مقالات

التضامن الخارجي مع قادة المبادرة الوطنية في إضرابهم عن الطعام عام 1995

الاعلامي هاني الريس / الدنمارك

أعلن قادة المبادرة الوطنية، الذين دخلوا في حوار سياسي مع وزير الداخلية البحرينية محمد بن خليفة آل خليفة، والعميد المتقاعد، أيان هندرسون، رئيس جهاز المخابرات البحرينية، داخل السجن، وذلك من أجل حلحلة الاوضاع الصعبة التي كانت تعيشها البلاد في ظل استمرار القبضة الحديدية الامنية الصارمة وتكميم الافواه، بعد أن تصاعد حدة المقاومة الشعبية في أنحاء البحرين، في اعتصام نخبوي تخلله اضراب عن الطعام في منزل سماحة الشيخ عبدالامير الجمري في بني جمرة بعد ان تنصلت السلطة البحرينية عن تنفيذ الاتفاق الذي كان يقضي بايقاف المحاكمات والعمل على اطلاق سراح قادة الانتفاضة الدستورية وجميع المسجونين والمعتقلين في سجون البحرين الذين بلغ عددهم اكثر من الف معتقل وسجين وموقوف على ذمة التحقيقات، وذلك على دفعات متقاربة من أجل تهدئة الوضع.

وشارك في فعاليات هذا الاعتصام الذي أستمر لمدة عشرة أيام كاملة من دون طعام أو شراب، كل من فضيلة الشيخ عبدالامير الجمري، وفضيلة الشيخ حسن سلطان، وفضيلة الشيخ علي بن أحمد الجدحفصي، وفضيلة الشيخ حسين الديهي، والاستاذ عبدالوهاب حسين، والاستاذ حسن مشيمع، والسيد إبراهيم السيد عدنان، وآخرين، حيث لفت المعتصمون المضربون عن الطعام، من أن الدافع الاساسي لهذا الاضراب هو شعورهم بالمسؤولية الوطنية والدينية، والرغبة في تجنب البلاد العودة الى الازمة من جديد، واوضحوا من بين الاسباب الانكار الحكومي الرسمي لوجود الحوار المسؤول وعدم التوصل مع المسؤولين في وزارة الداخلية البحرينية الى نتيجة حاسمة في مسالتي الافراج عن كافة المعتقلين غير المحكومين وايقاف المحاكمات الصورية.

وفي اليوم التالي للاعتصام تضامن مع المعتصمين والمضربين عن الطعام إثنان من اعضاء المجلس الوطني المنحل، علي قاسم ربيعة، ومحسن مرهون، بالاضافة إلى عضوي العريضة الشعبية المحامي أحمد الشملان، والسيد إبراهيم كمال الدين. كان هذا الاضراب بمثابة قضية الساعة في ذلك الوقت، وكانت رسائل التضامن والتعاطف، مع المعتصمين، تصلهم من كل حدب وصوب، سواء على المستوى الوطني أو الخارجي، وقد إزداد القلق والتوتر شدة في مختلف مناطق البلاد بعد سماع الاخبار المتداولة عن نقل اثنان من قادة الانتفاضة المضربين عن الطعام في منزل الشيخ الجمري، بعد يومين من الاضراب، وهم سماحة الشيخ عبدالامير الجمري، وسماحة الشيخ علي بن أحمد الجدحفصي، والسيد عدنان السيد إبراهيم، إلى المستشفى، ولحق بهم في اليوم الرابع، سماحة الشيخ حسين الديهي، الذي نقل الى المستشفي الدولي بعد تدهور صحته.

في هذا الاثناء، صدرت بيانات عديدة من شخصيات دينية ووطنية من بينها السيد علوي الغريفي والسيد جواد الوداعي والشيخ عبدالحسين الستري، داعمة ومؤيدة لهذا الاعتصام، وكذلك خطباء المساجد واساتذة الجامعات والمحامون والاطباء، واصدرت لجنة التنسيق بين الجبهة الشعبية وجبهة التحرير الوطني البحرينية، بيانا مؤيدا للاعتصام والاضراب عن الطعام، واعتبرته بمثابة خطوة ضغط على السلطة من أجل تخفيف هجومها الكاسح على المعارضة، وعبرت حركة احرار البحرين الاسلامية عن تاييدها الشديد لتلك الخطوة، وطالبت المعتصمين بالصمود، فيما وقفت الجبهة الاسلامية لتحرير البحرين موقف المتفرج، ولم تعلن عن موقفها بوضوح من ذلك الحدث في بيان أو ما شابه.

وفي حينها تلقيت اتصالا هاتفيا من الامين العام للجبهة الشعبية في البحرين، عبدالرحمن النعيمي، في دمشق، تحدث فيه عن أهمية مساندة الجبهة الشعبية في البحرين، للقادة المعتصمين في منزل سماحة الشيخ الجمري، وقال انه تحدث هاتفيا بالناطق الرسمي بإسم لجنة المبادرة والاعتصام، الاستاذ عبدالوهاب حسين، وأعرب له عن تضامن الجبهة الشعبية، مع المعتصمين والمضربين عن الطعام، وثمن صمودهم. وفي هذا السياق حث عبدالرحمن النعيمي، جميع أعضاء قيادة الخارج للجبهة الشعبية، على الاتصال بالمعتصمين لمؤازرتهم والتضامن معهم على مستوى تلك المحنة.

ومن جهتي قمت بإتصال هاتفي بالاستاذ عبدالوهاب حسين، وتحدثت له بصفتي عضو في لجنة قيادة الخارج للجبهة الشعبية، عن دعمنا للموقف الشجاع لجميع المعتصمين والمضربين عن الطعام في منزل سماحة الشيخ الجمري، وصمودهم في وجه إجراءات وقرارات السلطة البحرينية، وثمن الاستاد عبدالوهاب حسين، موقف الامين العام للجبهة الشعبية في البحرين المناضل الوطني عبدالرحمن النعيمي، المتضامن مع الاعتصام، وتقدم بالشكر لجميع قادة الجبهة الشعبية المتصلين به من الخارج .

بيان تضامني مع شيخ المجاهدين في البحرين، سماحة الشيخ عبدالامير الجمري .. ولماذا رفضت كل من الجبهة الاسلامية لتحرير البحرين، وجبهة التحرير الوطني البحرينية، التوقيع على بيان المعارضة التضامني مع سماحة الشيخ عبدالامير الجمري، بعد مسرحية قصر الرفاع ؟

بعد تمرير مسرحية المؤامرة المكشوفة، التي حاك خيوطها جهاز مخابرات، خليفة ـ أيان هندرسون، ضد سماحة الشيخ عبدالامير الجمري (الزعيم التاريخي للانتفاضة الدستورية، ورمز النضال الوطني، الذي وحد صف جبهة المعارضة الوطنية في البحرين) والتي كانت قد تمثلت بقرار اطلاق سراحه من السجن في مقابل تعهده بالتزام الصمت والعمل على تهدئة الشارع الملتهب ضد السياسات السلطوية الاستبدادية والقمعية، وإجباره على قراءة رسالة إعتذار مفبركة، في قصر في الرفاع، في حضور (الشيوخ الاربعة) حاكم البحرين عيسى بن سلمان آل خليفة، وولي العهد ووزير الدفاع حمد بن عيسى آل خليفة، ورئيس مجلس الوزراء خليفة بن سلمان آل خليفة، ووزير الداخلية محمد بن خليفة آل خليفة، وخامسهم وزير الاعلام محمد بن ابراهيم المطوع، عما قيل عن (أقترافه للذنوب الكبيرة) في حق القيادة السياسية و(السلطة الشرعية) في البحرين، وتحريض المجتمع على قلب نظام الحكم بالقوة.

في لحظة كانت مؤثرة للغاية أصبت خلالها بصدمة موجعة تهز الجسد والمشاعر، حينما كنت وكثيرين غيري نشاهد فصول هذه المسرحية الهزلية، التي تصدرت نشرات الاخبار التي كان يبثها تلفزيون البحرين، على مدار ال 24 ساعة من الوقت، فلم أكن اتمالك أعصابي ولم أتمكن بالمطلق من تحمل تلك المشاهد الموجعة والمؤلمة، وحينها لم يسعني إلا أن أدعوا لسماحة الشيخ الجمري، بالنجاة من هول الكارثة التي تصدى لها بمفردة داخل القصر، أمام وحوش السلطة والحكم الذين ظلوا يكنون بالغ الكراهية والحقد على نضالات سماحة الشيخ الجمري، ويريدون كسر هيبته ووقاره.

سارعت حينها في الاتصال بالاخوة، الدكتور عبدالهادي خلف، والدكتور سعيد الشهابي، وعبدالرحمن النعيمي، ولم أكن أود الاتصال بالدكتور منصور الجمري (الذي كان حينها يشعر بنوع شديد من الضغوط النفسية خاصة وأن الضربة الانتقامية، التي تعرض لها والده كانت موجعة وعنيفة) لكي أحثهم جميعا على الوقوف إلى جانبة في تلك المحنة وإصدار بيان تضامني مع هذا الزعيم الوطني الفذ، والذي أصبح رمزا لجيل بالكامل، وحاولت السلطة البحرينية الانتقام منه، وذلك من أجل رفع معنوياته، التي ربما أصابها القلق العميق والوحشة التي أصبحت بادية على ملامح وجهه، وقد وضعت هذه المسألة في موضع التركيز الحاد عليها.

رحب الجميع باستصدار هذا البيان، وتكفل عبدالرحمن النعيمي بصياغته وكتابته، وكان يليق بمستوى نضالات وتضحيات ومقامات شيخ المجاهدين والمناضلين في البحرين. وتم عرض هذا البيان على أعضاء لجنة التنسيق بين الجبهة الشعبية وجبهة التحرير الوطني البحرينية، وحركة أحرار البحرين الاسلامية، وكذلك الدكتور عبدالهادي خلف، كما أرسلت منه نسخة وهي عبارة عن مسودة عبر الفاكس إلى الجبهة الاسلامية لتحرير البحرين، من أجل أن يتكاتف الجميع، مع هذا الرمز الوطني الكبير، للمراجعة وتسجيل الملاحظات المهمة قبل نشر البيان وتوزيعه على مختلف وسائل الاعلام العربية والدولية.

واجه البيان للاسف الشديد معارضة واضحة وصريحة، من قبل جبهة التحرير الوطني البحرينية، وكذلك الجبهة الاسلامية لتحرير البحرين، وأحجمت قياداتهما عن التوقيع عليه، وذلك تحت ذريعة واهية وهي، أن الشيخ عبدالامير الجمرى (أوقع نفسه وجماعته وكذلك المجتمع البحريني برمته في مأزق) وأضافوا:” في حين أن كواكب من شباب البحرين قدموا أرواحهم فداء للشعب والوطن، فأن الشيخ الجمري، الرجل الهرم، والذي ظل يرفع شعار “هيهات منا الذلة” يتقهقر في هذه اللحظة الحرجة ويتنازل ليس فقط عن حقه الوطني المشروع، بل أيضا حق المجتمع الذي ظل يدافع عنه، وبشكل مذل ومثير للدهشة، ولم يكن في وسعه حتى الصمود القصير في وجه الضغوط والتحديات الكبيرة.

وفي تصريح مقتضب وغاضب من جهة الامين العام للجبهة الاسلامية لتحرير البحرين، الشيخ محمد علي المحفوظ قال فيه:”أن الشيخ الجمري، أقدم على خطوة بالغة الخطر والخطورة، وغير مبررة على المستويين السياسي والديني، بمثوله أمام هذه الطغمة الخليفية الحاقدة، وأن ما قام به قد أثار بعض الغضب والاحباط حتى بين من كانوا يناصرونه في المحنة”، وتجاهل كل من الامين العام لجبهة التحرير الوطني البحرينية أحمد إبراهيم الذوادي، والعضو القيادي في نفس الجبهة يعقوب الجناحي، حيث لم يبقى من قيادات جبهة التحرير في لجنة التنسيق سوى هذين الشخصيتين فقط، هذه المسألة ورفضوا التوقيع على البيان.

وللاسف الشديد لم يأخذ جميع المعترضين والممتنعين عن توقيع البيان التضامني مع سماحة الشيخ الجمري، في الاعتبار حجم كل الضغوطات القاسية والمؤلمة، التي مارستها أجهزة القمع الوحشية ضد سماحته ومعه أيضا جميع أفراد عائلته، الذين تعرضوا للامرين من حماقة السلطة وبطشها، ولم يقدروا ظروف معاناته الصحية والنفسية التي تدهورت بسرعة شديدة من جراء تلك الضغوط الشرسة والعنيفة، ومآسي زنازين السجن المعتمة الذي ظل يقبع فيها على مدار سنوات الانتفاضة الدستورية، وذلك بسبب خدمته وتفانيه لقضايا الشعب والوطن، وحرصه على وحدة وتماسك الجبهة الوطنية، ومحاربة الظلم والفساد وتجويع الناس وتفرد الفئة الواحدة بعمليات صنع القرار السياسي في البحرين.

ولكن على الرغم من كل هذه الاعتراضات والانتقادات، تم إصدار هذا البيان التضامني، الذي حمل تواقيع كل من، عبدالرحمن النعيمي، والدكتور سعيد الشهابي، والدكتور عبدالهادي خلف، وعبدالنبي العكري، ومحمد عبدالجليل المرباطي، وأنا (هاني الريس)، وتم نشره بعد ذلك في مختلف وسائل أعلام المعارضة البحرينية في الخارج، وفي عدة صحف عربية من بينها جريدة “القدس العربي” وجريدة “العرب” الصادرتين في لندن. واوضح البيان، أن الشيخ الجمري، قد اجبر عبر استخدام وسائل القوة والخداع المبرمج، على تلاوة (رسالة أعتذار عن ذنوب لم يرتكبها على الاطلاق) وذلك في محاولة لتحجيم دوره وإحباط عزيمته. وبهذا التصرف الأحمق، أرادت السلطة البحرينية، أن تدخل البلاد في حمامات دم جديدة، لولا يقضة العقلاء من أبناء البحرين، الذي حاولوا درء كل المخاطر المحدقة بالمجتمع، من خلال تجنب الاستفزازات والمواجهات العنيفة مع السلطة.

مسرحية قصر الرفاع:

ما جرى في قصر الرفاع في حق سماحة الشيخ الجليل عبدالامير الجمري، من ظلم وجور وإذلال يعتبر بكل المقاييس جريمة سياسية منظمة أخرجتها السلطة البحرينية على شكل مسرحية عبثية وساخرة بزعيم المعارضة الوطنية والاسلامية، من أجل التشفي والانتقام منه على جميع مواقفه البطولية المشرفة، واصراره الشديد والواضح على مواصلة الدرب من أجل الدفاع عن الأمة والنضال من أجل نشر العدالة الاجتماعية والديمقراطية والحرية وحقوق الانسان. أكثر من أي شيء آخر. فبعد أن أنهكت السلطة قواه في المعتقل وفي المطاردات اليومية المستمرة، استطاعت، أن تغدر به، وتستفرد به وتهين كرامته ووقاره كيف ما شاءت ورغبت وخططت.

وذلك بعد أن أطلقت وعودها الكاذبة بأطلاق سراحه من أجل تهدئة بركان الغضب الجارف، الذي انتاب الشارع البحريني في ذلك الوقت، واجراء مصالحة وطنية تنهي أسباب التوتر والازمة، (في خطوة ترجمت في وقتها على أنها ضربة قاصمة لظهر الحركة الاحتجاجية المطلبية السلمية) وهددت السلطة، بكل ما تملك من جبروت، في مواجهة كل من يتحدى مشاعر (القيادة السياسية الرشيدة والحكيمة) ما جرى ليس فيه أي ذرة أخلاق وتسامح وانسانية، ولا أحترام لقدسية ومقامات رجال الدين، ولا أعتراف بتمثيل صوت الارادة الشعبية، إلا بفرض أساليب القوة المفرطة، وفرض ضرورة الأمر الواقع على المجتمع البحريني برمته. ويمتنع الشيخ الجمري عن التعليق على ذلك الامر، ويكتفي برفع اشارة النصر، التي توحي إلى أن كفته في المعادلة السياسية وحدها فقط، تساوي شيوخ آل خليفة الأربعة وخامسهم وزير الأعلام. لكن سلطات البحرين فرضت عليه الاقامة الجبرية في منزله في بني جمرة وضيقت عليه الخناق ومنعته من الخروج إلى الشارع ومن زيارات الناس، إلى منزله، ولا شك من أن هذا الامر غير المبرر وغير الاخلاقي، يشير إلى أن خوف السلطات البحرينية، من شعبية سماحة الشيخ الجمري، هو أمر يفوق الواقع.

هاني الريس

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق