اقلام حرة
القاتل- قصّة قصيرة – أصبحتَ الآن رهينتي وسوف أقتلكَ! – لكنْ بأيِّ ذنبٍ ستقتلني؟!
– ذنبك أنّك زُرتني؛ وأنت تعرف أنَّ كلَّ مَن زارني أصبحت حياته في خطر.
قالَ القاتل ذلك وضحك ضحكةَ السّفاحِ المنتصر. ثم بدأ بشحذ سكاكينه…
* * *
… تخرجُ منَ البيت غاضبًا بعد أن تقاتلتَ مع زوجتك. اِزدادَ الخصام بينكما في المدّةِ الأخيرة، بحيث أصبح الجلوس في البيت أمرّا مستحيلًا. فمنذ أكثر من سنة وأنت بعطلة غير مدفوعةِ الأجر بسبب جائحةِ الكورونا. حانوتُ الملابس الّذي كنتَ تعمل فيه قد أُغلق. حوانيتُ الملابس كلّها تطردُ العديد من عمّالها، بسبب تدهور وضعها الاقتصادي نتيجة هذهِ الجائحة. الزّوجة تذهب إلى عملها وأولادك إلى مدارسهم، الّتي عادت وفتحت أبوابها بعد انحسارِ الجائحة. أمّا أنت فتبقى في البيت خاملًا بلا عمل.
تزورُ العديد مِن محلّاتِ الملابس لتبحث عندهم عَن عمل في مجالك الّذي عملت فيه منذ أنْ وعيت على هذهِ الدّنيا. لكن كلّ الأبواب تغلق في وجهك، فالإقبال عليها كان ضعيفًا لأنَّ وضعَ النّاس المادي صعب، والمناسبات قليلة ومحدودةُ الحضور. ومَن سيقبل تشغيلك في وضع كهذا؟ أمّا العمل في مجال آخر فهو أمر مستحيل، وترفض حتّى التّفكير به. إذ لم تعمل بحياتك إلّا في حوانيتِ الملابس، ولن تعمل إلّا فيها.
الأولاد طلباتهم لا تنتهي، كأمّهم تمامًا، وإذا كنتَ غير قادر على تلبية احتياجاتهم، فلماذا جئت بهم إلى هذهِ الدّنيا؟! ما هي قيمتك في الحياة إذا كنتَ خاملًا، تأكل وتشرب على حسابِ زوجتك؟؟ إذا رحلت أو متَّ، سيقلُّ عدد أفراد العائلة بواحد، وهذا كفيل بتحسينِ وضعها المادي بكلّ تأكيد، وستصبح زوجتك اللّجوج قادرة على تلبية طلباتِ أولادك. لقد أصبحتَ عالةً على عائلتك، ولا حاجة لهم بك. حتّى أصدقاءك وأقرباءك أصبحوا يتحاشونَ الجلوس معك، لِئلّا تطلب منهم أيّ مساعدة ماليّة من جهة، ومن جهة أخرى قد ضاقوا ذرعًا بشكاويك الدّائمة لمشاكلك العائليّة والماليّة. أنا الّذي سأهرب منهم هذه المرّة… لا أريد رؤية أحد منهم. سأتركهم إلى الأبد… إلى الأبد.
* * *
– قلتَ أنَّ رأسك يؤلمك كثيرًا.
– نعم. لقد غرس الوجع اللّئيم أوتاده في رأسي منذ حوالي الشّهر واستوطن فيه. ولم تنفع معه كلُّ الأدويةِ المهدّئة.
– لماذا لا تأخذ كلّ أدويتك مرّة واحدة؟! اِبلعها كلّها دفعة واحدة! هذهِ هيَ الطّريقة الوحيدة لاقتلاع أوتاد أوجاعك كلّها، كلّها، بما فيها وجع رأسك!
قالَ القاتل ذلك وقهقه قهقهةً هزَّت كيانك، وغيَّبت وعيكَ؛ أخرجتكَ من عالمكَ الملموس إلى عالم بلا إحساس وبلا ألم، عالم تعيش فيه في راحة سابغة بلا هموم. ثم أردف:
– بدل أن أرميك من مكان عالٍ وأحطّم رأسك اللّعين هذا، أو أمنع عنه الهواء حتّى يختنق ويموت، بلفِّ حبل حول رقبتكَ، اِبلع كلّ ما عندك من حبوبِ الّدواء على أنواعها ترتاح وتموت بهدوء دون أوجاع.
تفتح خزانة الأدوية وتُخرج كلّ ما فيها من حبوب وكبسولات. تشكيلة حبوب غريبة عجيبة، بعضها منسيٌّ ومنتهي صلاحيتة. ستبلعها الآن كلّها وترتاح…
– بابا… بابا… قل لي مبروك.
ينتزعكَ ابنك من غيبوبتك؛ تنتفض منَ المفاجأة! إذ تراه خلفك يصرخ فرحًا. تنظر إليه بعينين زائغتين، وبوجه ساهم. فقد فاجأك قدومه. استَطرد والفرحة لا تسعه:
– حصلتُ على منحة مجّانيّة منَ المدرسة لأتعلّم في الجامعة، فقد نلت علامة امتياز في كلِّ المواضيع.
ترمي حبوبَ الدّواء من يدك، وتضمّه إلى صدرك. تموّه وجهك بضحكة عريضة، ما لبثتْ أن تحولت إلى ضحكة سجيّة، نابعة منَ القلب. تَعودُ زوجتك منَ العمل في هذهِ الّلحظة، حاملةً ابنتك الصّغيرة، وتقومان بمعانقتكما وتقبيلكما فرحتين…
ودون أنْ تلفت انتباه أحد، ترجع إلى حبوبِ دوائك؛ تخرجها كلّها وتضعها داخل كيس وترميه في سلّةِ المهملات. ثمَّ تعود لعائلتك حَبورًا جَذلًا، منتصرًا على القاتلِ السّفاح، راميًا أوجاعك في سلّةِ المهملات، شاعرًا بأنّك قد وُلدتَ من جديد…
(عامر عودة)