سجين ترانزيت
كتب/ مجدي الهلباوي.
بحكم عملي في إحدى الشركات العالمية الشهيرة كنت كثير السفر إلى بعض البلدان الإفريقية حيث كنت أقوم بتقديم بعض الاستشارات الإدارية للعاملين والمسئولين بفروع الشركة العالمية في بعض البلدان الإفريقية، والسفر إلى معظم البلدان الإفريقية ليس سهلا كما يظن البعض، فهناك الكثير من الإجراءات والاحتياطات والتعليمات التي يجب إتباعها
ولحظة الوصول إلى مطارات بعض هذه الدول أشبه بالمغامرة الغير محسوب عواقبها ، وفي إحدى رحلاتي إلى إحدى تلك الدول استغرقت الرحلة من القاهرة حوالي ست ساعات متواصلة وقد وصلنا إلى المطار في أمان الله ، وخلال المرور لاستكمال إجراءات الدخول من خلال منافذ الجوازات ، طلب مني الضابط أن أتنحي جانبا بعد أن نظر طويلا في جواز سفري لدرجة جعلتني أصاب بالقلق والتوجس ، وفعلا انتظرت في المكان الذي أشار إليه وأنا في حيرة من الأمر و أنا أرى ركاب الطائرة ينهون إجراءات الدخول و يمرون في أمان . وبينما كنت منتظر انضم إلي رجل هندي في الأربعينيات من عمره ، كما انضمت إلينا فتاة فرنسية في الثلاثينيات من عمرها وجميعنا لا يعلم لماذا ننتظر .
وبعد حوالي ساعة جاءنا رجل أخر يحمل جوازات سفرنا وقد أعطى الرجل الهندي جواز سفره، وفعل نفس الشيء مع الفتاة الفرنسية وطلب منهما إنهاء إجراءات الخروج ، وبقيت أنا وحدي أسير سلطات أمن المطار. وخرج جميع ركاب الطائرة من المطار إلا العبد الفقير إلى الله، ثم طلب مني أحد الرجال أن أتبعه وقد أدخلني إلى حجرة بها مكتب وعدد كبير من كراسي الانتظار، وقد أيقنت أن الحجرة أشبه بحجرة التحقيقات ، وقد واجهتني مشكلة أن هذه الدولة التي تم القبض علي فيها من غير الدول الناطقة بالإنجليزية أو الفرنسية، ولكنها من الدول الناطقة باللغة البرتغالية وأدى ذلك إلى الصعوبة في التعامل و عدم فهم ما يحدث فلا أحد يتحدث إلي و لا أحد يجيبني على أي سؤال أو استفسار .
اتصلت من خلال هاتفي المحمول بالزميلة التي كانت تنتظرني خارج المطار مع السائق كما تمكنت أيضا من الاتصال بالفرع الرئيس للشركة في سويسرا وأبلغتهم بأني رهن الاعتقال في المطار، وقد حمدت الله أني فعلت ذلك حيث تم سحب اللاب توب والهاتف المحمول مني بعد أن احتفظوا أيضا بجواز السفر، فأصبح الوضع أكثر صعوبة بالنسبة لي نتيجة عدم وجود أي وسيلة اتصال مع الخارج .
و بعد حوالي ساعة من الانتظار في تلك الحجرة، جاءني ثلاثة من الرجال بزيهم الرسمي و طلبوا مني التوقيع علي وثيقة باللغة البرتغالية ، و لم أكن أفهم كلمة واحدة من الوثيقة التي وقعت عليها و بعد أن تمت إجراءات التوقيع على الوثيقة و استكمال الأختام عليها طلب مني أحدهم أن أتبعه حيث وجدت سيارة البوليس في انتظاري و كأنها تشير إلى القبض على أحد المجرمين المحترفين ، فركبت السيارة و أنا لا أعلم وجهتي و لا إلى أين أنا ذاهب حتى وصلنا إلى مبنى على أطراف المطار عرفت من اللوحة المعلقة على الباب الرئيس للمبني أنه سجن المطار .
استقبلني بعض المسئولين بسجن المطار وقد استكملوا معي بعض الإجراءات وأعطوني ما يفيد استلامهم اللاب توب والهاتف المحمول وبعد ذلك أعطوني بطانية صوف وأشاروا لي إلى الدور العلوي من أحد الأسرة حيث هذا هو المكان المخصص لي والذي سأنام فيه .
في سجن المطار قابلت بعض الشبان من الصومال وقد أدينا معا جميع الصلوات وأخبروني أني إذا أعطيت الحراس مائتي دولار فسوف يطلقون سراحي، وأخبروني أيضا أن هذا ما حدث مع بعض المعتقلين في الأيام الماضية، والذين دفعوا للحراس بعض الدولارات نظير إطلاق سراحهم، ولكني فكرت أنه ربما يلفقون لي قضية رشوة وحينها سوف يحصلون على كل ما معي من أموال بطريقة رسمية .
المهم أني بقيت حبيسا مع الزملاء الصوماليين أتجاذب معهم أطراف الحديث وأنا أقف مكاني ممسكا بالباطنية الصوف العهدة التي حصلت عليها مجانا من السجان، وبعد أن قضيت نصف يومي في سجن المطار وأنا أنظر إلى إحدى طرق المطار من وراء أسياخ الحديد لاحد نوافذ السجن المطلة على الطريق، لمحني أحد رجال الأمن وقال لي بالإنجليزية التي سمعتها لأول مرة من أحد المسئولين ( هل أنت المصري ؟) قلت له نعم، قال ستخرج بعد قليل، استعد .
و نتيجة للاتصالات المكثفة من المسئولين في سويسرا والمسئولين بفرع الشركة التي جئت لزيارتها ، وبعد أقل من ساعة جاءني أحد رجال الأمن وأصطحبني للتوقيع على بعض المستندات بحضور أحد المحامين الذي أرسله الزملاء بفرع الشركة التي أعمل بها لاستكمال إجراءات خروجي من سجن المطار، و تسلمت اللاب توب و الهاتف المحمول و لم أستلم جواز السفر الذي تسلمته لاحقا بعد خمسة أيام حيث كانت سلطات الأمن بالمطار لا تزال تستكمل بعض المعلومات الأمنية عني وخرجت بوثيقة مكتوبة باللغة البرتغالية يصحبني المحامي إلى خارج المطار و تلك هي اللحظة التي عرفت فيها لأول مرة معنى أن أكون حرا.