ثقافه وفكر حر

أبو فراس الحمداني الشاعر الفارس وقصته مع سيف الدولة

 

فراس الحمداني، من أشهر أعلام الدولة الحمدانية وأمرائها وفرسانها وشعرائها، ولد سنة 932م، ونشأ على العلم والفروسية في كنف أمراء الدولة، ووقع أسيرًا بيد الروم مرتين، وكتب أشعارا في أسره عرفت بالروميات، وقتل سنة 968 في حمص أثناء تصديه لجيش المولى فرغويه.

المولد والنشأة

ولد الحارث بن سعيد بن حمدان الحمداني التغلبي الملقب بأبي فراس الحمداني سنة 320هـ -932م، وفقد أباه وهو في حدود الثالثة من عمره، فنشأ في عنفوان الدولة الحمدانية تحت رعاية خاصة من ابن عمه الأمير سيف الدولة.

أجاد الفروسية والرماية وشارك في مجالس الأدب مذاكرا الشعراء ومنافسا لهم، فشب على الفروسية والشعر، حتى وسم بالشجاعة والحنكة.

تميز شعره بسلاسة الألفاظ وجسامة المعاني وصدق العاطفة بعيدا عن الابتذال والمجاملة والتكسب. سكن منبج وهي منطقة بين حلب والفرات، وكان يتنقل في بلاد الشام.

وقد تأسست الدولة الحمدانية في صدر القرن العاشر الميلادي إبان ضعف الدولة العباسية، وشملت بعض الشمال السوري وجزءا من العراق، متخذة من حلب عاصمة لها.

حياته السياسية والعسكرية

كان لأعضاء بلاط سيف الدولة من كتاب وشعراء ولغويين الأثر البالغ في تربية أبي فراس وتهذيبه، فنشأ قائدا يدافع عن إمارة ابن عمه ضد الروم وهجمات جيش قائدها الدمستق

وقع أسيرا في أيدي الروم مرتين، كانت أولاهما في أعقاب معركة مغارة الكحل سنة 347هـ – 959م، حين أصيب بسهم بقي نصله في فخذه، فأُسر وحُمل إلى قلعة خرشنة الواقعة على الفرات وسجن بها ليخرج منها بعد سنوات بطريقة اختلف المؤرخون فيها، فقيل إنه هرب وقيل افتداه سيف الدولة.

وكانت نقطة التحوّل في حياة أبي فراس حين ولّاه سيف الدولة على منبج وما حولها من القلاع بعد خروجه من السجن، وهو ابن 16 سنة، لِمَا عُرف عنه من الذكاء والفطنة والنجابة وتحمل المسؤولية.

وكان يقدم في المعارك ويشارك فيها، ويكره القعود عن منازلة الروم، ويقاتل جنبًا إلى جنب مع سيف الدولة، وكان حريصًا على حضور المعارك، لا ترهبه شدتها، ولا يهاب وطيسها.

وبعد هدنة بين الروم والحمدانيين، عاد القتال بعنف فحاصر الروم أبا فراس في منبج حتى سقطت قلعته وأُسر ثانية سنة 350هـ -962م ثم نقلوه إلى القسطنطينية وأقام في سجونها سنوات، وقد عبر بالشعر والنثر عن عتبه على ابن عمه وتذمره من مماطلته في تخليصه من أيدي العدو.

ولم يكن أبو فراس حينها يدرك الصعوبات التي حلّت بالإمارة والمصاعب التي أحاطت بالدولة الحمدانية، والتي اضطرت سيف الدولة إلى الانسحاب مؤقتا من محيط عاصمته حلب لاستعادة أنفاسه وترتيب أوراقه حتى يعيد الكرة على الروم من جديد وينتصر عليهم سنة 354هـ- 966م، مستعيدا عاصمته حلب وآسرا أعدادا من الروم قايض بهم بعض أسراه وافتدى البقية ومن بينهم ابن عمه أبو فراس، إلا أن أمد سيف الدولة لم يطل بعد هذا الانتصار، فتوفي بعده بسنة واحدة عام 355هـ- 967م.

وقد تأخر سيف الدولة في فدائه، وقيل في هذا الأمر الكثير قديمًا وحديثًا، فقد أرجعه البعض لعدم تمكنه من دفع الفدية لأنها كانت كبيرة، وقال آخرون إن السبب هو تخوفه من انقلاب أبي فراس عليه، وأرجع آخرون ذلك إلى شرط سيف الدولة أن يكون الفداء عامًا يشمل جميع الأسرى.

وبعد وفاة سيف الدولة نشأ خلاف بين وريثه أبي المعالي وبين أبي فراس، انتهى إلى استقلال أبي فراس بحمص عن سلطة إمارة حلب، فأرسل إليه أبو المعالي جيشا لإجباره على الاستسلام، وكان ذلك برأي من مولاه فرغويه، الذي تولى قيادة هذا الجيش وقاومه أبو فراس حتى النهاية.

