مقالات
الوعد” للفنون الشعبية الفلسطينية.. حين تغني للهوية والوطن / نبيل السهلي
موقع hamsaat.coالدنمارك
رغم مرارة اللجوء بقي اللاجئون الفلسطينيون مرتبطين بالأرض والوطن وهويتهم الوطنية. فجنبا إلى جنب مع التحصيل العلمي والعمل الدؤوب، بقيت فلسطين الوطن والهوية الحاضر الأكبر في ذاكرة اللاجئين الفلسطينيين؛ ففي كل مخيم في مناطق اللجوء الفلسطيني المختلفة تمّ إنشاء فرق فنية شعبية تغني لفلسطين وتستحضر في كافة المناسبات عبر الأغنية فلسطين التاريخ والهوية. ومن تلك الفرق؛ فرقة الوعد الفلسطيني، التي أنشأها وأشرف على تطورها الكاتب والمخرج اللاجئ الفلسطيني ابن مخيم اليرموك يوسف الطيب أبو أحمد.
ماذا عن الفرقة؟
يعتبر التراث والفلكلور الشعبي الفلسطيني والموروث الثقافي الفلسطيني أحد ركائز الهوية الوطنية الفلسطينية؛ كما أنه دالة جوهرية للجذور الضاربة للشعب الفلسطيني في وطنه الوحيد فلسطين. وفرقة الوعد للفنون الشعبية الفلسطينية اليرموكية استطاعت بالأغنية استحضار والحفاظ على هذا التراث.
ففي مخيم اليرموك قرب العاصمة السورية دمشق، وهو عاصمة الشتات الفلسطيني؛ انطلقت الفرقة في منتصف عام 2003، بمجموعة من الشباب والشابات وبمبادرة من مديرها الكاتب والمخرج يوسف الطيب؛ منتهجة الاستقلالية عن أي توجه سياسي مهما كان نوعه لتطل على جميع أبناء شعبها من نافذة واحدة ألا وهي نافذة فلسطين.
انطلقت وهي مسلحة بإرادة العمل والتصميم على النجاح فعملت من ذاتها وأينعت من تراب المخيم من خصوبة الحنين إلى الوطن وعذابات اللجوء؛ فكانت ملكة الإبداع المبكر، وكان التعبير السلس العذب، وكان الفولكلور الذي اعتبرته مادة استلهام عملها الأساسي.
ومثلما يمر الليل، يمر الحلم عميقاً ساطعاً، لتمر أيام العذابات معجونة بالعطاء، مستنطقة عبق التاريخ؛ وقد استطاعت إحياء الفولكلور الفلسطيني، عملت على ربطه بذاكرة الأجيال على مر السنين؛ بغرض حمايته من محاولات الطمس والتزوير والسرقة والتذويب من قبل المحتل الصهيوني لفرض روايته الزائفة.
في مواجهة الزيف الصهيوني
اعتمدت فرقة الوعد الفلسطيني هذا الإسم الفلسطيني لمواجهة الوعود والرواية الصهيونية الكاذبة، ويؤكد مديرها الكاتب والمخرج الفلسطيني يوسف الطيب والمهجر من اليرموك والمقيم منذ عام 2013 في لبنان “بأن نهاية الصراع ستكون لصالح وعدنا، وقد ارتبط الوعد بأشرعة كنعان، الأشرعة التي ساهمت في تنضيج ثقافة العالم انطلاقا من عسقلان وحيفا ويافا وصور وجبيل وأوغاريت”.
انطلقت فرقة الوعد، وهي تؤمن أن الإبداع المسرحي والرقصة والأغنية الشعبية ومنذ أن أوجدها الأجداد ارتبطت ارتباطا أصيلاً بالأرض فضربت جذورها في العمق وانصهرت في حياة الشعب.. اختلطت بواقعه، عبرت عن عاطفته، وواجبه، عن أفراحه وجراحه، عن ظروف حياته اليومية الاجتماعية والاقتصادية والإنسانية والسياسية.
لقد ارتبطت الرقصة والأغنية الشعبية ارتباطاً وثيقاً بتعابير الحزن والفرح، كما ارتبطت بالثورة وبالكفاح حتى دحر المحتل؛ وأثبتت الفرقة أن التمثيل والغناء والرقص الشعبي إنما هم عامل مؤثر في حياة الإنسان؛ ومن هنا نقلت فرقة الوعد فكرة تطور الفنون الشعبية الحركية لتخرج من دائرة التعبير عن الفرح والمرح إلى طور ثان يعبر عن المشاعر الإنسانية التي يعيشها شعبنا، فكانت أغانيها ورقصاتها وأفعالها تحكي قصة الأرض والشعب.. قصة الفرح والبكاء، قصة الثورة والثوار.
وحفاظاً على قيمة الزيّ الفلسطيني، بما له من أصالة وتاريخ ارتبط به الفولكلور الفلسطيني، ونظراً لأهمية هذا الزيّ فقد سعى العدو جاهدا لمحاولة سرقته وطمس معالمه من حياة الشعب الفلسطيني، حيث أنشأت زوجة موشي دايان (ماسكيت) أي ـ المكتب الإسرائيلي للحرف ـ إذ يصدر الأثواب الفلسطينية التقليدية إلى أوروبا وأمريكا، مدعياً أن هذا الثوب هو ثوب إسرائيلي، حيث هي حجة واهية بامتلاك أرض فلسطين وما عليها، وأن لهم تاريخا فيها ولهم زيّ وفولكلور وجذور تثبت ذلك، إلا أن هذا الأمر نفته وكذبته كل الإثباتات والوقائع على الأرض، حيث حفروا ونقبوا وبحثوا فكان أن تمدد سطوهم ليسرقوا أرض الفلسطينيين وتاريخهم وحضارتهم وتراثهم، وها هي ملابسهم التقليدية ورقصاتهم وأغانيهم تتعرض للتزييف وذلك ليتماشى مع تطلعاتهم.
ورداً على ذلك، وحفاظاً على الزي الفلسطيني، والذي هو أحد معالم رموز الوطنية، فقد ارتدت الفتيات في هذه الفرقة الثوب الفلسطيني المطرز بخطوطه الهندسية الجميلة ورسومه الرائعة، هذا الزي الذي يعتبر من أجمل الأزياء في العالم، حيث تكمل الفرقة سلسلتها الإبداعية في ميادين الحضارة.
إن أجزاء كبيرة من أزياء الفتاة الفلسطينية ترجع إلى روائع تصاميم الملوك القدامى، لذلك ومن خلال حرص فرقة الوعد للفنون الشعبية الفلسطينية على هذا الزيّ الرائع ومن خلال حرصها على أصالته وروائعه التراثية، تظهر الشابات في هذه الفرقة بهذا الثوب الذي يزيد قوامها البديع جمالاً ورونقاً، أما بساطتها وهدوؤها فإنه يزيد الثوب ألقاً وخلوداً.
وقد بلغ عدد أعضاء الفرقة خمسة وسبعين شاباً وشابة، هذا العدد الذي يتناسب مع حجم أعمالها.. أما مضمونها وزخمها بما فيه من تعبير فإن الفرقة تتركه لتقييم المشاهد فهو الحكم الأول والأخير؛ الفرقة تعمل من داخل مملكتها، حيث تضم في حناياها الكاتب والمخرج ومصمم الرقص الشعبي ومدرب الرقص الشعبي والمغنين من شباب وشابات، ومهندس الصوت ومهندس الإضاءة بالإضافة إلى مهندس الديكور ومصممي الأزياء وممكسجي الصوت ومصممي الإعلانات.
ومن أعمال الفرقة: العمل المسرحي الغنائي الراقص (عرس التحدي)، حيث مثلت الفرقة فلسطين في مهرجان معرض دمشق الدولي وحازت على درع المهرجان الفني وذلك في شهر 9 في عام 2005. كما مثلت فرقة الوعد فلسطين في عدد كبير من المهرجانات الشعبية، ومن أهمها: مثلت فلسطين في مهرجان التراث السوري الأول في قلعة دمشق، حيث نالت الفرقة شرف الافتتاح.
قدمت فرقة الوعد عملها الفولكلوري في دولة الإمارات وذلك ضمن فعاليات القدس عاصمة للثقافة العربية عام 2008.
كما قدمت فرقة الوعد عملها المسرحي الغنائي الراقص “أفراح وجراح” في مهرجاني أنطاكية وإسطنبول في عام 2010؛ فضلاً عن ذلك شاركت الفرقة في عدة مسلسلات تلفزيونية، ومنها مسلسل التغريبة الفلسطينية، مسلسل الاجتياح، مسلسل أولى القبلتين، وفيلم القناص.
سيرة الكاتب والمخرج يوسف الطيب
درس الكاتب والمخرج يوسف الطيب معي المرحلة الابتدائية في مدرسة كوكب التابعة للأونروا، وتقع جنوب المخيم، بقينا من الصف الأول وحتى السادس سوياً؛ وكان مدير ومربي المدرسة أستاذنا الراحل محمد خير أشقر من قرية السموعي قضاء صفد الجليلية ومن مواليد 1924؛ وقد التقيته صدفة في شوارع صيدا القديمة مهجرا مثلي من اليرموك وقبلت يده وكان متكئاً على عكاز ولم أستطع وداعه الأخير بعد وفاته عام 2014.
وبالعودة إلى يوسف الطيب؛ فقد كان هادئاً وودوداً، وكنت التقيه بين الفترة والأخرى في جنبات مخيمنا اليرموك الذي ترعرعنا في حناياه، لنلتقي مجدداً بعد تهجيرنا عام 2012 في مهجرنا الجديد لبنان وبالتحديد في منطقة وادي الزينة بين بيروت وصيدا ونجتمع بشكل دائم وتكون فلسطين والهوية وذاكرة تهجيرنا من المخيم هي الحاضر الأكبر.
يوسف الطيب هو كاتب ومخرج مسرحي فلسطيني وعضو الاتحاد العام للكتاب والصحفيين الفلسطينيين. عضو اتحاد الفنانين. مؤسس ومدير فرقة الوعد للفنون الشعبية الفلسطينية. مواليد دمشق مخيم اليرموك 1958؛ والأصل من قرية معذر قضاء طبريا. القلم عرفه كاتبا وروائيا كما عرفه المسرح مؤديا ومخرجا.
أعماله الأدبية نقلها من الورق إلى المسرح لتنطق وتتكلم. صقل موهبته وعمل من ذاته. ومن مؤلفاته: رواية “عرس التحدي”، “مسرحية أفراح وجراح”، “قناديل الوطن” مجموعة قصصية، “قدري يتحدى” عمل روائي، وله مخطوطات بانتظار الطبع منها “القدس أرض الزيتون الشهيد”، “أحلام المنفى”، “جذوري هناك”، “أطياف العودة”، “زغاريد الوطن”، “شغب المخيم”، “وطن رايته ممزقة”، “شموع لن تنطفئ”.
وقد أحيت فرقة الوعد للفنون الشعبية الفلسطينية بإشراف الطيب عدة مناسبات وطنية في مغتربها الجديد لبنان.
ويقيم يوسف الطيب حتى كتابة هذه السطور في نهاية تشرين ثاني /نوفمبر 2021 في لبنان. ولأن هاجسه الأكبر فلسطين أنشأ فرقة الوعد للفنون الشعبية الفلسطينية أواسط عام 2003، وما زال يشرف عليها لتستحضر في مناسبات وطنية التراث الشعبي عبر الأغنية ولتبقى راية الهوية الوطنية الفلسطينية عالية خفّاقة.
*كاتب فلسطيني مقيم في هولندا
من المصدر