إسال طبيبك في الطب البديل
هذه فوائده.. الملح متهم بريء لم تثبت إدانته
إن تناول ضعف الكمية الموصى بها من الملح يوميا، قد يزيد من متوسط العمر".
الملح هو الصخر الوحيد القابل للأكل، منذ أن اكتشفه الرعاة قديما جدا، ليُستخدم على مر العصور في الطهي والتجارة، ويأخذ مكانه في جميع مطابخ العالم. ورغم ذلك ظل على مدى عقود، مُتهما بالإضرار بالصحة.
فقد ظلت منظمة الصحة العالمية، تحذر من استهلاك أكثر من 5 غرامات (أقل من ملعقة شاي)، من الملح للفرد يوميا، باعتبار أن ذلك قد يُسهم في ارتفاع ضغط الدم، ويزيد من أمراض القلب والسكتة الدماغية.
كما أجمعت 13 دراسة على مدار 35 عاما، على أن تناول 5 غرامات إضافية من الملح يوميا، يزيد من خطر الإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية بنسبة 17%، وبالسكتات الدماغية بنسبة 23%، وفقا لموقع “بي بي سي” (BBC).
غير أن باحثي تلك الدراسات “أقروا بصعوبة معرفة، ما إذا كانت هذه النتائج تحدث بتأثير من الملح فقط، أم بسبب نمط الأكل والمعيشة”. ليكون ذلك سببا في بدء جولة من الدراسات الجديدة، التي هزت الثوابت القديمة، بتأكيدها أهمية الملح وفائدته لصحة الإنسان.
الملح بريء
رغم أن جمعية الأغذية الألمانية توصي بألا تتجاوز كمية الملحالمستهلكة 6 غرامات يوميا، “فإن الواقع يقول إن وجود الملح في الكثير من الأطعمة الجاهزة والجبن والخبز، يؤدي حتما إلى تجاوز مقدار الملح الموصى به في اليوم الواحد لكل شخص”.
وأظهرت دراسة كندية، أجريت على مدى 8 سنوات، ونُشرت عام 2018، وشملت 95 ألف شخص من 18 بلدا، بينها كندا والسويد وبولندا والصين، “أن الملح ليس ضارا إلى الدرجة الشائعة عنه، ولا ينبغي القلق لاستهلاك الفرد 12 غراما منه في اليوم (ضِعف الكمية الموصى بها)”.
كما بحثت الدراسة في مدى مسؤولية الملح عن ارتفاع ضغط الدم، الذي يؤدي بدوره إلى السكتات القلبية والدماغية واحتمال الوفاة، فوجدت أنه “من الصحيح أن الملح يزيد من ضغط الدم، لكنه لا يتسبب بالضرورة بأمراض الدورة الدموية، أو احتمال الموت”.
وأكدت أن “من يستغنون عن الملح، أو يقللون استهلاكه بنسبة كبيرة، قد يكونون أكثر عُرضة للموت المبكر”.
دراسة أخرى نُشرت في مجلة القلب الأوروبية عام 2020، وخرجت بنتائج جديدة وصفها أحد الباحثين المشاركين فيها بأنها “مذهلة”. مفادها أن “التوصيات بخفض الصوديوم قد تكون غير مجدية، وتأثيرها على العوامل الغذائية الأخرى غير مؤكد، وفعاليتها في الحد من أمراض القلب والأوعية الدموية غير مثبتة”.
ليس هذا فحسب، بل “إن تناول ضعف الكمية الموصى بها من الملح يوميا قد يزيد من متوسط العمر”، وهو استنتاج يقلب نظرية أن “الملح مضر” رأسا على عقب.
