من أجل ضمان أداء فعال للمؤسسات تمركزت المنافسة بينها على امتلاك الموارد البشرية المؤهلة وذات الموهبة والقدرات الفائقة من خلال البحث عن الثروات الفكرية والمهارات والابداعات والاهتمام بالبحث العلمي، واصبح نتاج العقل الانساني وتراكم الابداع العلمي والتقني سمة العصر الجديد والذي انعكس ميزاته على ادارة المنظمات والتي اصبحت بحاجة لمواهب تتسم بالابتكارية والجوهرية من اجل تحقيق الاهداف ورسم خارطة تلبي احتياجات ورغبات المواطنين .
وكما ان عصرنا الحالي يتسم بالتطور المستمر وسيطرة المعلومات والتكنولوجيا وبروز انشطة فكرية تحتاج لاستثمار مكثف لمواهب الموارد البشرية في مختلف المجالات داخل أُطر المؤسسات الخاصة والعامة وحتى القطاعات الخدمية، وهذا الامر بحاجة لادارة الموهبة وادارة الكفاءات والعقول العالية التميز كاتجاه متطور في ادارة الموارد البشرية في المنظمات المعاصرة.
فالعقول البشرية عالية التميز هي مجموع الاشخاص والافراد ذوي القدرات الخاصة والمواهب المتميزة، والذين لديهم القدرة على التفكير الابتكاري المؤثر في الانشطة الحيوية في المنظمة، فهي العناصر المسؤولة عن تميز المنظمة، وتتكون كفاءة هذه الموارد البشرية من المعرفة والمعلومات والقدرات والمواهب، ومن هنا فان ادارة الموهبة لها تاثير كبير على تطوير والاحتفاظ بالموارد البشرية النادرة من اجل نجاحها واحداث تميز في ادائها التنظيمي والاستمرار في تقدمها وازدهارها، ونجاح المنظمات مرهون باداء ادارة الموهبة.
والعقول البشرية والخبرات المتميزة والمواهب هي اصل من اصول المؤسسات وعندما يترك لها حرية التفكير والابتكار والمشاركة، فانها تُحقق العديد من المزايا للقطاعات المختلفة والمنظمات، لذا ينبغي تجميعهم وتأهليهم وادارتهم بطريقة مميزة لانها تساهم في بناء ودعم شهرة وسمعة المنظمة من خلال تقديم منتجات ومستويات جودة عالية وبالتالي تماسك واستمرار المنظمة، وهذا الامر بحاجة لادارة الموهبة والتي نعرفها ” عملية ديناميكية متكاملة تُمكن المنظمات من تحديد واستقطاب وتطوير الموهبة التي تحتاجها لمقابلة اهدافها الاستراتيجية، وتتضمن خدمات الموارد البشرية كالتعيين وتطوير القيادة والتخطيط التعاقبي وادارة الاداء والتدريب والتعلم والتعويض واخيرا الاحتفاظ بالموهبة (الزبيدي واخرون ، 2018، ص438).
تتميز العقول البشرية عالية الموهبة بسرعة الفهم والادراك خاصة في الوظائف في كافة القطاعات السوقية والانتاجية والخدمية، ولها القدرة على التحليل والقدرة على تقدير المواقف والتقييم العلمي بالسرعة الفائقة، والقدرة على الاقدام ومعرفة ادارة المخاطر، والتوجه نحو البحث والتطوير والاختراع والابتكار والتغيير الجوهري.
وتستطيع المنظمات الحصول على الاشخاص ذو المواهب من خلال طرق عديدة مثل بناء العقول والخبرات البشرية داخل المنظمة، وذلك بالتدريب والتطوير او السفر للخارج للاستفادة من تجارب وخبرات دول اخرى ومنظمات عالمية اخرى، كما يساهم تخطيط المسار الوظيفي سواء على مستوى الفرد او المنظمة في تحديد الاحتياجات الوظيفية المستقبلية للافراد، وتحديد مجالات التميز المتوقعة لهم والوظائف التي يستطيعون انجازها بكفاءة وفاعلية، كما تقوم الادارة وخاصة ادارة الموهبة بتحديد واكتشاف الافراد والخبرات المتميزة والمواهب داخل الاقسام والادارات المعنية، وثم تصميم من قبل ادارة الموارد البشرية برامج للتدريب والتعليم والتطوير الابتكاري لهؤلاء الافراد، واتاحة الفرصة لهم للابداع وهذا يكون بدعم من الادارة العليا واعتماد ميزانية تخص هذا الامر، خاصة ان تكلفة والاستثمار في الموارد البشرية ذات المواهب لا تاتي ثمارها الا في الاجل الطويل، فلذا على الادارة العليا اعتناق فكر الموهبة لتصبح ادارة الموهبة اولى اولوياتها وكاستراتيجية دائما لها، ضمن بناء الاستقطاب الذي يبحث عن الموهبة ضمن المنظمة، وتحديد وتثبيت الافراد ذو المواهب.
اما الطريقة الاخرى فهي استقطاب الخبرات المتميزة والمواهب من خارج المنظمة حيث تتعاظم في العصر الحديث اهمية الخبراء والمستشارين والفنييون المتخصصون وذلك لما لديهم من خبرات وافكار وعقول ابتكارية، لذا تلجا المنظمات للحصول على المواهب من خلال التعاقدات المحددة او التعاقد المؤقت، ومن اجل تحقيق الاهداف المرجوة من الكفاءات لا بد من تخطيطها وتنظيمها وتقييمها اي لا بد من ادارتها، وادارة المواهب تكتسي اهمية كبيرة الان حيث فرضت نفسها ضمن اهتمامات ادارة الموارد البشرية، وهي تنصب على ممارسات معينة كاعداد الميزانية للحصول على الكفاءات وتكوينها وصيانتها وغيرها، بالتالي الحصول على الاشخاص ذو المواهب من خلال خطوات تبتدئ من تخطيط الكفاءات بتقدير الاحتياجات المستقبلية، واكتساب الاشخاص ذو المواهب اما استقطاب جدد او ينتمون الى نفس المؤسسة او شراء خدمات استشارية او التعاون مع منظمات اخرى، كما تنمية الكفاءات من التدريب يعمل على تحقيق تنمية فعالة للمواهب، ومن الممكن عن طريق تكوين المواهب عن طريق الحصول على الاشخاص ذو الموهبة وتحويلها لخبرة متراكمة الى مهارات مستغلة في ادارة الاعمال، وكما ان على ادارة المنظمة او المؤسسة ان تشارك الاشخاص ذو المواهب في تحديد المعارف اللازمة لهم وان تتيح لهم الاستفادة منها واعطائهم الحرية في التفكير للحصول على مخرجات فعالة والاستمرار في التحسين المستمر ورفع مستوى ادائهم ومن هنا ياتي دور قيادة الابداع والابتكار لها تاثير في جذب العقول ذو المواهب ، وايضا للجوانب التكنولوجية والتوريد الخارجي والترقية لهم اثر في الحفاظ على الموهوبين، وايضا الاحتفاظ لهم اساس النجاح من خلال تحفيزهم للوصول الى الرضا المطلوب من خلال الاهتمام بالنواحي الصحية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية لانها تتوافق ايجابيا مع ارتفاع انتاجيتهم، وكما ان المحافظة على الاشخاص ذو المواهب يتطلب المزيد من التمكين الاداري والتنظيم المتعلم والممنهج ومفاهيم واساليب الادارة القائمة على الثقة، وايجاد الارتباط بين رسالة المؤسسة من جهة وقيم الاشخاص من جهة اخرى وتحول نمط الادارة من الادارة الكامنة الى الادارة الاستشارية التي تقدم خدمات لحل المشاكل وازالة العقبات للموظفين الذين يمثلون مهارة عالية في المنظمة.
ونستطيع الحفاظ عليهم من خلال اتباع الاساليب الحديثة والممارسات الناجحة في ادارة المواهب مثل اعطائهم الامان الوظيفي واعطائهم الحوافز ومشاركتهم كفرق العمل، والمشاركة في اتخاذ القرارات والتحول من التفضيل الى المساواة وتقليل فوارق الاجور بين الموظفين، ومن اتباع الاتجاهات المعاصرة في الحفاظ عليهم من خلال المنظمة المتعلمة التي توفر للموهوبين احدث المعارف، ومن المهم العمل على ادارة القائمة على الولاء والانتماء والالتزام، والعمل على ادارة الحب بين الموظفين الموهوبين وتعظيم الجانب الانساني والادارة بالمرح لاعطاء دافعية قوية للعمل والانتاج، والعمل على تعزيز ثقتهم في ذاتهم، وتحسين المناخ التنظيمي والتكامل في العمل الذي يعزز عملهم نحو الابداع، وتحفيزهم ماديا ومعنويا، ورفع حماس الموظفين نحو العمل من خلال تخفيف الضغط عليهم باعطاء مساحة للراحة وممارسة الرياضة، ومن الممكن اعطاء الموظف صلاحيات تساهم في اعطائه فرصة لتقديم افضل ما عنده من خلال الاثراء الوظيفي.
المراجع:
· الزبيدي، غني، الزيدي، ناظم، عباس، حسين،(2018)، الطبعة الاولى، دار الحامد للنشر والتوزيع، عمان ، الاردن.
· محاضرات الدكتور عطية مصلح، ادارة الموارد البشرية : مدخل استراتيجي، دراسات عليا، جامعة القدس المفتوحة.