شعر أبي فراس الحمداني

يعد أبو فراس من الشعراء المجيدين، إذ خلف زهاء 70 نصا شعريا في مختلف بحور الشعر العربي وجل أغراضه، حتى إن الصاحب بن عباد صنفه خاتمة الشعراء، فقال عنه “بدأ الشعر بملك وانتهى بملك” ويقصد أن الشعر بدأ بامرؤ القيس وانتهى بأبي فراس.

وقد جمع ابن خالويه بعض شعره، كما جمع الثعالبي البعض فطبع ديوانه في بيروت مرتين أواخر القرن الـ 19، لتكتمل طباعته في دمشق سنة 1944م، كما ترجم الديوان إلى بعض اللغات الأجنبية.

وكان لمعاصرته للمتنبى واحتكاكه به الأثر البالغ في شعره، كما أن تجنبه التكسب والمجاملات بشعره جنبه التفاهة والابتذال.

ظاهرة المجالس الأدبية عرفها العرب بشكل ظاهر منذ وقت باكر (شترستوك)
مجلس شعري وأدبي قديم (شترستوك)

روميات أبي فراس الحمداني

وهي القصائد التي كتبها أبو فراس الحمداني فترة أسره عند الروم في سجن خرشنة، وعرفت باسم الروميات نسبة لمكان أسره، وقد تميزت هذا القصائد بجزالتها وقوتها ورصانتها، وصدق عاطفتها.

وتعد قصيدته الشهيرة “أراك عصي الدمع شيمتك الصبر” مثالا حيا على شعر الروميات، فقد صنفها عدد من النقاد ضمن الآداب العالمية الخالدة، لقوة شاعريتها وصِدق عاطفتها وتجرد الشاعر فيها بأناه الخاصة للتعبير عن عواطفه ومشاعره وقناعاته ومبادئه وما يتبناه من حكم وقيم.

كان سيف الدولة الحمداني يحكم حلب، فأعطى لأبي فراس ابن عمه قيادة عسكر الثغور الحلبية، فوقع في أسر الروم في إحدى المعارك، وكان ظنه أن ابن عمه سيف الدولة لن يتأخر في فك أسره بالفداء، لكن سيف الدولة أبطأ عنه وتجاهله، فبعث إليه أبو فراس من محبسه قصيدة يعاتبه فيها ويذكره بمحبته له، فأرسل سيف الدولة الفدية إلى الروم، وأطلق أبي فراس من الأسر.
وصلت تلك القصيدة إلى عامة الناس، وأنتقد بعضهم أبي فراس للبيت الذي يقول فيه “فليتك تحلو والحياة مريرة ** وليتك ترضى والأنام غضاب” بدعوى أن معنى البيت: (ليتك تحلو معي في تعاملك، ولا أبالي بعدها حتى لو كانت الحياة كلها مريرة، وليتك ترضى، ولو غضب علي بعدها كل الناس لا يهمني ) لكن جُل الفقهاء – وليس كلهم – منذ ذلك العهد حتى اليوم لم يروا في ذلك القول من بأس.
ومما قال أبو فراس لسيف الدولة في قصيدته تلك:
تَمُرُّ اللَيالي لَيسَ لِلنَفعِ مَوضِعٌ
لَدَيَّ وَلا لِلمُعتَفينَ جَنابُ
أََتُبطئ عَنّي وَالمَنايا سَريعَةٌ
وَلِلمَوتِ ظُفرٌ قَد أَطَلَّ وَنابُ
وَما زِلتُ أَرضى بِالقَليلِ مَحَبَّةً
لَدَيكَ إذا دونَ الكَثيرِ حِجابُ
وَأَطلُبُ إِبقاءً عَلى الوُدِّ ترضَهُ
وَذِكري مُنىً في وُدنَا وَعٍتَاب
وَقَد كُنتُ أَخشى الهَجرَ وَالشَملُ جامِعٌ
وَفي كُلِّ يَومٍ لَفتَةٌ وَخِطابُ
فَكَيفَ وَفيما بَينَنا قَطعُ وَاصِلٍ
وَلِلبَحرِ حَولي زَخرَةٌ وَعُبابُ
أَمِن بَعدِ بَذلِ الروح مهما جَرى لَهَا
أُثابُ بِمُرِّ العَتبِ حينَ أُثابُ
فلَيتَكَ تَحلو وَالحَياةُ مَريرَةٌ
وَلَيتَكَ تَرضى وَالأَنامُ غِضابُ
ويا لَيتَ شُربي في وِدادِكَ صافِياً
وشُربِيَ من مَاء الفُراتِ سَرابُ
وَلَيتَ الَّذي بَيني وَبَينَكَ عامِرٌ
وَبَيني وَبَينَ العالَمينَ خَرابُ

وفاته

رفض أبو فراس الاستسلام لأوامر خلف سيف الدولة وابنه أبي المعالي، وتعرض بمقاومة شرسة لجيش المولى فرغويه حتى قتل ببلدة صدَد على الجنوب الشرقي من حمص في ربيع الأول سنة 357هـ – 968 م، مخلفا وراءه ذكرا وبطولات وشعرا حفظها التاريخ عبر الأجيال.

 

مواقع إلكترونية

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق