نشاطات

حتى نفي القدس حقها : ملاحظات على هامش مؤتمر مؤرخو القدس

الدكتور عبد الرازق متانة

اضع بين ايديكم الخطاب الذي ارسلته الى الاستاذ الدكتور محمد هاشم غوشة ابين فيه ملاحظاتي وتوصياتي على هامش مؤتمر “مؤرخو القدس” الدولي الذي انعقد الشهر الماضي

سعادة الدكتور محمد هاشم غوشه
مدير مركز الحسن بن طلال لدراسات القدس، حفظكم الله

في البداية لا بد لي من ان اعبر عن مدى سعادتي في المشاركة في مؤتمر مؤرخو القدس الذي قمتم بتنظيمه، برعاية سمو الأمير الحسن بن طلال، ومركز الحسن لدراسات القدس وبالتعاون مع منتدى الفكر العربي والذي انعقد وجاهيا في عمان ومن خلال الزوم بتاريخ 21-22\9\ 2021.
حقيقة فكرة المؤتمر جدا رائعة، والتي هدفت الى التشبيك بين الباحثين العرب والمسلمين العاملين في خدمة قضية القدس وفلسطين، والتعريف بأعمالهم وجهودهم المباركة في خدمة قضية القضايا. وقد شكل المؤتمر وبحق منصة مهمه جمعت بين العديد من القامات العلمية الذين قدموا من أعمارهم في خدمة المدينة وقامت بالتشبيك بينهم …
على هامش المؤتمر اردت ان أُدلى ببعض الملاحظات وارفع بعض التوصيات…
– يظهر جليا ومن خلال كلمات الزملاء وتجربتي الشخصية كذلك التقصير الرسمي الحاصل تجاه قضية القدس وفلسطين؛ والمقصود هنا التقصير في دعم الباحثين والأبحاث المختصة المتعلقة بهذه المدينة المقدسة وتخصيص المراكز الفاعلة الجادة لخدمتها، هذه المدينة التي تستحق منا أكثر بكثير مما نقدم تجاهها.
– الغالبية العظمى للباحثين الكرام مختصون بتاريخ الفترة الإسلامية الوسيطة والمتأخرة للمدينة المقدسة، والذين يقومون بجهود جبارة في خدمة القدس في ظل الظروف والامكانيات المحدودة الموضوعة بين ايديهم. قلة قليلة من الباحثين المشاركين في المؤتمر وفي العموم ايضا تبحث تاريخ المدينة المقدسة في الفترة الإسلامية المبكرة (لا اتحدث هنا عن ادب الفضائل)، الامر الذي يظهر جليا في توثيق هذه الحقبة وينعكس على ارض الواقع من خلال الأبحاث المعنية في هذه الفترة التي نجد فيها كثيرا من السطحية، وفي كثير من الأحيان نرى التكرار الممل في سرد تاريخ هذه الفترات، الامر الذي يزداد سوء عند الحديث عن الحقب التاريخية الاقدم للمدينة.
– بحكم اختصاصي بالبحث الاثري وجدت نفسي شبه وحيد وفي رفقتي القليلين في هذا المضمار؛ علما ان الحقل الاثري هو حقل لا غنى عنه لكل باحث في تاريخ القدس وارض فلسطين؛ وبالتالي يجب ان يكون هذا الحقل من سلم اولوياتنا ولا بد لنا من سبر اغوار البحث الاثري من اجل كتابة تاريخ مدينة المقدسة وخصوصاً تاريخها القديم. علم الاثار هو علم مستقل له آلياته وادواته، وهو كذلك موضوع مكمل للبحث التاريخي من جهة، ويسد الكثير من الثغرات في الأماكن التي تفتقد الى مراجع ومصادر تاريخية كالفترة الإسلامية المتقدمة والفترات القديمة للمدينة المقدسة، او جوانب الحياة اليومية التي قلما تطرق لها الباحثون.
– القدس ليست مدينة منعزلة بل هي قلب فلسطين، وتاريخها هو جزء من تاريخ هذه الأرض المباركة، بل وان تاريخ ارض فلسطين يدور ويتمحور حول القدس؛ ورغم مساعي وعمل الحركة الصهيونية على تهويد تاريخ المدينة المقدسة وارض فلسطين فإنها لا تقدر على طمس تاريخ البلاد كله ولذلك ومن خلال الدراسات المستفيضة الجادة لأثار ارض فلسطين يمكن تفنيد عمليات التهويد وإعادة كتابة تاريخ القدس الحقيقي.
– المدارس الحديثة المختصة بالعلوم الاجتماعية والإنسانية ترى تداخل وتشابك الحقول البحثية مع بعضها البعض، وهي بحق مكملة الواحدة للأخرى، وبالتالي لا بد من تشجيع الابحاث متعدد المجالات والتي تعتمد على مختصين في حقول عدة من خلالها نستطيع ان نقارب ونكتب تاريخ المدينة المقدسة.
– المدينة المقدسة تتعرض لتهويد مستمر وطمس لهويتها العربية والاسلامية، وحتى المقابر لم تسلم وقد تعرضت لانتهاكات ومنها ما تم الأعداء عليه مرارا وتكرارا كما هو حال مقبرة مأمن الله التي جرفت من اجل إقامة متحف” التسامح”، وبالتالي وعند الحديث عن تاريخ المدينة يجب ان يكون موضوع التهويد ظاهر وبقوة في كافة الدراسات لكونها عمليات فعلية يسعى من خلالها الاحتلال الى تشكيل هوية المدينة المقدسة بما يخدم اجندته.
– تاريخ المدينة مليء بالمغالطات وخصوصا تاريخ المدينة القديم الذي يعتمد غالبا على كتابات المستشرقين ومن بعدهم الإسرائيليين والصهاينة بكتاباتهم المجندة، وبالتالي لا بد لنا من التحرر من اثار وهيمنة هذه السرديات، ويجب الحذر والحذر عند كتابة تاريخ المدينة وعدم التسليم بالسرديات الاستشراقية، بل والتحقق منها وتفنيدها ونقضها عند الضرورة.
– للأسف وبخلاف المؤسسات الاكاديمية العربية فان المؤسسة الإسرائيلية وبأذرعها المختلفة من جامعات ومراكز أبحاث ومؤسسات تعمل وبجهود جبارة من اجل فرض هيمنتها على المدينة وكتابة تاريخها، وقد سخرت جيوش من الباحثين والعمال لتمكين سرديتهم وتثبيتها على ارض الواقع. قاموا كذلك بنشر عدد لا يحصى من الدراسات والتقارير باللغة العبرية والتي تحتاج منا رد علمي مبني على أسس وقواعد علمية. أيضا ومن اجل دراسة تاريخ المدينة لا بد لنا من دراسة اللغة العبرية والتبحر بها من اجل استدراك ما يحصل في المدينة المقدسة.

في النهاية نجدد شكرنا للدكتور محمد هاشم غوشه لتنظيمه هذا المؤتمر الجاد، وعلى جهوده من اجل الحفاظ على تاريخ المدينة المقدسة، وكذلك للقائمين عليه والراعين له وعلى راسهم سمو الأمير الحسن بن طلال وعلى مداخلته القيمة التي اثرت النقاش. وأيضا اشكر زملائي الباحثين على اتاحة الفرصة لنا للتعرف عليهم وعلى جهودهم المباركة، ونتمنى ان يكون لهذا النشاط ما يتبعه من خير قريب..

دمتم ودامت القدس بكل خير
د. عبد الرازق متاني
باحث ومختص بآثار وتاريخ القدس وارض فلسطين

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق