* الحكمة في اتخاذ القرارات: وأثرها على الفرد والمجتمع

الحمد لله وكفى وسلام على عباده الذين اصطفى وبعد:

* الحكمة في اتخاذ القرارات: وأثرها على الفرد والمجتمع

– الحكمة في اتخاذ القرارات واحدة من القيم الأساسية التي تساهم في صناعة الأفراد وبناء المجتمعات على أسس متينة، إنها البوصلة التي توجه الإنسان نحو الخيارات الصحيحة، وتجعله يتجنب الوقوع في الأخطاء التي قد تترتب عليها عواقب وخيمة، ومن خلال هذه القيمة، تتحقق التوازنات وتُحفظ الحقوق، ويُسهم الفرد في تعزيز السلم المجتمعي والتنمية المستدامة.

– ماهية الحكمة في اتخاذ القرارات
الحكمة ليست مجرد معرفة أو علم، بل هي قُدرة تجمع بين العقلانية والبصيرة، وتقتضي التَّرَوّي قبل اتخاذ أي خطوة، وقد جاء في القرآن الكريم دعوة للتدبر والتعقل، مثل قوله تعالى: ﴿أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ﴾ (محمد: 24)، وهي دعوة للتفكر في كل أمر قبل الإقدام عليه، كما أن الحكمة تتطلب إدراك أبعاد الأمور ونتائجها، ووضع كل قرار في سياقه المناسب بما يحقق النفع ويدرأ الضرر.

-أثر الحكمة على الفرد
عندما يتحلى الفرد بالحكمة في اتخاذ قراراته، فإنه يتمتع بحياة أكثر استقرارًا ونجاحًا، فالقرارات الحكيمة تقوده إلى تحقيق أهدافه الشخصية دون تسرّع أو تردد، ومن أمثلة ذلك:
1- الحكمة في اختيار الأصدقاء:
الصديق الصالح مُعين على الخير، كما قال: (عليه الصلاة والسلام): “المرء على دين خليله، فلينظر أحدكم من يخالل.”

2- الحكمة في التخطيط للمستقبل:
حيث يضع الإنسان خططًا مدروسة تراعي الإمكانيات وتحدد الأولويات.

3- الحكمة في مواجهة الأزمات:
الأزمات جزء لا يتجزأ من الحياة، والشخص الحكيم يتعامل معها بهدوء ويفكر في حلول عملية تجنب المزيد من الخسائر.

-أثر الحكمة على المجتمع
على مستوى المجتمعات، فإن الحكمة في اتخاذ القرارات تؤدي إلى نتائج إيجابية تساهم في رفعة الأمة. ومن أبرز آثارها:

1- تعزيز السلم المجتمعي:
القرارات الحكيمة من قادة المجتمع وقادته الروحيين تُسهم في احتواء النزاعات وتقريب وجهات النظر.

2- تحقيق العدالة الاجتماعية:
وذلك من خلال وضع سياسات تراعي الفئات المختلفة في المجتمع وتلبي احتياجاتها.

3- تشجيع الابتكار والتنمية:
الحكمة تدفع المجتمعات للاستثمار في مجالات تحقق النفع للجميع، دون هدر للموارد أو تبذيرها.

4- الحفاظ على القيم الأخلاقية:
عندما تتخذ المجتمعات قرارات قائمة على الحكمة، فإنها تحافظ على المبادئ التي تحفظ ترابطها واستقرارها.

* نموذج من القرآن الكريم
في قصة النبي يوسف (عليه السلام)، نجد أعظم الأمثلة على الحكمة في اتخاذ القرارات، عندما عُرض عليه منصب إدارة خزائن الأرض، قبِلَه بحكمة ووعي بمسؤولياته قائلاً: ﴿اجْعَلْنِي عَلَىٰ خَزَائِنِ ٱلۡأَرۡضِۖ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ﴾ (يوسف: 55). كان قراره مبنيًا على إدراك قدرته على تحقيق الخير للناس، ما أدى إلى إنقاذ مصر من سنوات القحط والمجاعة.

* كيف نغرس الحكمة في نفوسنا؟

1- طلب العلم والتعلم المستمر:
الحكمة تأتي من المعرفة التي تُكتسب عبر الخبرات والتعلم.

2- التأمل والتفكر:
قضاء وقت للتفكير في كل قرار قبل اتخاذه.

3- الاستشارة:
كما قال تعالى: ﴿وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ﴾ (آل عمران: 159)، فالمشورة باب للحكمة.

4- الصبر وضبط النفس:
القرارات المُتسرّعة غالبًا ما تؤدي إلى نتائج غير مُرضِية، لذا فالصبر هو مفتاح الحكمة.

وأخيرًا
إن الحكمة في اتخاذ القرارات ليست مجرد مهارة شخصية، بل هي قيمة جوهرية تبني حضارات بأكملها، وذلك من خلال الحكمة، وعنده يتحقق النجاح على المستوى الفردي والجماعي، ويُبنى مستقبل مشرِق للأجيال القادمة، فلتكن قراراتنا دائمًا مدروسة ومستمدة من قيمنا الإسلامية التي تدعو للتعقل والتدبر، بذلك نصبح أفرادًا قادرين على الإسهام في نهضة مجتمعاتنا وحفظ استقرارها.

– عنوان المقالة القادمةوالأخيرة في هذه السلسلة، إن شاء الله: “الحياء: الحصن المنيع للأخلاق السامية”

* طاب صباحكم، ونهاركم، وجميع أوقاتكم، وفرّج الله عن أهلنا المستضعفين إن شاء الله
مقالة رقم: (1841)
14. رجب . 1446هـ
الثلاثاء .14.01.2025 م
باحترام:
د. محمد طلال بدران (أبو صُهيب)