مقالات

دور الجيوش الإلكترونية في زمن الحروب المعلوماتية

بقلم: د. سهير المهندي

بات مصطلح «الجيوش الإلكترونية» و«الذباب الإلكتروني» يتداول بكثرة في الآونة الأخيرة عبر وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي رغم قدمه، حيث أضحت هذه المفردة علامة ذات مضمون ومعنى يستخدم في الجانب السياسي أكثر من غيره من الجوانب الأخرى، وعلامة فارقة ومهمة ضمن الاستراتيجيات، حتى أصبح السؤال الذي لا بد من طرحه اليوم ضمن التطورات والتغيرات والمتطلبات السياسية المتسارعة والعصر الإلكتروني والفضائي الصاعد، هل أصبح تشكيل الجيوش الإلكترونية «جنود الظل» ضرورة ملحة اليوم»؟

بمجرد التفكير في هذه الضرورة وتشكيل الجيش الإلكتروني تتوالى الكثير من التساؤلات: هل هناك إدارات معنية بهذا الأمر؟ وهل تخصص له ميزانية لتسخير الإمكانيات والكوادر القائمة على وظيفة وعمل هذه الجيوش الإلكترونية «جنود الظل»؟ وما هي التحديات اللازمة في ظل الصراعات الدولية وغيرها من الأحداث التي تتطلب مواجهات إلكترونية؟ وهل سيكون العاملون فيها كموظفين أم متطوعين أم جنود وطنية بحسب ما تتطلبه الحاجة والضرورة؟ ومن هم العاملون ضمن هذه الصفوف ومهاراتهم؟ وما هي الأجندة التي تعمل عليها هذه الجيوش الإلكترونية؟ وهل تحتاج الدول إلى الجيوش الإلكترونية بأنواعها المختلفة.

هناك ثلاثة أنواع من هذه الجيوش الإلكترونية: 1- الجيوش الإلكترونية ذات القبعة البيضاء الصالحة التي تستخدم قدرتها بصورة شرعية لا تضر بمصالح الآخرين وتشكل خط الدفاع والحماية (انموذجًا) الجيوش الإلكترونية الطبية في ظل الجائحة الفيروسية (كوفيد-19)، 2- الجيوش الإلكترونية ذات القبعة السوداء وهي المضرة التي تضر بمصالح الآخرين لتحقيق أهداف غير شرعية مثل السرقات والاختراقات وغيرها من التنمرات عبر وسائل التواصل الاجتماعي في ظل الحروب الباردة والناعمة وحروب العالم الافتراضي.

 3- الجيوش الإلكترونية ذات القبعة الرمادية والمتراوحة ما بين الإصلاح والعبث، حيث تتنوع مهام هذه الأنواع الثلاثة وفق ما حدده رئيس مركز «زيكوريون» للاستشارات الأمنية وتحليل المعلومات «فلاديمير أوليانوف» في ثلاث نقاط رئيسية هي:

1-التجسس. أي العمل في الحصول على المعلومات السرية والتنصت على شخصيات ومؤسسات.

2-الهجمات الإلكترونية التي يكون التركيز الفعلي لها على نظم المعلومات المستخدمة ووسائل حمايتها وشبكات الاتصالات وعناصر للبنية التحتية الهندسية.

 3- الحرب الإعلامية الإلكترونية بمفهومها الواسع وبمختلف وسائلها التأثيرية على أمزجة سكان البلاد وسلوكياتهم، ومسرحها الرئيس وسائل الإعلام، وشبكات التواصل الاجتماعي، والتي يصعب تقييم فعاليتها بشكل متزن قبل الحصول على نتائج نشاطها التي ستحدد مستقبلاً لكون هذا الاتجاه جديدا وواعدا، وهذا ما يجب التركيز عليه والاهتمام به أكثر عن غيره من المهام ضمن الأنواع الثلاثة للجيوش الإلكترونية.

فالجيوش الإلكترونية بأنواعها الثلاثة والمخصصة للقيام بمهمة الحرب الإعلامية هي المتصدرة في الوقت الحالي، لكون وسائلها الإلكترونية المتعددة الأشكال والتطبيقات في متناول اليد، محققة النوايا والمقاصد والتنمر بأشكاله، لكون وجود مثل هذه القوات في وقت السلم تأمينا للموارد المعلوماتية، وفي وقت الحرب استعدادا لتدمير منظومة التحكم لقوات الدولة العدو التي ينشب نزاع معها، حيث تكون هناك مجموعة من الأشخاص يعملون وفق أجندة خاصة لصالح جهات سياسية أو أمنية أو مجتمعية أو إعلامية أو اقتصادية أو أهلية أو حزبية أو مؤسسية عن طريق إنشاء حسابات بأسماء وهمية وإدارتها بواسطة روبوتات تشارك في النقاشات، وتدعم وسوما معينة لإيصالها إلى المراتب الأولى، وتخترق مواقع إلكترونية لشخصيات ومؤسسات ودول، وتروج لأفكار عليهم تسويقها لتصبح «تريند» على مواقع إلكترونية، ولا سيما إذا تبنّاها أصحاب حسابات موثوقة من ذوي المصداقية العالية، وذلك للوصول إلى أكبر شريحة ممكنة من روّادها، بهدف صناعة رأي عام منهم والتأثير عليهم وإقناعهم بهذه الأفكار لمواجهة ما يُروّج له الخصم وللتشويش على آرائه.

قد تكون هذه الأفكار عبارة عن أكاذيب وشائعات وأمور ملفقة، وقد تكون حقائق مثبتة بالدليل والوثائق أحيانًا أخرى، وما يحصل خلال أي انتخابات قد يكون أبرز مثال، إذ إن الجيش الإلكتروني الأكثر قدرة على التأثير على الرأي العام على منصات التواصل، غالبًا ما يكون الأكثر قدرة على قلب المعطيات، وتكون كفّته أرجح في صناديق الاقتراع.

الحروب بين الجيوش الإلكترونية تقتصر على حسابات يُديرها جنود فعليّون، ولا تُستخدم عادة فيها الحسابات الوهمية الموجهة التي تُدار من مكتب هنا ومن مكتب هناك، تلك الأخيرة تدخل في بازار «التريند» و«الرايتينج» على مواقع التواصل، وحتى في استطلاعات الرأي، ويهدف أصحابها إلى جني الأموال من خلال بيعها وتجييرها، وهو ما يطرح علامات استفهام حول مصداقية ما نراه على موقع تويتر مثلاً في هذا الشأن تحديدًا.

في خضم الصراعات بين الجيوش الإلكترونية على مواقع التواصل الاجتماعي لا بدّ من أن يتسلّح قادة الرأي بقدرٍ كافٍ وعالٍ من الوعي والمسؤولية في مواجهة الأفكار التي يطرحها الخصم والعدو، ولا سيما عندما يتعلق الأمر بصراع مع طرف خارجي. فالمُنتصر في نهاية المطاف سيكون الطرف القادر على تسويق أفكاره افتراضيًا، والقادر على تبيان الحقيقة فيما يتعلق بما يروّجه الطرف الآخر، والقادر على خلق حالة إرباك وبلبلة لدى جمهور الخصم، حيث سيكون قادرًا على ترجمة انتصاره على أرض الواقع.

وبحسب دراسة نشرها مركز زيكوريون بينت أن أمريكا لديها أقوى جيش إلكتروني يضم 9 آلاف فرد بميزانية تصل إلى 7 مليارات دولار سنويا، وتليها الصين التي تضم 20 ألف فرد بميزانية 1.5 مليار دولار ثم بريطانيا 2000 فرد بميزانية 450 مليون دولار، وأخيرا كوريا الجنوبية لديها 4 آلاف فرد بميزانية 200 مليون دولار.

وفي الدول العربية نرى أن الجيوش الإلكترونية أخذت دورها في الصفوف الأمامية للمواجهات والتحديات للصراعات المحلية والإقليمية والدولية، ومنها أنموذجًا ما حدث في العراق في عام 2010 عندما قامت أحزاب السلطة في العراق بالسيطرة على مواقع التواصل الاجتماعي وبالتحديد الفيسبوك، كونه الأكثر استخداما في العراق بهدف تلميع صور السياسيين الذين يمولون الصفحات في التطبيق المذكور بعد توظيف عشرات الشبان كمسؤولين ومديرين عليها، ودعم تصفية الخصوم السياسيين وإسقاطهم من خلال فبركة مقاطع مصورة لهم أو وثائق مزورة حتى تطور عمل هذه الجيوش في العراق إلى نطاق أوسع خارج حدود الدولة.

وفي مصر أثناء ما سمي الربيع العربي وغيرها من الدول العربية التي رأت مدى تأثير وسائل التواصل الاجتماعي على تحريك وانجراف الرأي العام وفق سياسات محددة وأجندات منظمة بأياد شعبية مدربة وغيرها ممن يتأثر بهذه الشعارات والمواقف من الشعوب المختلفة والشارع العام والذين شكلوا جيوشا إلكترونية للدفاع، وذبابا إلكترونيا وهميا للهجوم لكون سياسة الجيوش الإلكترونية منطلقة من نظرية الرصاصة الإعلامية أو الحرب الباردة والمرتبطة بالحروب النفسية لمدى تأثيرها على الجوانب النفسية للشعوب وتغييرها موجهة نحو ما ترفده سفن السياسات.

الجيوش الإلكترونية أو «جنود الظل» يعملون خلف الشاشات الإلكترونية ولديهم من الإمكانيات والتقنيات البرمجية التي تمكنهم من لعب دور فعال في أوقات الأزمات والحروب العصرية، الذين أصبحوا درعا أساسيا للمساهمة في تحقيق أهداف الدولة، حيث إن البعض منهم محترفو قرصنة وبرمجة استطاعوا أن يكونوا هدفا لدول لاستقطابهم للعمل ضمن الصفوف القيادية لجيوشها الإلكترونية المنظمة والمدربة والموجه ضمن أجندة استراتيجية على المدى البعيد لمواجهة أعدائها في حروب نفسية باردة، مما أثبت جدواها وكفاءتها مقارنة بالطرق التقليدية التي كانت يستخدم فيها الجواسيس والعملاء.

الحروب الإلكترونية وجيوشها هي حرب الجيل القادم التي تعتمد على مواجهة العقول بالعقول، وليس التطاول بالسباب والشتائم، كما تقوم بعض الحكومات وجيوشها الإلكترونية والتي تعتمد على التطور التكنولوجي والتقدم السريع في وسائل الإعلام والاتصال، والتي تحتاج إلى أفراد عاملين في هذه المنظومة الإلكترونية ذوي خبرة ودراية بالعمل التقني والرقمي والإلكتروني المتسارع والمتطور، وخصوصا مع بداية الألفية الثانية ودخول الإنترنت إلى الواجهة حيث أصبح كل مواطن قادرا على التعبير عن نفسه وصاحب رسالة ليكون هو المرسل والمستقبل في آن واحد.

ومن هنا تنبهت السلطات  في منطقتنا العربية إلى الكارثة الجديدة فبدأت تبحث عن بديل لتكون المعلومات عبر الشبكة الإلكترونية في صالحها معتمدة على نظرية الرصاصة أو الحقنة في الوريد ذات التأثير السريع والقوي للمواطن، فكانت الجيوش الإلكترونية الممولة من أجل أن تكون مدافعة عن النظام السياسي ومانعة لأي مواجهة له أو معارضة، حيث أصبح البعض يطلق على هذا المسمى الجيوش الإلكترونية «الجراثيم» لكونها تساهم في نشر نزعات التفرقة العنصرية وأصبح انتشارها كالذباب لا فائدة منه، وإن كان البعض منها يساهم في حمل بعض القضايا الإيجابية عبر وسائل التواصل الاجتماعي وبالتحديد الفيسبوك والتويتر والتي يرسم البعض منها صورة ذهنية ايجابية عن بعض الدول أو القضايا أو الظواهر التي بدأت تبرز وتتضمن سياسات الدولة وأجندتها الرسمية والشعبية.

ومن هنا ومن منطلق هذه الأهمية لكون الحرب الإلكترونية واقعة لا محالة، يضاف إلى ذلك التطور المتواصل في عمل «هاكرز العدو» الذي يمكن أن يعطل الخوادم واختراقها، أصبح متطلب الجيوش إلكترونية وتوفيرها ضرورة في الوقت الراهن مدربة ومتمكنة ببنية تقنية عالية، بهدف الحماية والقدرة على المواجهة ضمن استراتيجيات الدولة وأجندها التنموية والتطويرية، وعليه بات لزاما استعداد الحكومة الإلكترونية ضمن استراتيجياتها الجديدة تبني أساليب وأدوات الذكاء الاصطناعي لهذا التأسيس ضمن خطط إدارة الأزمات لمختلف أنواع المواجهات بعقول مدربة بالمهارات المطلوبة.

‭{‬ أكاديمية وإعلامية

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق