مكتبة الأدب العربي و العالمي

المنافقون – قصة لم تنتهِ بعد / عامر عودة

يُظهرون الحزن ويُضمرون الفرح. هكذا هم دائمًا، متملقون، يجيدون التّمثيل حتّى في أشدِّ اللحظات حزنًا. فها هو أبو فرحان يستقبلُ المعزّين بوجهٍ يَظهر عليه الحزن والجدّية. أمّا زوجته أم فرحان فتذّكرنا بالمسلسل الكرتوني “ماجد دايمًا متواجد” الّذي كنّا نشاهده ونحن صغار. فعيناها وأذناها يتنقلان باستمرار بينَ النّساء المعزّيات، ونجدها في كلّ الأماكن في نفسِ اللّحظة! إذ تقوم من مكانها فجأة لتتدخّل في محادثة هنا، وتدسّ أنفها في محادثة هناك. فلا يفوتها شيء ولا يخفى عليها خبر! أمّا ولداها فقد أخذا على عاتقهما نقل لها ما يجري من أحاديث عندَ المعزّين الرّجال، فاستلما مهمّة تقديمِ القهوة السّادة ليتسنّى لهما التّنقّل بينَ الأشخاص لسماع الأخبار بصورة جيّدة.

الفقيدة هي امرأة عجوز كانت تسكن لوحدها بعد أن توفّي زوجها. أما أولادها فقد هاجروا إلى أستراليا قبل سنين طويلة ولم يتبقَ لها إلا بعض الأقارب الّذين يسكنون بجوارها، والّتي كانت تزورهم لقتل وِحدتها ومللها. وقد كانت عائلة أبي فرحان الّتي نراها اليوم حزينة لفقدانها، يَتضجّرون من زياراتها المستمرّة لهم، وكانوا أحيانًا يهزأون منها ومن كلامها ومن بعض عاداتها…

وها هم أولادها، الّذين أنعم الله عليهم بالمال الوفير، عندما جاؤوا من أستراليا ليلقوا عليها النّظرة الأخيرة قبل أن توارى التّراب، شاهدوا أنّ عائلة أبي فرحان وزوجته “ماجد” هي أكثر من تهتم باستقبال المعزّين وأكثرهم ظهورًا وحزنًا، كيف لا وقد زاد تملّقهم وتمثيلهم بعد مجيء أولاد المرحومة؟! وقد شاهد جميعُ الأقارب والجيران أمامهم مسرحيّة يعجز أبرع الممثّلين على تمثيلها.

عندَ انتهاء أيّام العزاء، شكر أولادُ الفقيدة جميع مَن واساهم على مصابهم الأليم، وخصوصًا أبو فرحان وزوجته”ماجد” وولديهما على وقفتهم. وتقديرًا لهم دعوهم لزيارتهم في أستراليا على حسابهم الخاص.

عادت عائلة أبي فرحان إلى بيتها فرحة لهذه العزيمة الّتي كانوا يتمنّونها ويخطّطون لها منذ عدّة سنوات. أمّا باقي الأقارب والجيران، فقد عادوا إلى بيوتهم وفي قلوبهم حزن عميق على رحيل الفقيدة، واشمئزاز على ما شاهدوه من أحداث تراجيديّة في تلك المسرحيّة الّتي لم تنتهِ بعد…
(عامر عودة)

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق