء لك.»
– «سأظل ثابتا ولن تضيرني الثقوب.»
– «كيف ذلك بحق السماء؟»
– «يا جاك، عليك بتخليق عدد من الثقوب السوداء، على أنيتوفر فيها شرطان: الأول أن نجعل الثقوب السوداء المتولدةمن الارتطام في حالة دوران كدائرة خارجية تستدير علىدائرة ذرات الرابيديوم الداخلية، أما الآخر فهو أن تكون تلكالثقوب ذات طاقة واحدة. وبذلك أثبت مكاني بقانون نيوتنالثالث.»
أطرق جاك رأسه وقال: «فهمت، فقاعة ذرات الرابيديوم مادةسالبة، وبدلا من أن تجذبك الثقوب تدفعك بقوة مساويةتماما لقوة الجذب المفترضة لو كانت ذرات الرابيديوم التيتحيط بك مادة عادية.»
سكت جاك هنيهة ثم قال: «ولكن أخبرني، كيف ترى ما خلفالثقوب بالضبط؟»
قال فهمان: «سأقف أنا كما قلت لك في مركز الدائرتين(الأولى فقاعة ذرات الرابيديوم، والثانية الثقوب الدوارة التيتلتف حول الفقاعة)
ومعي هذا (يشير إلى المنظار الذي بيده)، بعد ذلك تضربأنت بحزم الليزر جانبا من تلك الفقاعة لتندفع بدورها إلىمركز أحد تلك الثقوب السوداء و..»
بادره جاك بقوله: «وتعمل ذرات الرابيديوم السالبة على فتحمعبر في الثقب الأسود المجهري بمنزلة ثقب دودي، ياللروعة! يا للمعجزة!»
قال فهمان: «وبذلك أتمكن من رؤية الثقوب بهذا (يشير إلىالمنظار الذي بيده).»
قال جاك: «لنبدأ يا فهمان، لنبدأ.»
قال فهمان: «سنجري الارتطامات بطاقة 300 تيرا إلكترونفولت كتجربة أولى لنرى ماذا تهدي لنا الثقوب السوداءالمجهرية من أكوان خلفية.»
والموقف الآن أيها القرّاء: فهمان واقف في مركز دائرة منذرات الرابيديوم ذات المادة السالبة وممسك بيده منظاريضخم الحجم لمليارات المرات، ويحتوي المنظار على مجسلرصد الأبعاد الكونية المتواجدة خلف الثقوب السوداءالمجهرية.
أجرى جاك حزمتي البروتونات في مجريي أنبوبي المصادمFFC-2 بطاقة 300 تيرا إلكترون فولت، وبعد ثلث ساعةوصلت البروتونات إلى أقصى سرعتها وارتطمتْ مولّدة عددمن الثقوب السوداء، وبوساطة حاسوب مدون عليه برنامجخاص بتنسيق الثقوب تمكن من تموضع تلك الثقوب فيحلقة دائريّة حول الفقاعة الرابيديوميّة.
ولقد أحدثت الثقوب بضعة اهتزازات في الحلقةالرابيديومية نتيجة للقوى الجاذبة لتلك الثقوب الدوارةالتي تحولت بفعل ذرات الرابيديوم السالبة إلى قوة نافرةمتساوية تماما مع قوة الجذب وذلك حسب قانون نيوتنالثالث كما ذكرت.
في نفس لحظة استدارة الثقوب كدائرة خارجية ضرب جاكبحزم الليزر مجموعة من ذرات الرابيديوم الملتفة حول فهمانمن أجل الالتحام بقلب أحد الثقوب السوداء لتوليد ثقبدودي بمثابة ممر أو كوة ينظر فيها فهمان من خلال المنظارعلى الأكوان الخلفية.
توسعت الثقوب لحظيا في لحظة تسليط حزم الليزر علىجزء من الفقاعة الرابيديومية، وخلّق جاك ثقبا دوديا ظهر منخلفه أكوان أخرى.
تمكن فهمان من رؤية ما خلفه بالفعل، وسقط مغشيا عليهعلى الفور.
***
أوقف جاك التجربة هلعا، وأخرجه من الفقاعة وكلتا يديهترتعشان. أسرع جاك بنزع البذلة، ولما لامست يده فهمانَرفعها سريعا وهو يتوجع.
أسرع نحو الثلاجة لعمل كمادات على جبينه وهو يقول: إنجبينه قطعة من نار. ترى ماذا حدث له؟ ماذا رأيت خلفالثقب يا فهمان؟
أقبل إليه ووضع الكمادات على جبينه وشرع في تفويقه.
أفاق فهمان أخيرا، وقال بصوت لا يكاد يُسمع لأن لسانهجاف تماما: «ماء، أريد ماء.»
فناوله الكوب، فشرب فهمان حتى ارتشف آخر قطرة ماء منه.
قال فهمان: «الحمد لله لقد نجاني الله بأعجوبة، كدت أصعقيا جاك، كدت أصعق.»
وألقى بنفسه في صدر جاك وعاود البكاء؛ بل واشتد أكثر.
قال جاك في نفسه: الحمد للرب أن نجاك، يبدو أنك رأيتشبحا لا نظير له.
سأله جاك وهو يربت على ظهره: «ماذا رأيت؟»
قال: «يبدو أني سافرت عبر الزمان، ورأيت، رأيت…» تمتم ثمصرخ متوجعا.
بادره جاك بشغف بالغ بسؤاله المعتاد: «ماذا رأيت يا فهمان؟قل لي، هل رأيت وجه إبليس الحقيقي؟»
أجابه: «لقد سافرت عبر الزمن، سافرت إلى المستقبل، لا أدريكم عاما على وجه التحديد وإنما أنا متأكد أني رأيت النار.»
توسعت عينا جاك، وانتبه له جيدا يحدق به، وما لبث أنسأله على الفور: «أي نار؟ ربما تكون نيران الجن، أو ربماتكون..»
تمتم جاك وسكت. قال فهمان: «رأيت الجحيم يا جاك رأيتالجحيم، تخيل أني رأيت كاجيتا في الدرك الأسفل منالنار.»
قال جاك في نفسه: لقد بلغت ذنوب هذا الملعون الآفاق، ترىماذا سوف يفعل بالعالم بعد أن توصل إلى صناعة قنابلالثقوب السوداء؟
تنويه: يتبقى لنا الجزء الثالث، ففهمان لم ير يسافر بعد إلىإبليس.
بريد إلكتروني: [email protected] ،[email protected]