مقالات
(خليك في البيت ) محمد جبر الريفي غزة
في البيت الذي أقضي به الآن معظم الأوقات عملا بتوصيات الجهات الرسمية و الصحية خوفا من تفشي بفيروس كورونا الذي إشاع الهلع والخوف بين الناس لا أري مكانا مريحا يخلصني من الملل ومضيعة للوقت سوى الجلوس في الشرفة، منها أطل على الأفق وحركة الشارع وتغريد الطيور الفزعة ..كل شيء في الخارج يسكنه الهدوء على غير عادته . .اختفت أصوات الباعة المتجولين بشكل ملحوظ ولم يعد يرى المرء افواج تلاميذ المدارس وهي تتدافع وراء بعضها في طريق العودة مسرورين إلى البيت .. ولا المصلين وقد خرجوا من المسجد القريب تباعا بعد أن ارتدوا احذيتهم ووجهتم العربات المحملة بالفواكة والخضار … انتقل من مكاني في الشرفة بعد أن تعبت من الجلوس على الكرسي لأجلس على السرير، ليس بقصد الحصول على فترة من النوم فالنهار ما زال في أوله واشعة الشمس الدافئة ما زالت تشع من النوافذ وتميل على الجدران وانا عادة لا انام إلا بعد منتصف الليل حيث اسمع أخبار إذاعة لندن بدقات ساعة بيق بن الشهيرة التي تذكرني بدقات ساعة جامعة القاهرة وإذاعة أمجاد ياعرب أمجاد ..أتمدد على السرير باسترخاء تجنبا لالم المفاصل واتطلع يمينا ويسارا واحدق بالسقف وتثير انتباهي التسريحة الكبيرة فارفع راسي ناظرا نحو زجاجها اللامع فيطالعني وجهي وقد خط عليه الزمن وشاربي وقد كساه الشيب ورأسي وقد خلى من الشعر وعند إذ ينتابني الشعور بالحسرة على الزمن الجميل الذي توارى ..ملاعب الطفولة والبحر ومراكب الصيادين وافران الحطب والقطار القادم كل مساء من مصر والجرائد والمجلات المصرية الجمهورية وأخبار اليوم والمصور وآخر ساعة وروز اليوسف وصباح الخير ورئيس تحريرها الكاتب القدير التي تفيض كتاباته بالحيوية والبشر أحمد حمروش …على السرير تعود بي الذاكرة إلى أدق التفاصيل الحياتية وهي كثيرة تغطي أربع وسبعين عاما من العمر قضيت ثلاثين منها في الشتات في القاهرة وعمان ودمشق وبيروت وبغداد وطرابلس الغرب وما يوقف تداعياتها الجميلة سوى رغبتي في تلك اللحظة إلى سماع صوت فيروز الملائكي الصوت الذي لا يفوتني سماعه صباح كل يوم فالتفت إلى المذياع القريب من يدي لتداعب أصابعي مؤشر محطاته ..لقد غمرتني في تلك اللحظة السعادة وانا استمع الى اغنية عتاب اول اغنية غنتها فيروز في اذاعة دمشق وهي التي اشهرتها على مستوى الوطن العربي وكان ذلك في عام 1957 من القرن الماضي ….