اقلام حرة

الأعياد اليهودية حُجة لترسيخ العقيدة الصهيونية.

بقلم: تمارا حداد.
تشهد مناطق الضفة الغربية والقدس تصعيداً ممنهجاً مدروساً بحُجة الأعياد اليهودية لكن المُتابع فعلياً يعلم أن الاحتلال يسعى إلى حشد كافة موارده وعُتاده العسكري والبشري للاستمرار في ترسيخ العقيدة الصهيونية وهي الاستمرار في عملية الاستيطان وتهويد القدس وفرض رؤيته حول القدس بتوحيد مدينة القدس بشطريها الشرقي والغربي تحت السيادة والهيمنة الإسرائيلية، وزيادة الوجود السكاني الإسرائيلي في القدس، بالإضافة إلى خلق إطار شامل للاستمرار في عمليات التغيير والتطوير في المدينة كعاصمة لإسرائيل ومركز للحكم فيها، وتغيير المعالم الثقافية والحضارية والتاريخية والقانونية للمدينة المقدسة كموقع أثري وموروث حضاري ثقافي يهودي.
تمر مدينة القدس بمرحلة خطيرة وحاسمة في تاريخها كمدينة عربية فلسطينية، حيث يقوم الاحتلال الصهيوني بتنفيذ خطة تهويد شاملة للمدينة، وبموازاة خطته الهيكلية نلحظ أن الممارسات الإسرائيلية في مدينة القدس زادت من وتيرتها من خلال المضايقات وتطبيق القوانين الجبرية على السكان المقدسيين، والتي كان آخرها الاقتحامات المتكررة للمسجد الأقصى وباحاته من عضو الكنيست “بن غفير” وكذلك العدوان المستمر في الضفة الغربية، ناهيك عن اتباع عدة سياسات ممنهجة مثل ممارسة التمييز العنصري المنظم ضد السكان القاطنين في مدينة القدس والتضييق عليهم ومصادرة الاراضي، وتوجيه استثماراتهم الضخمة لإنشاء أحياء سكنية يهودية، وطرد السكان المقدسيين والغاء حق الإقامة الدائمة لسكان القدس الشرقية، ورفض طلبات جمع الشمل للأسر الفلسطينية، والاستمرار في تضامن المؤسسات الاسرائيلية في سبيل تحقيق هدف التهويد وذلك في ظل عجز السياسات الفلسطينية في التصدي لهذه السياسات التهويدية للمدينة المقدسة، كما تدرك سلطات الاحتلال أن السيطرة السياسية على المدينة مرتبطة بالسيطرة الديمغرافية، لذلك عمل الاحتلال على تغيير الوضع السكاني للمدينة من خلال السيطرة الديمغرافية التي أدت إلى تقليص الخيارات السياسة الممكنة في أية تسوية سلمية.
أما التصعيد في مناطق الضفة الغربية فهو ناتج عن صد العمليات الفردية الموجهة ضد الشارع الاسرائيلي والتي نتائجها أشد ضراوة على الاحتلال من إطلاق الصواريخ، لذا يُحاول الاحتلال بين الفينة والأخرى الدخول إلى مناطق الضفة الغربية لإثبات تواجده الفعلي في كل الأوقات والأماكن، ويُريد أن يُبرهن أن القيادة الفلسطينية لا تستطيع حماية الشعب الفلسطيني، والرسالة الأخرى يريد التأكيد أن السيادة على الضفة الغربية “يهودا والسامرا” جزء من دولة الاحتلال، والرسالة الأخرى يُريد تركيع الشعب الفلسطيني عن مواصلة النضال ضد الاحتلال والتفكير فقط في لقمة العيش وهذا ما يريد التركيز عليه بأن “الحل الاقتصادي المحدود” قد يُبعد أبناء الشعب الفلسطيني عن الدفاع عن ارضه، ويسعى الاحتلال بشكل متواصل إنهاء العمل العسكري في الضفة الغربية بالتحديد في مناطق المخيمات وهذا ما حصل فعلياً في مخيم جنين الذي صمد أمام ترسانة الاحتلال الضخمة والذي يُريد إنهاء كتائب شهداء الاقصى التي تتبع حركة فتح وكتائب سرايا القدس التي تتبع الجهاد الاسلامي.
كما أن الاحتلال يسعى من التصعيد تصدير أزمته الداخلية وأهمها ضعف الحكومة الاسرائيلية الائتلافية بقيادة بينيت أمام انهيارها في أي لحظة بسبب الانقسامات الداخلية داخل الحكومة والتحديات التي تواجهها حكومة التغيير وأهمها استقالة عضو الكنيست “عيديت سليمان” من الائتلاف الحكومي وهناك المفاجآت حول ذلك التي قد تؤدي إلى استقالات لأكثر من عضو في حال فشل الحكومة في استعادة الائتلاف واتباع سياسة الردع أمام ما تواجه اسرائيل من تحديات داخلية وخارجية.
كما أن الاحتلال يستغل انشغال العالم اليوم حول الحرب الدائرة بين اوكرانيا وروسيا والتي جذبت العالم بأسره مع تناسي القضية الفلسطينية، وقد يكون هذا الانشغال فرصة جيدة لاسرائيل بالسير نحو اشعال التصعيد في القدس والضفة الغربية واذا ما جاء من مصلحتها التصعيد في قطاع غزة لن تتوانى عن ذلك، لان استمرار الحرب الاوكرانية سيقلص اهتمام العالم بأية نزاعات صغيرة قد تنفجر تلك الفترة ما يمنح لاسرائيل الفرصة للرد على اي تصعيد بشكل غير مسبوق من دون خشية من أية ادانات قوية كما كان يحدث في الماضي.
كما ان اسرائيل تعلم تماماً مهماً كانت التنديدات من قبل السلطة الفلسطينية والفصائل ضد جرائم الاحتلال والاستنجاد بالمجتمع الدولي هي بمثابة ردات فعل لعدة أسباب:
• استطاعت اسرائيل طيلة الفترة الماضية منذ توقيع السلطة الفلسطينية اتفاق اوسلو أن تُضعفها سياسياً واقتصادياً وأصبح دورها فقط امنياً، وحتى الناحية الامنية بدأ دور السلطة بالانحسار حسب الاعلام الاسرائيلي بفقدان سيطرتها في الضفة الغربية لعدم توافر المعلومات الاستخبارية بالشكل المطلوب حسب ما يراه الاحتلال.
• كما ان دول الاقليم والمجتمع الدولي يرى ان السلطة الفلسطينية بدأت تتآكل شرعيتها لعدم انتظام حالة تداول السلطة من جيل الى جيل، وان القيادة الحالية غير قادرة على تلبية أدنى متطلبات الشارع الفلسطيني وعدم القدرة على صد العدوان الاسرائيلي على الشعب الفلسطيني وهذا الامر لا يُعالج الا بانتخابات تشريعية عامة ورئاسية يُقرر الشعب قيادة شرعية جديدة وموحدة تؤمن ببرنامج موحد يساهم في إخراج الشعب الفلسطيني من مأزق محلي واقليمي ودولي.
اتجاهات التصعيد في الضفة الغربية والقدس هل ستتطور الى انتفاضة ثالثة؟
• أن أي تفكير استراتيجي نحو انتفاضة جديدة بحاجة لمقومات أولا تبني مواقف جديدة لحركة فتح والسلطة الفلسطينية فيما يتعلق بقرارات المجلس المركزي، وحل أزمة حركة فتح الداخلية والتي انعكست على عدم قدرتها على تعبئة الشارع بحيث لم يعد يثق بها نتيجة انقساماتها الداخلية.
• المقوم الآخر مدى قدرة الفصائل الوطنية ضمن إطار منظمة التحرير بإعادة بلورة رؤية جديدة تؤمن بالنضال الشعبي الوطني بمساهمة الكل الفلسطيني، ومدى قدرة تغيير خطابها الحالي أمام تسارع وتيرة التطبيع العلاقات العربية الاسرائيلية لأن ذلك قلل من قدرة منظمة التحرير على تعبئة الرأي العام العربي والإسلامي بشأن القدس والقضية الفلسطينية.
• المقوم الآخر دور حركة حماس بالتصدي للعدوان وقدرتها على رفع الحصار الفعلي عن قطاع غزة دون ربط التهدئة أو الحرب بقرار مالي قطري واتخاذ قرار مستقل بترسيخ الوحدة الوطنية بين كافة الفصائل وأن يكون مظلتهم منظمة التحرير بما فيها حركة فتح والفصائل اليسارية والمستقلين والجهاد وحركة حماس.
• المقوم الآخر إعادة انتماء الشعب الفلسطيني بتعبئة روحه النضالية بما يتلائم مع مستجدات القادم كونه المستقبل لا يُنذر بالخير بالتحديد للشباب الفلسطيني مع غياب الأفق السياسي والحل العادل للقضية الفلسطينية.
• مدى قدرة السلطة حول اقناع العالم أن الحق السياسي هو حلاً للصراع الفلسطيني _ الاسرائيلي كون اسرائيل تسعى دوماً إقناع الغرب بأن استمرار السيادة الاسرائيلية على القدس يأتي ضمن مصالحها الأمنية وأن الاستمرار في عملية الاستيطان في الضفة الغربية هو لترسيخ السيادة الاسرائيلية عليها ولن تُعطي أي حدود جغرافية للسلطة لان ذلك يعني انهاء دولة اسرائيل الكبرى والمعهودة بين نهري النيل والفرات وأي ترسيم للحدود هو قتل الحلم الصهيوني.
خلاصة: إن هذه المشاريع والمخططات الإسرائيلية تجاه مدينة القدس والضفة الغربية نُفّذت في عهد الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة على الحكم في إسرائيل، فلم تقتصر هذه الأفكار الشوفينية على طائفة أو حزب سياسي في الدولة الناشئة، بل المجتمع الإسرائيلي بكامله. إن أي محاولة تقوم بها أي حكومة إسرائيلية في اقتراح لتقسيم القدس أو أن تكون المدينة عاصمة لأي كيان آخر، سيتم رفضها بعمق من قبل الرأي العام الإسرائيلي ومن قبل اليهود في جميع أنحاء العالم، وأي حكومة تقترح تقسيم القدس أو التخلي عن السيادة الإسرائيلية على أي جزء منها ستفقد شرعيتها.
الوضع الحالي يُنذر بخطر شديد على مدينة القدس وتجاه القضية الفلسطينية برمتها، وهذا يتطلب مضاعفة الجهود العربية من أجل اتخاذ موقف ضد ما تقوم به إسرائيل، والعمل على وقوف الهيئات الدولية عند مسؤولياتها تجاه قضية فلسطين، اما على المستوى المحلي لا بد من توحيد الصف الفلسطيني الداخلي، وإعادة القضية الفلسطينية لأهميتها الأولى عربياً ودولياً من أجل مجابهة المشاريع الاستعمارية في القدس والضفة الغربية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق