مكتبة الأدب العربي و العالمي

الحراث_وإبنة_الجار النصف الاخير النهايه

#اللّقاء مع شعبان لم يكن صدفة، لقد جعلني أفكّر، وأنظر لما حولي ،وقد لا تكون الحياة في خيمة وسط الجبل هو ما كتبه الله لي …

«داخل مقبرة الملوك »

أمّا محمّد نفسه فقد تغيّر كثيرا منذ عشرة أيام ،فلم يعد يخرج للصّيد، أو يرافقها في الغابة، وصار يغيب طويلا في المغارة التي يأوي فيها عنزاته ،و يمضي الليل هناك ،وفي البداية لم تكن حنان تهتم لذلك ،وقالت لها حدّة أنّ ولدها يحبّ الوحدة ،وله حيوان يطعمه ،ربما كان حمامة أو حجلة ،لكنّ البنت الآن بدأت تستغرب، وقالت في نفسها: لماذا لا يشتري خيمة يبيت فيها ،فهو لا ينقصه المال ،وماذا يفعل هناك كلّ هذا الوقت ؟ فحتّى الجبن تصنعه أمّه ،ولا أعتقد أنّه زاهد ،فهو يحبّ الأكل واللباس الجيّد ، ،و لم تعد حنان متحمّسة للزّواج ،وقرّرت أن تماطل حدّة ،وتساءلت إن كانت ما أحسّته تجاه الصّياد ليس سوى مجرّد مشاعر زائفة ،بقيت البنت عد ة أيام تفكر ،وانتابها القلق ،وكان لا بدّ من رؤية شعبان ،فلقد شعرت أنها تشتاق إليه ،وفي الحقيقة فهي لم تقدر أبدا عن نسيانه .
في الأسبوع المقبل ألحّت حنان على المرأة لتحملها إلى السوق ،وقالت لها أنها تريد شراء قفطان ،ومبخرة فضّية ،فكلمت ولدها الذي وافق على مضض ،فلها صندوق مليئ بالثّياب والتّحف ،ولمّا وصلت بجوار حائط تظاهرت بالإعياء ،فقالت لمحمّد وأمّه :إشتريا لي ما طلبته منكما، أمّا أنا سأستريح قليلا !!! وبمجرّد أن إبتعدا قامت تبحث عن شعبان،فهي تعلم أنّه يجيئ إلى السّوق ،وبعد قليل رأته ،وهو يدور وبجانبه حماره ،فجرت إليه ،وقالت له :لا وقت عندي ،ما الذي تعلمه عن الصّياد ؟ إندهش الفتى من وجود حنان ،لكنّه أجابها :أبوه دجّال ،و يدّعي أنّه يقرأ الطالع ،ويعرف الغيب ،لكنّه مات منذ مدّة ،وكما :يقال إبن الفأر يطلع حفّار ،وواصل الإبن مهنة أبيه !!! لكن أين أنت الآن ؟ أجابته : في خيمة على قمّة الجبل و،بقربها عين ماء ،وغار كبير ،وأنا لا أعرف إن كنت سأواصل البقاء أم لا، وباستثناء تلك المرأة الطيبة ليس هناك ما يعجب ،إسمع!!!،سأنصرف الآن ،فمحمّد عصبيّ المزاج .
وما أن رجعت حتى رأت حدّة وابنها قادمين، ومعهما قفة مليئة بالخيرات ،ففتحت لها المرأة قرطاس فيه حلوى باللوز والسّمسم ،وقالت لها كلي ،لتستردي قواك ،ولقد إشترينا لك ما طلبته وزيادة ،أكلت حنان من تلك الحلوى وأعجبتها ،ثم قالت :إعدادها ليس صعبا ،وإذا أتيتموني بكلّ ما يلزم سأصنعها، وأبيع منها ،ويكون لي حصّة من المال !!! ظهر الإنزعاج الشديد على وجه محمّد ،وقال: أنا سأبيعها لك ،لست مجبرة على الجلوس في الأسواق ،أجابته حنان :بالله عليك هل تعتقد أنّني سجينتك ؟ لمّا كنت في دارنا كنت أخرج مع إخوتي، ونرى النّاس، ونحضر للأعراس ،لا يبدو أنّنا سنتفاهم ،وكعادتها لطّفت حدّة الجوّ، لكن حنان كانت متوتّرة ،بعد كلّ ما سمعته ،فسحبها محمّد من يدها بقوّة ،وأركبها الحمار، وقال لها بغلظة تذكّري أنّه لولا وجودي تلك اللية لأصبحت طعاما للذّئاب .
صمتت حنان، وشرعت في البكاء ،وكان هناك رجل واقف يتفرّج على ما يحدث ،ولمّا إنصرفوا تبعهم من بعيد حتى رآهم يصعدون الجبل ،ثم قال: وأخيرا عرفنا من الفتى الذي شاهدك الحرّاث معه ،والمكان الذي تختفيان فيه !!! كان ذلك الرجل أحد جيران إخوة حنان ،وجرى ليعلمهم بالخبر ليخرجوا ويقتلانهم معا.،لمّا وصلت حنان إلى الخيمة بقيت صامتة ،وحاول محمّد أن يعتذر عن غلظته معها ،وقال إنّه يحبها ،ويغار عليها ،فهي جميلة، ولا يطيق رؤية نظرات الإعجاب في عيون الباعة والمشترين ،ثم تركها وإنصرف للغار ،فانتظرت البنت قليلا ،وسارت وراءه ،فرأته من بعيد يلتفت خلفه ثم يدخل بعد أن أشعل عودا من الحطب ،ودون تردّد دخلت وراءه ،ومشت في رواق ضيق ،وفي نهايته رأت قبورا منبوشة ،وعظاما متناثرة لملوك ،وذلك الصّياد منحن عليها ينتزع من أصابعها خواتم الذهب ،ومن رقابها القلائد الثمينة ،فأطلقت حنان صرخة مدوّية ،وأغمي عليها …

«السرّ الغريب »

لمّا فتحت حنان عينيها ،وجدت نفسها موثقة اليدين والقدمين ،والفتى جالس بجوارها ،ثم قال لها :لقد أفسدت كلّ شيئ بسبب فضولك ،والآن تتبقين حبيسة هنا حتى تموتين جوعا وعطشا ،فهذه المقبرة مليئة بالكنوز ولقد إكتشفها أبي قبل مقتله ،وسأقول لك سرّا عجيبا، لقد مات أبي بسببك ،ولذلك حكاية طويلة هل تحبّين أن أقصها عليك؟ كان هذا أغرب شيئ سمعته حنان ،ورغم حالتها الصعبة أومأت له برأسها ،فقال: كان أبي منجّما بارعا وساحرا ، ويوم ولادتك أرسل السّلطان إلى جميع العرّافين ليقرأوا لها طالعها، ولمّا جاء دور أبي أخبره بأنّها لمّا تبلغ الخامسة عشرة من عمرها سيقتلها أحد من القصر، ولذلك السّبب أرسلها إلى أحد الفلاّحين في الجبل ،فعاشت مع أولاده السّبعة ،وهم يعتقدون أنها أختهم، وكان لها شامة كبيرة على كتفها ،وقبل أن يموت أبي بيوم واحد أخبرني بالقصّة، وطلب مني الهروب لهذه المغارة مع أمّي ففيها من الكنوز ما يكفينا لنعيش بأحسن حال ،ولقد كان يعرف أن السّلطان سيتخلّص منه لا محالة لكي لا يفشي السرّ و وجئنا لهنا ،لكنّهم قتلوا أبي !!!
ولقد رأيت الشّامة على كتفك لما كنت مغمى عليك ،وعرفتك ،وكان في نيّتي أن أتزوّج منك ،وأصير أميرا، وأنتقم من قتلة أبي ،لكن لم أعد بحاجة إليك الآن بعدما عرفت الحقيقة ،واليوم بلغت الخمسة عشرة سنة، وستتحقّق النّبوءة ، وتموتين على يد واحد من القصر ،فقد كنت من الصّبيان الذين درّبتهم القهرمانة على العمل لدى أبيك السلطان !!! إستمعت له حنان ،وقد إستبدّ بها الذّعر، ثم قالت: هل تضحّي بي لأجل عظام نخرة فيها بعض الذهب ؟ وماذا عن حبّك لي ؟ أجابها :لا أحد يساوي شيئا أمام المال ،والآن سأحمّل جزءا من الكنز ،وأرحل من هنا ،ولما ّعود لأخذ الباقي تكونين قد متّ جوعا ،صاحت :أرجوك لا تفعل !!! لكنه قال :ستنالين جزاءك ،لوسمعت كلامي لما حصل لك ذلك !!! والآن الوداع ،بقيت حنان تصرخ وتبكي لكن قلب محمد أصبح أقسى من الحجر،ثم حمّل الذهب على الحمار ،واطلق عنزاته في الجبل، ولم يأخذ سوى القطة ،وحمامة صغيرة ، ولما سألته أمه عن حنان أخبرها أنها هربت ،وسيبحث عنها فيما بعد ، أما الآن فعليهما الإنصراف .
أمّا شعبان فأمضى سبعة أيام دون أن تغيب عن عينيه صورة حنان ،وأحس بالألم يعتصر قلبه ،فقالمن حسن الحظ أنها أعلمتني بمكانها ،وسأذهب لأرى إن كانت بخير،سار في مسارب وعرة حتى رأى الخيمة من بعيد ولما إقترب رأى أنّها فارغة، وأنّ من بداخلها قد رحل وهم بالذّهب لكنّه سمع صوت عنزة ،فاتّبع مصدر الصّوت حتى رآى واحدة تطل من المغارة ،ولمّا رأته ،دخلت تجري ،فسار ورائها ،وفجأة سمع في الظلام أنينا قويّا ،فاستعاذ بالله من الشّيطان ،وقال من هنا، جنّ أم إنس ؟ وبعد قليل سمع حنان تقول بصوت ضعيف :هل هذا أنت يا شعبان ؟فجرى الولد، وأشعل عودا ،ورأى الفتاة مكوّمة على نفسها وسط العظام وقد شحب لونها ،وعلتها القذارة ،ففكّ وثاقها ،وحملها للعين ،فغسلت وجهها ،وشربت ،ثمّ أخرج لها من جرابه خبزا وتمرا، فأكلت ،وهي ترتعد من الجوع، بعد ذلك خلع عباءته ،ولفّها بها ،وقالت له: هناك كثير من الذّهب في المغارة ،إلتفت شعبان حوله، فوجد صندوقا قديما من الخشب ملئه حتّى آخره ،ثمّ سارا معا حتى وصل إلى داره فاستحمّت، وغيّرت ثيابها ،ثمّ نامت مدّة يومين كاملين ،والحمّى تلتهم جسدها النّحيل .
في اليوم الثّالث فتحت عينها ،فوجدت شعبان جالسا عند رأسها ،يحملق فيها، لمّا سمع أبوه العجوز، أتاها بصحفة فيها لبن ،وقال له :ستفرح أمّك بشفائها ،فهي تسأل عليها كلّ يوم ،والآن رح إلى شغلك، فأنت لم تربح ملّيما هذه الأيّام !!! أجاب شعبان من اليوم: سأتوقّف عن هذا العمل المتعب، وأفتح دكّانا في السّوق ،عقد العجوز حاجبيه من الدّهشة ،وقال له :ومن أين المال يا إبني ؟ ضحك الولد، وقال: بفضل تلك الفتاة رزقني الله هذا الصّندوق، ثمّ فتحه ،فانبعث منه بريق أصفر ..

«البنت السّجينة»

بعد سبعة أيام رجع محمد للمغارة لأخذ باقي الكنز ،لكنه لما دخل لم يجد لا حنان ولا الذهب ،فأخذ يفرك عينيه وهو غير مصدق ،ثم صاح ولعن نفسه لأنه لم يقتل تلك الفتاة ،والآن هو في موقف صعب فهي تعرف قصّته ،ولو تكلمت ،فلن يمضي وقت طويل حتى يطارده السلطان والناس ،ولن ينقصهم التهم، وأقلها يأدّي به إلى ضرب عنقه ،جلس على حجر يفكر، ثم جمع العظام ودفنها بعيدا ،وبذلك لن يعرف أحد مصدر الذهب الذي بحوزته ،ثم رجع إلى أمه ،ولما سألته عن سبب شروده أجابها لا شيئ أمي فقط أحس التعب وسأنام قليلا ،وفي الصباح ذهب إلى السوق واشترى ملابس غالية وركب عربة يجرها حصان، ودار على الصاغة مقدما لهم نفسه على أنّه تاجر يشتري التحف النفيسة ،وبينما هو يتجوّل بين دكاكين الصاغة إقترب منه رجل يهودي ،وقال له سمعت أنّك تبحث عن أشياء نادرة ،تعال إلى دكاني وسأريك شيئا يعجبك !!!
نظر محمد حوله بحذر ثم سار وراء الرجل الذي غاب لحظة ثم أحضر له قلادة من الذهب عليها نقوش بديعة ،عرف الفتى فورا أنها من المقبرة ،ثم سأله عن ثمنها ،وإن كان يقدر أن يأتيه بواحدة أخرى .حكّ اليهودي رأسه ،وقال :لقد باعها لي شخص لا أعرفه ،وهو فتى قمحي اللون له حمار ،وربّما وجدها في بعض الخرائب القديمة ،واصل محمد طريقه وهو ينظر يمينا ،وشمالا لعله يرى البائع ،وسأل الصاّغة لكن لم يره أحد ،فقال في نفسه من باع هذه القلادة يعرف السّوق، ومتعوّد على البيع والشراء ،لهذا سيبيع بقية الذهب في أماكن متفرقة ،غدا سأذهب لسوق آخر، وسأبحث عنه حتى أجده .
أمّا حنان فأحسّت أنّها أحسن حالا ،وبقيت تفكّر فيما قاله لها إبن العرّاف ،فهي لم تصدّق حرفا واحدا من كلامه ،فمنذ أن فتحت عينها وجدت نفسها في دارهم مع إخوتها السّبعة ،ولو كانت حقّا إبنة السلطان ،فلماذا لم يسأل عنها ولو مرة واحدة ؟ولقد تعلمت طباع البدو،ولا تعلم شيئا عن حياة القصور .وحين رجع شعبان في تلك الليلة قال له أبوه : إسمع يا إبني لا يمكنك العيش مع فتاة غريبة تحت سقف واحد ،ماذا يقول الجيران عنا ؟ وما دمت تحبها ،فتزوجّها ،وسأعمل لك عرسا أدعوا إليه كلّ أهل الزقاق !!! أجاب الولد : كنت أعرف أنّك ستكلمني عن ذلك عاجلا أم آجلا ،ولكن ألا يجب أن نأخذ رأيها الأوّل ؟ فنحن بالكاد نعرف بعضنا !!! ردّ الشّيخ :دع الأمر لي ،سأعرف كيف أقنعها ،فهي بنت عاقلة وحتى أمّك تحبها ،ثم أخذ في يده طبقا مليئا بالثّمار واستأذن لرؤيتها ،فوجدها تطرّز منديلا فزاد إعجابه بها ،ووجد الفرصة مواتية فقال لها :ما أجمل الزينة التي صنعتها يداك !!! أجابته لقد تعلمت الخياطة والطريزة منذ أن كنت صغيرة .
مدّ لها الشّيخ برتقالة ،فأخذتها ،ثمّ قال :لقد تعوّدت أنا وإمرأتي على وجودك معنا ،ولها أريد أن أزوّجك من شعبان ،وتعيشين معنا !!! تفاجئت البنت بكلام الشّيخ ،واحمرّ وجهها ،ضحك الحاج عمر، وقال : هل أفهم أنّك موافقة ؟ فأومأت له برأسها ،فصاح بفرح ،وجاءت إمرأته تجري، وعانقتها ،ثم أشعلت الكانون، ورمت فيه البخور ليجلب لها السّعد .ومن الغد إكترى شعبان دكّانا ملأه بالبضائع ، في حين إنهمك أبوه وأعمامه في الإعداد للعرس ،ووسعوا الدار،وفرشوها بالزّرابي ،وبعد شهر كان كلّ شيئ جاهزا ،فأقاموا وليمة، ونصبوا الموائد ،وجاء النّاس ،فأكلوا وشربوا. وفي ذلك اليوم كان محمّد مارّا من أمام ذلك البيت و،قد أعياه التعب من الدّوران في الأسواق ،فسمع أحد الحاضرين يقول للآخر :لقد رزق الله الفتى شعبان من خيره ،وبعدما كان تاجرا متجولا يقود حماره إلى أبعد القرى صار له دكّان لبيع التوابل ،وتزوج من بنت ليس في الدّنيا أحلى منها .
فتوقف محمّد، وقد أثار هذا الحوار إهتمامه ،فالصّدفة وحدها هي التي قادته إلى هذه الحارة ،ولما إقترب من الباب، رأى العروسة، وأحسّ بالفرح ،فلقد كانت تلك الفتاة حنان …
«في مجلس السلطان»
فكّر محمّد ،ثم قال في نفسه ّ: سأنتظر الفرصة ،وأخطفها ،ثم أطالب شعبان بإرجاع الذّهب المسروق ،ولمّا أطمئن على المال سأقتلهما معا ،فهما يعرفان الكثير عنّي !!! وفي أحد الأيام طبخت حنان كسكسي باللحم، ثمّ غطّت رأسها وحملت صحفة لزوجها في الدّكان. وفي أحد الأزقة الضّيقة نفخ إبن العراف مسحوقا أبيض في وجهها،فدارت بها الدّنيا ، ثمّ جرّها إلى عربة، وأركبها بجواره ،ثمّ همز الحصان الذي سار حتى غادر المدينة .في ذلك الوقت كان الحرّاث متّجها إلى أحد التّجار ليبيعه صابة القمح والشّعير التي تحملها قافلة من الحمير، وفجأة لاحت منه إلتفاتة إلى البنت الرّاكبة في العربة ،فاندهش، وصاح :حنان هل هذا أنت يا إبنتي ؟ لمّا سمعت الفتاة صوته ،فتحت عينيها ببطئ ،وردّت: نعم : أنقذني يا عمّ ّعليّ من هذا الفتى ،إنّه مشعوذ ،ويريد قتلي !!!
نزل الرّجل عن بغلته ،وقال لمحمّد: لن تمرّ من هنا أيّها اللعين ، ثمّ جذبه من العربة ،ودار بينهما عراك عنيف ،وكانت حنان تصرخ ،وفي هذه اللحظة إلتقط محمّد خشبة ليضرب الحرّاث في رأسه ،لكنّه سمع حوافر الخيل ولمّا إلتفت شاهد كوكبة من الفرسان تقترب ،وصاح به أحدهم: أنصحك بأن تتوقّف !!! أمّا البنت فجرت ناحيتهم، وحين رآها قائدهم ، قال في دهشة: مولاتي سميّة ما الذي تفعلينه هنا بمفردك ؟ ومن هؤلاء ؟ تعجبّت حنان ،وتساءلت في نفسها من سميّة هذه ؟ فأنا لا أعرفها !!! قال القائد : لقد إكتشف أبوك خروجك دون علمه ،وأرسلنا لنعيدك إلى القصر، وسنأخذ هذين الرّجلين معنا . أيقن محمّد أنّه في مشكلة كبيرة ،فقد كان يعلم أنّ سميّة هي أخت حنان ،وهما متشابهتان ،لهذا خلط الجنود بينهما ،ولو حملوه للقصر لاكتشف السّلطان أمره ،وحكم عليه بالموت ،فأخرج كيس المسحوق ،وهمّ بالنّفخ على الفرسان لكن حنان إختطفت عصا الحرّاث ،وضربته على يده، فسقط على الأرض يتلوىّ من الألم فهتف الفرسان: مرحى للأميرة ،سننقل لأبيك ما رأيناه من شجاعتك وقوّة بأسك .
صمتت حنان حتى تعلم آخر القصّة ،ومن هذا الرّجل الذي يقولون عنه أبوها ،لمّا دخلت القصر ،ومثلت في حضرة السّلطان ،بقي يتأمّلها بدهشة ،ثم نادى إمرأته، وما أن شاهدتها حتى ضمّتها لصدرها ،وبدأت تبكي وتشهق، وخنقت العبرات أيضا أباها، ثمّ مسح دموعه و،قال: تعالي يا حنان، إجلسي بجانبي لأقصّ عليك حكاية مضى عليها خمسة عشر عاما ،كانت البنت تستمع ثم قالت في نفسها :إذا ما قاله إبن العرّاف كان الحقيقة ،وما أغربها من قصّة !!! ثم أمر السّلطان بإحضار محمّد ،فرمى به الحرس أمامه ،وهو مقيد بالأصفاد ،ثم قال له أنت متّهم بالسّحر ،وخطف فتاة هي إبنتي ،ولهذا سأضرب عنقك ،لكن حنان كانت ترثي لأمّه المريضة ،وقالت لأبيها : إعلم أنّك قتلت أب هذا الفتى ظلما ،ومن حقه أن يأخذ بثأره منّا !!! لم يجد السلطان ما يقوله ،فصاح أبعدوه من أمام وجهي !!!
ولمّا جاء خارجا شكرها ،لكن ردّت عليه :لم أفعل ذلك إلا لأجل أمّك ،قال لها :كلّ ما أخذه شعبان من ذهب حلال عليه ،فهو فتى شهم ويحبّك ،وهو تاجر شاطر ولا أستبعد أن يصير شهبندر التجار،والآن أستودعك الله ،سأل السلطان إبنته ماذا ستفعلين الآن ؟ أجابته :لقد تزوجت من تاجر إسمه شعبان، والآن لي بيت وسط المدينة ،وناس يحبّونني !!! فقال أبوها :إذن سأذهب معك لرؤية زوجك، وآخذ هدية نفيسة له ولأهله ،مشى الموكب في الأزقّة والحارات ومعه الأبواق والأعلام ،واصطف النّاس وهم يهتفون للسّلطان بطول العمر .
أمّا الإخوة السّبعة فإنّهم إستبطؤا الحرّاث ،وخرجوا للبحث عنه، وفي الطريق شاهدوا موكب السّلطان، وأطلت عليهم حنان من نافذة االعربة، ورفعت لهم يدها ،فتجمّعوا ،وقالوا :ويحها ماذا تفعل برفقة السلطان ؟ ولا بدّ من عقابها على حادثة البئر ،توقّف الموكب ،وخرج السّلطان ،ثم قال :لهم هذه إبنتي، ولقد أرسلتها لمّا كانت صغيرة لتعيش معكم ،أمّا عن الولد الذي كان معها في البئر فهو زوجها الآن، ولقد أنقذها من الموت ،إقترب الحرّاث ،وقال : لم أر مثل أختكم في عفّتها وأخلاقها،ونساء القرية هنّ من يستحقنّ العقاب على طول ألسنتهنّ !!!
سار الجميع إلى دار الحاج عمر التي إمتلأت بالضّيوف ،وأرسل الشّيخ لإبنه ليقفل الدّكان ،ويأتي لرؤية أصهاره،وجاء ي شعبان يجري ،وهو لا يفهم شيئا ممّا يحصل ،وحين دخل الدار ،وعرف الحكاية تعجّب أشدّ العجب ،وقال له أبوه: لأنك ولد يخاف الله، فقد وسّع في رزقك ،وأعطاك من حيث لا تعلم ،الآن قم وانحر أربعة من الخرفان، لنعد وليمة لضيوفنا ،ولتوزّع أمّك علينا الحلوى وشراب اللّوز ،هيّا فهذه الليلة ستكون طويلة …

***النهاية***

من حكايا العالم الاخر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق