نشاطات
قصة قصيرة
(قصة قصيرة) بعنوان:
كيف تصبح لصا كبيرا دون أن يُقبَضَ عليك!!
رآه مستشارُه مغموما مهموما تَعْتَلي وجهَه سحابة قاتمة من الحيرة، فسأله:
ما بك يا مولاي على هذا الحال من الغم والتَّكَرُّب والحيرةاجاب( الكبير) بهدوء وشرود:
قَلَّبت الأمر من جميع الأوجه، فلم أجد طريقة تجنِّبُ وزرائي فضائح السُّلْطَة، ولم أعد قادرا على اختيار أعضاء حكومتي الجديدة دون أن يُشارَ إليهم بالبنان، ودون أن تحدِّقَ فيهم أعين الحاسدين كي يوقعوا بهم بسبب “نهبة” هنا و”اختلاسة” هناك، لقد أصبح استغلال المنصب للإثراء صعبا جدا، كل رجالي فاسدون مكشوفون معروفون، لم يعد بوسعهم أن يُفْسِدوا أكثر مما فعلوا حتى الآن (!!)
بمكرٍ قبل أن يندلقَ بتقديم المشورة المناسبةاجاب المستشار:
وما الذي يضيرك في ذلك يا مولاي، دعهم يُراقَبون، فيخافون، فيتنظفون، فيثق فيك شعبك (!!)
بغضب وهو ينظر إليه نظرة مستهجنة:
ما هذا الذي تقوله، هل نسيت أني أقتات على ما ينهبه هؤلاء من موازنات مؤسساتهم ووزاراتهم، بئست النصيحة نصيحتك، هكذا ستتآكل مصادر دخلي، وأتحول إلى حاكم شحاَّت، أنت تعرف التزاماتي الضخمة، لو روقِبَ هؤلاء، فخافوا فتنظفوا سأصبحُ أنا على الحديدة!!
مستدرجا إياه أكثر المستشار:
وماذا يريد مني مولاي في وضع كهذا، أنا رهن إشارة سيد البلاد، وحياتي فداه، وما عليه إلا أن يَأْمُرَ فيُطاع (!!)
بعد لحظة تفكير صامتة شاردة ودون أن يلتفتَ إليه:
أريد منك نصيحة لا تُغيِّرُ عليَّ من حياتي شيئا، لا أريد أن يَنْقُصَ شيءٌ مما تعوَّدت على تحصيله وجبايته، ولا أن يتأثر سلبا بنوبةِ خوفٍ مفاجئ أو شرفٍ مفتعل أو ضميرٍ مزيف قد تصيب وزيرا هنا أو رئيس وزراء هناك، أريد حلا من حلولك المعتادة يا مستشاري الوفي (!!)
ثم ساد الصمت وراح الحاكم ينتظرُ ردَّ مستشاره الذي تعوَّد على إسداء المشورة النافعة في اللحظة اللافحة (!!)
ثم بعد لحظات من الهدوء والصمت والتَّرَقُّب، قال المستشار:
هل يسمح لي مولاي بأن أسأله سؤالا قد يبدو اختباريا، لكني واللهُ يشهدُ ما أبغي من ورائه سوى الوصول برفقة جلالتكم إلى المَصَبِّ بأيسرِ الطرق (!!)
ثم بعد أن نظر إليه الحاكم نظرةً مستريبة فاحصة، ولأنه يعرف أسلوب مستشاره، هزَّ رأسه موافقا دون أن ينطق بكلمة، متوقعا أن يوصله مستشاره المحنَّك إلى مراده بأسلوبه الخاص (!!)
استعدَّ المستشار ليطرحَ السؤال، ثم قال بدهائه المعهود الذي وَشَتْ به ملامح وجهٍ معتادةٍ في مثل هذه المواقف:
كيف يتم إلقاء القبض على اللصوص يا مولاي (!!)
لم يستغرب الحاكم سؤال مستشاره، فهو يعرف أن وراء أَكَمَةِ أسئلةِ هذا الداهية ما وراءَها، لكنه بدا كمن راح يفكِّرُ في النتيجة التي يُساقُ إليها، أكثر من تفكيره في الإجابة على السؤال المُوَجَهِ إليه، لكنه لما لم يهتدِ إلى المَصَبِّ الذي يسحبه إليه مستشاره بادر على الفور بقوله:
بحسب ما أتيح لي من اطلاع على قَصَصِ السرقة والسطو في دولتنا، يُهيَّأ لي أن رجال المباحث يستطيعون إلقاء القبض على من سطوا أو سرقوا من خلال “البحث في صحائف السوابق” أولا، و”ترقُّب تشاجر اللصوص على المسروقات، وإيقاع أحدهم بشركائه” ثانيا، فيما يركزون على مقولة “فتش عن المرأة”، مُتَعقِّبين ما يقع فيه اللصوص من مَطَباتِ الإنفاق من أموالهم المسروقة على النساء ثالثا، أما النقطة الأهم في الإيقاع بالسُراقِ واللصوص فتتمثل في “رصد من ينفقون بسخاء واستخلاص اللصوص منهم” (!!)
مُظْهِرا سرورَه بابتسامةٍ عريضة:
ما شاء الله يا مولاي، أنتم مطلعون اطلاعا واسعا على حيثيات جرائم السطو والسرقة في البلاد (!!)
لم يهتم الحاكم بإطراء مستشاره، وأبدى بحركاتٍ فيها بعض النَّزَق رغبتَه في أن يُسْرِعَ مستشارُه في الوصول إلى النتيجة!
فهمَ المستشار الرسالة، فأومأ برأسه وهو يبتسم، ثم واصل قائلا:
لذلك يا مولاي فإنني لو قَرَّرْتُ السَّطْوَ على بنك أو مؤسسة أو خزينة أو موازنة، وكي لا أقع في أيدي الشرطة، وكي أُفْشِلَ كلَّ من يراقبني ويترصَّد لي، أفعل ما يلي:
ظهرت على الحاكم علامات الاهتمام، فلم يُطِلْ المستشار تلذُّذَه بتعذيب سيِّدِه، وسارع إلى القول:
أولا.. لا أحاول أبدا السطو إذا كنت من أصحاب السوابق (!!)
ثانيا.. أنسى النساء تماما، ولو إلى حين (!!)
ثالثا.. لا أنفق من الأموال المسروقة إلا بعد مرور وقت طويل على سرقتها، وأضعها في مكان آمن (!!)
انفجر الحاكم ضاحكا بعد أن غمرته السعادة العارمة معترفا بدهاء مستشاره الوفي (!!)
وفي اليوم التالي أمرَ شخصا لم يسبق له أن شكَّل حكومة، أو استلم منصبا وزاريا، ولم تُنْسَب إليه عملية فساد، بتشكيل الحكومة الجديدة، وجاء في خطاب التكليف:
“وإنني إذ اخترتك نظيف اليد ونقيَّ الماضي، فلأني ابتغيت إرضاء شعبي الذي أتعبَه هؤلاء الفاسدون، ومن هنا فإن إرادتي قد اتجهت في خطاب تكليفي هذا إلى أن تختارَ في حكومتك وزراءَ مثلك، أريدهم جميعا بلا ماضٍ فاسد، وبلا ماضٍ حكومي، واحرص كلَّ الحرص على التأكُّد من صحائف سوابقهم، ولا تنسى أن تركِّزَ على ضرورة نظافتهم من أيِّ شائبة أخلاقية تشير إلى تورط أيٍّ منهم في علاقات نسائية، ولكم أتمنى أن يكونوا من الرواد المنتظمين للمساجد آيام الجمع، وللكنائس أيام الآحاد، فذلك أضمن لتقواهم ولعدم ولوغ أيديهم في أموال الشعب، ودمت لنا وفيا مخلصا وقادرا على حسن التصرف بفطنة وذكاء”