الملح مفيد
ويقول البروفيسور فرانز ميسيرلي، طبيب القلب السويسري، الذي قاد الدراسة الأخيرة، إن “النساء في هونغ كونغ، لديهن أعلى متوسط عمر في العالم، حيث يعشن في المتوسط 87 عاما، ويبلغ متوسط وزنهن 56 كيلوغراما، ويتناولن 9 غرامات من الملح يوميا، وهو ما يزيد بمقدار غرام عن استهلاك البريطانيين العاديين، الذين يتناولون ضعف ما يتناوله الأميركي العادي، ومع ذلك يعيشون لفترة أطول”.
وبعد أن قارن، هو وفريقه، بين استهلاك الملح ومتوسط العمر المتوقع في 181 دولة، وبعد مراجعة أكثر من 500 ورقة بحثية عن استهلاك الملح وضغط الدم وأمراض القلب، خلص ميسيرلي إلى أن “الغالبية العظمى منا لا يحتاجون إلى مراقبة تناول الملح، بل المزيد من الملح سيكون مفيدا لصحتهم”. فهناك أشياء كثيرة تستنفذ الملح من الجسم، مثل “التمارين والكافيين والأدوية”.
ونصح بتفادي الحد من تناول الملح أثناء ممارسة الرياضة، “حيث يؤدي التعرق إلى نقص الملح في الجسم. فيرفع ضربات القلب، وهرمونات التوتر، ومستويات الإنسولين، وقد يُخفض ضغط الدم”.
ويشكل اعتقاد ميسيرلي بعدم الحاجة إلى مراقبة تناول الملح، دعما للادعاءات التي قدمها دكتور جيمس دي نيكولانتونيو، عالم أبحاث القلب في الولايات المتحدة، في كتابه إصلاح الملح (The Salt Fix)، عام 2017، حيث قال إن “ما يقرب من 80% من الأشخاص الذين يعانون من ضغط دم طبيعي، ليسوا حساسين لتأثيرات الملح في رفع ضغط الدم على الإطلاق”. فنسبة صغيرة من الناس فقط “حساسون للملح”، في حين أن الغالبية محصنة من آثاره السلبية، إلى حد كبير.
السر في الاعتدال
ليس من السهل إقناع الناس بالتخلي عن الملح، والأفضل هو نصحهم بالاعتدال في تناوله. وكتب السير جورج بيكرينغ، أستاذ الطب في جامعة أكسفورد، منذ أكثر من نصف قرن، أن “النظام الغذائي الصارم منخفض الصوديوم غير مشبع، ورتيب، والالتزام به يتطلب زهدا دينيا متشددا”.
لذا أشار مؤلفو الدراسة الكندية إلى أن أبحاثهم لا تنطبق على البلدان المعتدلة في استهلاك الملح، كإنجلترا والولايات المتحدة. لأن تناول الملح مرتبط بأمراض القلب والأوعية الدموية والسكتات الدماغية، في المجتمعات التي يزيد استهلاكها عن 12.5 غراما من الملح يوميا فقط، كالصين.
كما نبهوا إلى أن “تأثير استهلاك الملح على ضغط الدم وصحة القلب، يختلف من شخص لآخر، بناء على عوامل تتعلق بالعِرق، والسِن، وحساب الوزن إلى الطول، والصحة العامة، والتاريخ المرضي للعائلة”. فهناك أشخاص “أكثر حساسية للملح جينيا”، بشكل يجعلهم أكثر عرضة لارتفاع ضغط الدم، عن غيرهم، جراء تناوله.
كما كشف الباحثون أن “تناول أقل من 5.6 غرامات، أو أكثر من 12.5 غراما من الملح يوميا، قد يتسبب في متاعب صحية”. حيث تؤدي المستويات المنخفضة جدا من الملح، إلى المزيد من النوبات القلبية والوفيات.
وهو ما يعني أن تناول الملح باعتدال قد يكون السبيل الوقائي الوحيد، نظرا للأدلة التي تشير إلى أن “تناول كميات معتدلة، مفيد لصحة القلب والأوعية الدموية، أما الاستهلاك المرتفع جدا، أو المنخفض جدا، فقد يكون أكثر ضررا”.