مكتبة الأدب العربي و العالمي

حكاية #ينتهي_مال_الجدّين_وتبقى_صنعة_اليدين الجزء الرابع (قلنسوة الرّاهب)

في الغد حضر اليهودي عمران ،ومعه الولد ،كانت الملكة جالسة بجانب زوجها ،ولمّا دخلا قالت للشيخ : توقّف هناك !!!،أما أنت أيها الفتى فلا تخف،تعال، وإجلس قربنا، فما إستدعيناك إلاّ لما فيه الخير لك، لمّا سمع الأمير ذلك ،أحنى رأسه ،وقال: لا يصحّ أن أجالس مولاي ،وأنا بهذه الثّياب الرّثة ،فأزعج نظره، وأكسر خاطره ،قال الملك للعبيد: إحملوه للحمّام، وألبسوه الحرير ،فقد أحسن أبوه تأديبه ،وبعد قليل عاد به الخدم، وقد حلقوا شعره ،وعطّروا وجهه ،وألبسوه ثوبا من الحرير الأبيض .
حين رأته الملكة لم تعرفه، وتعجّبت من وسامته ،ثمّ مشى بثقة ، وجلس على مقعد الوزير ،ولمّا أراد الحرّاس منعه قال الملك: أتركوه ،وسأله كأنّك تعرف مجالس الملوك ومراتب الجلساء؟ ،ولقد إخترت أرفعها !!! فأجابه الفتى :لم تخب فراسة مولاي ،فأنا الأمير جمال الدين بن محمّد سلطان المغرب ،وقد كنت في أحسن حال حتى ثار عليه أحد قواده الأقوياء ،وقتله ،وأراد أيضا قتلي لكني هربت ،ويشاء الحظ أن أجد سفينة ركبتها ،وأنا لا أعلم أين ستذهب بي ولقد بعت ملابس الغالية لتاجر لآكل ،ولمّا وصلت شغّلني ذلك الشّيخ عنده مقبل دينار في الشهر ،وطعام حقير .
لمّا سمع عمران بأنّ الفتى من أمراء المغرب أيقن بالهلاك ،وقال: كيف لي أن أعلم بذلك ،وعليك مظهر الفقر ؟ صاح الملك في وجهه :أهذه الأجرة عندك يا لئيم ؟ دينار، وطبق طعام لا يشبع كلبا !!! بربّك ماذا تفعل بكلّ ماتملكه من مال وضياع ؟ صمت اليهودي ،ولم يجد ما يقوله ،فكلّ النّاس تعلم أنّه من أغنى التّجار ،وأيضا أشدّهم شحّا وتقتيرا ،قالت الملكة للأمير :سمعت كثيرا بأبيك ،و تلاقينا في الحج ،ولقد أحسن صنعا بتعليمك مهنة !!! أجاب : لقد قال لي رحمه الله أنّ المال يفنى، و الدّنيا تدور على السّلاطين،ولقد أثبت الزّمان مقولته ،وبفضل الصّياغة أنا اليوم في مجلسكم !!!
سأله الملك كيف يمكن أن أساعدك ؟ قال الأمير: كلّ ما أريده أن أذهب إلى بلادي، وأتزوّج رباب الفتاة التي أحبّها !!! تأثّرت الملكة ،وقالتّ يا لك من فتى صادق المشاعر !!! لكن الملك رد ّعليها :هكذا الإناث لا يفكّرن إلاّ بقلوبهنّ ،إسمع ،سأرسل معك أسطولا عظيما يعيدك إلى عرش أبيك ،وبعد ذلك فكّر في الحبّ !!! ردّ الفتى : عرضك سخيّ ،لكن لا أريد أن يتهامس شعبي أنّي إسترجعت حكمي بسيوف ملك مصر ،فتقلّ عندهم هيبتي ،سأذهب وحدي إلى المغرب، وأحتال على الخائن قاتل أبي، وأسترجع عرشي منه، فأنا أعرف أنّ حبّه للجواهر هو الذي سيعجّل بسقوطه .
وكلّ ما أريده صندوقان من الياقوت والزّمرد ،وخاتم من الذّهب ،وشيئ آخر سأطلبه من عمران ، وبالطبع مكانا في المركب الذاهب إلى المغرب، ودابّة أركب عليها !!! قال الملك :كلّ ما أعطيته لليهودي ،وما إشتراه من ضياع وأملاك هو لك ،وكذلك الحصان ،والنياشين!!! أعتقد أن هذا يكفيك وزيادة يا جمال الدين !!! غدا تأخذ كلّ شيئ من كبير الصّاغة ،هل سمعتني يا عمران؟ أجاب اليهودي وهو يرتعش :نعم يا مولاي سأرجع له كل شيء ،وأنفّذ له ما يطلبه ،أعد بذلك !!! صاح الملك والآن أغرب عن وجهي وإحمد الله أني لم أضرب عنقك بيدي .
في الغد باع الأمير الضّياع التي صارت له ،والذّهب ،واشترى بهم صندوقان من الأحجار الكريمة، وكانت متنوعة الألوان تبهر البصر ،وخاتما نقش عليه بيتا من الشعر ،وثيابا، وزادا ،وفي الليل قال لعمران إني أعرف أنّك ساحر ،ولم أعلم الملك ،وسأطلب منك شيئا مقابل صمتي !!!سأله اليهودي بلهفة :ماذا تريد ؟ قال :سمّ إذا لمسته إنعقد لسانك، وضعفت حركتك ،قال اليهودي :أعرف ما يلزمك ،في بلاد النّوبة تنمو نبتة إسمها قلنسوة الرّاهب، يغمس فيها الصّيادون سهامهم ،ولمّا تصيب الفريسة، تعجز عن الحركة ،وتسقط على الأرض ،وقد فارقتها قوتها !!!
هتف الأمير : هذا بالضّبط ما أريد !!! وأنا بحاجة له بسرعة ،في الغد نزل اليهودي إلى سوق الأعشاب وحين جاء الليل ،كان السّم جاهزا، فأخذه الأمير وصبّه في أحد صناديق المجوهرات ،وعند الفجر كان مركب للتجار يبحر إلى المغرب ،وبعد عشرة أيام لاحت من بعيد مدينة طنجة …

يتبع الحلقة 5

من قصص حكايا العالم الاخر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق