مقالات

نكران الجميل بقلم: د. عثمان بن عبدالعزيز آل عثمان

تُعدُّ قيمة الوفاء للجميل من أعظم القيم الإنسانية التي ترتقي بالمجتمع وتُعمِّق أواصر المحبة والتآلف بين أفراده. إنها خُلقٌ كريمٌ يجسّد الشكر والاعتراف بالفضل، سواءً كان من صديقٍ أو قريبٍ، أو حتى من إنسانٍ لا تجمعنا به إلا المواقف العفوية. لكن، للأسف، يظلُّ نكران الجميل أحد الظواهر المؤلمة التي تهدم هذه القيم، وتُضعف الروابط الاجتماعية، وتُعكّر صفو العلاقات.

نكران الجميل هو تجاهل الإحسان، وعدم الاعتراف بفضل الآخرين أو تقدير جهودهم التي بذلوها من أجلنا. قد يكون هذا النكران لفظًا أو فعلًا، ويظهر أحيانًا في صورة جحودٍ صريحٍ أو تقليلٍ من قيمة المعروف.

تعود هذه الظاهرة إلى عدة أسباب، منها ضعف القيم الأخلاقية التي تدعو إلى شكر الآخرين والاعتراف بفضلهم، إضافةً إلى الأنانية وحب الذات الذي يجعل الفرد منشغلًا بمصالحه الشخصية دون اكتراثٍ بمن حوله. كما أن الغرور والكِبر يدفعان البعض إلى إنكار الحاجة إلى الآخرين، فضلًا عن غياب التوعية في التنشئة الأسرية والتعليمية، مما يؤدي إلى نشأة جيلٍ لا يدرك قيمة الشكر.

إن آثار نكران الجميل لا تتوقف عند الفرد، بل تمتدُّ لتؤثر على المجتمع بأسره. فهو يؤدي إلى فقدان الثقة بين الناس، حيث يشعر الفرد بخيبة الأمل ويفقد ثقته بالآخرين. كما يتسبب في تفكك العلاقات الاجتماعية والأسرية، ويُضعف العمل الجماعي الذي يستند إلى الاحترام المتبادل.

ديننا الإسلامي يحثُّ على شكر النعم وشكر الناس، وجاء في كتاب الله تعالى قوله: “هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ” (سورة الرحمن: 60)، وهي دعوة عظيمة للتفكّر في قيمة الإحسان والردّ عليه بمثله. كما قال النبي ﷺ: “لا يشكر الله من لا يشكر الناس” (رواه أحمد).

ونقدم نصيحة لكل من وجد نكران الجميل من أي شخص: تذكَّر أن الأجر والثواب من الله تعالى. لا تدع هذا السلوك السلبي يثنيك عن فعل الخير، فإن الله يُثيب المحسنين ويعلم نواياهم، وما تقدّمه من معروف سيعود عليك بالخير عاجلًا أو آجلًا.

تعزيز الوعي الاجتماعي من خلال الخطاب الإعلامي والتربوي يُبرز أهمية الوفاء للجميل. كذلك، تُعدُّ القدوة الحسنة والصبر والتسامح أدواتٍ فعّالةً في ترسيخ ثقافة الشكر والتقدير في المجتمع.

إن نكران الجميل ليس مجرد تصرُّفٍ فردي، بل هو انعكاسٌ لمجتمعٍ بحاجةٍ إلى إعادة بناء قِيَمه وأخلاقه. فالشكر والتقدير واجبٌ إنسانيٌّ قبل أن يكون دينيًّا أو اجتماعيًّا، وهو أداةٌ فعّالةٌ في بناء مجتمعٍ متماسكٍ ومُتآلف. لنتذكر دائمًا أن الشكر يعكس معدن الإنسان الحقيقي، ويُعزِّز السعادة في حياتنا وحياة من حولنا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق