مكتبة الأدب العربي و العالمي
حارس. المقبرة – الجزء الأخير
#حارس_المقبره
الجزءالرابع والاخير
ضحك الشاب وهو مندهشا من كلام لطفي وقال : لقد أصبحت رجلا خطيرا والمال قد افسد طباعك لدرجة أنه جعل منك داهية عموما انا موافق وسأقسم المبلغ معك
ولكن انا ايضا يجب ان اغير من قواعد إتفاقي ففي السابق كنت انا من يحفر القبر وأنا من يستخرج الجثث وأنت لا تفعل شيء سوى أنك تمسك مصباح للإنارة أما الآن سيصبح كل يوم واحد منا له يوم في حفر واستخرج الجثث فمرة انا احفر ومرة انت فما هو ردك ؟
سكت لطفي قليلا وراح يفكر ثم أجابه قائلا :موافق أعطني المبلغ المتفق عليه .
أدخل الشاب يديه في جيبه واستخرج ثلاث اظرفة مالية وقدمها إلى لطفي ثم قدم إليه كيس بلاستيكي وقال : اليوم هو دورك وانا أكتفي بحمل المصباح وأضيء لك
حمل لطفي أدوات الحفر وتوجه نحو أحد القبور القديمة وبدأ يحفر وعندما وصل الى الجثة تفاجأ بأن وجدها جثة لطفل صغير ولا تزال كما هي عليه وكأنه قد دفن منذ لحظات حتى الكفن كان لا يزال جديد وتفوح منه رائحة مسك فأصيب بتوتر وخوف شديد فرفع رأسه وقال : إنه قبر لفتى صغير دعنا نغلق القبر ونذهب لحفر واحد أخر فهذه جثة وتبدوا حديثة
لكن الشاب رفض إقتراح لطفي وقال : لا بالعكس هذا ما نحتاجه في ابحاثنا استخرج جثة وأتى بها
أصيب لطفي بقشعريرة في جسده ولم يتمكن من حمل جثة وعاد يقول ثانية دعنا منها لنذهب إلى جثة أخرى
لكن الشاب أصر على كلامه وقال : قلت لك هاتها ولا تكثر من نقاش هذه الجثة نحتاجها في أمور تشريح ولا تكثر من الثرثرة
مد لطفي يديه وحمل جثة الفتى واخرجها وقبل ان يقدمها إلى الشاب الذي كان واقف ينتظره نزل طرف الأمامي من كفن وبرز وجه الجثة
فقد كانت تعود لفتاة صغيرة وكان شعر رأسها أحمر طويل وعمرها في حدود خمس سنوات او اكثر ولما شاهد لطفي وجهها أصيب بخوف شديد وانتابه رعب في كامل جسده فقد كانت فتاة ميتة في كامل سلامتها ولا يبدو ان جسدها قد تأثر برطوبة وعفن
بقي لطفي لبعض ثواني يحدق في وجه جثة الفتاة ولا يقوى على حركة وجسده قد تنمل في مكانه ولم يستفق إلا على صوت شاب وهو يناديه : هات الجثة مابك تحجرت في مكانك هكذا ؟
اخذ الشاب جثة الفتاة الصغيرة وانصرف وترك لطفي هناك واقف مكانه وصورة وملامح تلك الفتاة لا تفارق مخيلته دخل الى غرفة حراسة وجلس وهو يضم ركبتيه على صدره وكلبه الى جانبه ينظر إليه وقد أحس بأن صاحبه ليس على ما يرام كان قلبه يدق بسرعة ويديه باردتين وجبينه يتعرق فلم يستطع ان ينسى صورة تلك فتاة
اشعل مذياعه ووضع ابريق الشاي وحاول ان يتلهى بسماع نشرة الأخبار حتى ينسى ملامح تلك الفتاة مر وقت سريعا وبينما هو جالس يستمع إلى الإذاعة إذا به يسمع صوت بكاء لطفل في الخارج أنقص صوت مذياع قليلا وظل يسترق سمع لعله كان يتوهم او يتخيل لكن بكاء لم يتوقف
إستغرب في وجود طفل في هذا المكان فنهض وحمل مصباحه يدوي وفتح الباب وراح يوجه الإنارة في كل مكان لعله يلمح من يكون فعرف أن بكاء كان يأتي من جهة الشرقية للمقبرة أمسك عصاه وتقدم يمشي على مهل صوب الصوت إلى أن وصل إلى مصدره
وما إن اقترب اكثر حتى تفأجا بفتاة صغيرة تقف امامه فأصيب بصدمة لما وجدها هي نفس الفتاة ذات الشعر الاحمر التي اخرجها من قبرها قبل قليل
تجمد لطفي في مكانه وارح يتأمل وجه الفتاة الصغيرة ذات شعر الاحمر وهي تنظر إليه بغضب جاحظة عيونها الكبيرة في وجهه وترتدي كفنها الأبيض الذي كان يتلف حولها
فبدأت تتقدم منه رويدا رويدا فلم يكن من سبيل أمامه سوى أن عاد يجري إلى غرفة الحراسه بسرعة واقفل على نفسه الباب وهو يرتجف من ذلك منظر المرعب بدا يسند بجسده على الباب وهو يتنهد بشدة وفجأة بدا كلبه ينبح بعدما احس بشي يقترب من الباب
فأدرك لطفي بأن شبح تلك الفتاة الصغيرة قادم إلى هنا فراح يسند بكل ثقله على باب وهو يتخبط في خوفه الشديد وماهي إلا لحظات حتى بدأ الباب يطرق بشدة ولطفي واقف في مكانه يحاول أن يمنعها من الدخول
ثم توقف طرق الباب وخيل إليه أن الفتاة قد ذهبت فمد بصره من ثقب باب ينظر ان كانت في جوار وما ان قرب عينه من ثقب حتى ظهرت له عين كبيرة من شق الاخر للباب وهي تراقبه فصرخ من خوفه وتراجع إلى الوراء وادرك بأن الفتاة لم تذهب وراحت تصرخ و هي تقول :
لماذا تبيع جثتي يا لطفي إفتح الباب أريد ان أخذ جثتك وأبيعها كما فعلت بي
كاد قلب لطفي يتوقف من شدة مما هو فيه ونباح كلبه القوي يزيد من توتره وخوفه اكثر ولا يدري كيف يسكته عن النباح
فمسك بعصاه وضرب بها رأس الكلب حتى يرغمه عن توقف عن النباح لكن ضربة قوية وكافية بأن تسقط الكلب جثة هامدة
راح لطفي واقف لا يصدق ما فعل بعدما شاهد كلبه الوفي يصرخ بأخر نفسه له في الحياة ويموت وبعدها إنطلقت ضحكات الفتاة وهي سعيدة بعدما ادركت أن لطفي قتل كلبه وقالت : هل ستبيع جثة الكلب كما بعت جثتي وجثة ابيك لا أحد يشتري جثث الكلاب يا لطفي
أصاب كلام فتاة لطفي بغصة شديدة وأحس بخجل من نفسه ووقف مسمرا في مكانه لا يدري ما يفعل ثم فجأة إنطفىء المصباح اليدوي وخمدت النار واصبح لطفي وحده في وسط الظلام الدامس بالغرفة وراح يمد يديه ليتحسس على الحائط فإذا به يجد يديه تمسك بشيء صلب فعرف ان ذلك الجسم هو هيكل عظمي لجثة بشرية فصرخ بأعلى صوته وهو مرعوب وبدأ يضرب بيديه على ظهر المصباح حتى يشتعل ويعود النور
وبعد فترة تمكن من إشعاله مرة اخرى تفاجأ بأن وجد ان الباب قد فتح وان جثت الكلب قد إختفت من الغرفة
التصق بظهره في الزاوية وبقي طوال الليل وهو يتمتم وجسده كله مشمخ بالعرق الذي كان يسيل من كل انحاء جسمه رغم أنه كان في فصل الشتاء وطقس بارد
لم يستطيع لطفي أن يسترح وبقي طوال الليل جالس في ركن الغرفة وقلبه لا توقف عن خفقان إلى عند وصل صباح واشرقت شمس وهو لا يزال مستيقظ فنهض بصعوبة واخذ مذياعه معه وخرج وهو يتلفت في كل إتجاه ثم توجه نحو منزله مسرعات وحينما دخل لاحظت زوجته سعاد إضطراب ورعبا في وجهه فسألته قائلة : مابك يالطفي وما به وجهك مصفرا هكذا
جلس لطفي على الأرض وقال : لا شيء فقط اشعر بحمى باردة بسبب أني لم اتغطي جيدا ليلة البارحة
فأجابته زوجته قائلة : سلامتك هل أنادي لك طبيب القرية حتى يعطيك حقنة تنزل حرارتك ؟
فرد عليها لطفي بقوله : لا داعي لذلك … فقد ارسلي أحد اولاد الى الصيديلة حتى يحضر لي الدواء
ذهبت سعاد وارسلت احد اولادها ثم ذهبت إلى المطبخ واحضرت كوب زنجبيل ساخن ووضعته أمام زوجها ثم قالت بعدما تذكرت شيء : كيف تركت الكلب يعود وحده إلى المنزل فقد جاء قبلك هذه الصباح ودخل إلى منزله في فناء
إنصدم لطفي بعدما سمع هذا الكلام ورفع بوجهه الشاحب نحو زوجته وقال : ماذا قلتي هل جاء الكلب إلى هنا ؟
استغربت سعاد من إندهاش زوجها وقالت :أجل ولكن لماذا إستغربت كل هذا الاستغراب فهل هذه أول مرة يفعلها ؟
راح لطفي ينظر إليها بوجه منصدم ولا يقوى على الكلام فسألته قائلة : لطفي مابك هل جرى للكلب أي شيء
فرد عليه لطفي على فور :لا ولكني كنت قد تركته هناك في المقبرة حتى يحرسها في غيابي فلم اشأ أن احضره معي
ثم نهض بسرعة من مكانه وخرج متوجه إلى الفناء حتى يتأكد من كلام زوجته ولما دخل إلى منزل الكلب لم يجده فراح يتسائل في نفسه هل يعقل ان يكون الكلب ما يزال حي بعدما قتله ليلة بارحة ؟
وبينما هو واقف يتسائل إذا به يسمع مأذن ينادي من منبر المسجد وهو يقول : صلاة على جنازة إنتقل إلى رحمة الله تعالى الحاج ايوب ترحموا عليه
فأدرك لطفي ان من مات قد كان صديقه الذي قابله اخر مرة
بعد أن انقضت جنازة الحاج ايوب صديق لطفي راح الناس من المقبرة وتركوا لطفي هناك ليقضي ليلة في حراسة المقبرة فلم يشأ أن يعود معهم للمنزل وفضل البقاء هناك
كانت الصمت حاد مطبق على كل شيء حوله ولا يكاد يسمع اي صوت سوى نعيق الغربان وهي ذاهبة الى اوكارها مع غروب الشمس أحس لطفي بالوحدة من دون كلبه وراح يدور بنظره في كل إتجاه لعله يلمحه هنا
وفجاءة وقع نظره على تلك فتاة صاحبة الشعر الاحمر واقفة خلف احدى القبور تراقبه بعيونها الكبيرة الغاضبة فأصيب بخوف شديد ودخل إلى غرفة و واقف هناك ينظر إليها من شق الباب فإذا بها تأتي صوبه مسرعة قادمة إليه وهي تحمل معول للحفر في يديها .
ارتجفت اوصال لطفي لما ابصرها قادمة نحوه بسرعة فأغلق الباب على نفسه وظل ممسك به بقوة رغم مرضه الشديد لكنه كان يستند عليه فبدات هي تطرق الباب وتبكي وتصيح قائلة : افتح الباب سأهشم عظامك كما فعلت بي
راح لطفي يرتعد أكثر من خوفه كلما ضربت الباب أحس ان جسده لم يعد يقوى على تحمل المرض وسط هذه الاجواء.
لكنه كان متمسك بالحياة ولا يريد ان يفرط في نفسه
فعادت الفتاة تصرخ مرة اخرى وهي تقول : سأخبر الناس بما كنت تفعل لجثث امواتهم وسأحكي لهم كيف كان حارس الاجداد يبيع جثث الناس
لم يكن لطفي يبالي بما تقول فكل ما يسعى إليه هو الحفاظ على حياته وبعد فترة توقف صوتها وكأنها قد ذهبت وتركته
اظلم الليل وهو جالس في مكانه ممسكاً بمصباحه اليدوي بالقرب منه ويفكر في الكلام الذي قالته تلك الفتاة ويفكر في الحال الذي وصل إليه وقد شعر بأنه قد صار في قمة وضاعة
والانحطاط فهذا ما اوصله له الطمع
وبينما هو يفكر سمع صوت سيارة قادمة من بعيدة فعرف أن الليل قد انتصف وأن ذلك الشاب قد جاء مرة أخرى
نهض من مكانه وفتح الباب فاذا به يلمحه قادم من بعيد نحوه إلى أن وصل إليه فسلم عليه قائلا : مرحبا لطفي كيف حالك ؟
لم يرد عليه لطفي بل بقي صامت يتطلع إليه بجسده الضعيف الذي ارهقه الخوف والمرض فعرف الشاب ماينوي ان يقول فادخل يديه في جيبه بسرعة واخرج منه ظرف مالي كبير وقال : نسيت ان أخبرك ان اعضاء المنظمة قد سعدوا كثيرا بجثة تلك الفتاة ليلة البارحة .وقد خصصوا لك المبلغ الذي كنا سوف نقسمه كامل لك وحدك فهاهي .
ولم رأى لطفي المال سعد قليلا وامسك الظرف من يد الشاب وفتحه وراح ينظر إليه وكانه قد نسى ما حصل معه ففاجاه سؤال الشاب وهو يقول :لماذا تركت كلبك وحده واقف عند مدخل مقبرة فحين جئت إلى هنا وجدته واقف هناك
ارتعب لطفي لما سمع هذا الكلام وتغيرت ملامح وجهه وراح ينظر بإتجاه مدخل المقبرة ثم قال : هل أنت متأكد بأنك قد رأيت كلبي واقف هناك ؟
فرد عليه الشاب بقوله : أجل . لقد كان هو حتى أنه قد عرفني ولم ينبح فيبدوا ان شكلي قد اصبح مألوف عنده
اصيب لطفي برجفة في جسده واحس بأن قلبه يريد ان ينفصل على صدره وراح بتسأل في نفسه ماسبب وجود الكلب هناك رغم انه قد قتله
فهل يعقل ان يكون فعلا ما زال حياً ام أن هذا مجرد شبح الكلب يريد ان يطارده وينتقم منه كما تفعل تلك الفتاة صاحبة شعر الاحمر ؟
لاحظ الشاب إنشغال لطفي بتفكير فخاطبه مرة اخرى بقوله :
دعنا من كل هذا ولنبدا في العمل اعضاء منظمة يريدون جثة اخرى جديدة فهل تعرف اي شخص مات منذ فترة قليلا ؟
فكر لطفي قليلا وقال : لا يوجد أحد
إبتسم الشاب في خبث وقال: اثار اقدام هنا حديثة تدل على ان هناك كانت جنازة هذا اليوم اضافة الى ان اغصان حناء ما تزال خضراء فلا داعي للانكار واخبرني اين صاحب القبر .فهذه فرصتك حتى تحصل على نفس المبلغ لي قبضته اليوم
أنزل لطفي برأسه على الأرض وراح يفكر بعمق ثم قال في نفسه سامحني يا صديقي أيوب
اخذ لطفي ذلك الشاب إلى قبر الحاج ايوب ودله عليه فبدأ يحفر ولطفي لا يستطيع ان ينظر إلى القبر وكان يدير وجهه الى جهة الأخرى ولا يقوى على النظر إلى جثة صديقه التي تنبش من قبرها الى ان وصل إليها واخرجها ثم وضعها في كيس كبير وبعدها اغلق القبر واخذ الجثة وانصرف
كان لطفي متأثر بهذا المنظر ولا يقوى ان يكبت مشاعر الأسى فقد احس فعلا ان أدميته قد ماتت وصار قلبه من صخر فرجع إلى غرفة حراسة وما ان فتح باب اذا به يجد شبح صديقه ايوب جالس في غرفة ينظر اليه بغضب والى جانبه يجلس كلبه ملطخ بالدم
تجمد لطفي في مكانه وهو يشاهد هذا المنظر فقد كانت رؤية صديقه مع كلبه في غرفة حراسه كافية ان تجعل دمائه تتجمد في عروقها ولم يعد يقوى عن نطق او حركة ولا يدري ما يقول او يفعل فقد احس انه صار جزء من الأرض التي يقف عليها ولا يقوى على الحركة
فقد كان شبح صديقه ايوب مع كلبه مضجع بالدم مفزع لدرجة انه اخرصه عن الكلام وفجاءة نطق صوت فتاة صغيرة من خلفه قائلة : كل هؤلاء قتلهم انت ويجب ان تموت معهم يالطفي
استدار لطفي بسرعة الى خلفه فوجد تلك الفتاة واقفة تنظر إليه في غضب وشعرها الأحمر يغطي كامل وجهها ولا تظهر منه سوى عين واحد كانت تنظر اليه منها بنظرة حادة منتقمة
فتراجع إلى الوراء قليلا وأحس بأن جسده قد صدم بجسم آخر وما إن الفت إليه اذا به يجد شبح أبيه واقف هو الآخر ينظر إليه غاضب ففتح لطفي فمه من الصدمة ولم يدري ما يقول فخاطبه ابوه قائلا لماذا فعلت هذا يا بني لقد شعرت بالبرد وانا خارج قبري لقد كان قبري يدفئني لماذا اخرجتني واعطيتني للغرباء ؟
لم يدري لطفي ما يقول وظل يرتجف وهو ينظر إلى أبيه الذي كان ملتفا بكفن أبيض وينظر إليه في غضب وأسف
فلم يقوى على تحمل هذا كله فأحس ان دقات قلبه بدأت تنخفض رويدا رويدا الى توقفت فسقط على الأرض مغشيا عليه
في الصباح جاء الناس وهم يحملون جثة لطفي إلى منزله بعدما عثر عليه أحد الأشخاص وهي ملقى في المقبرة فلما رأته زوجته وهو محملا صرخت تبكي
من صدمتها وقالت : ما به لطفي ما الذي حصل له ؟
فرد عليها إمام مسجد من خلف باب وهو يقول : البقاء لله لقد مات زوجك بسكتة قلبية فقد عثر عليه ميتا في المقبرة لقد جلبناه هنا يا أختي حتى تلقوا عليه نظرة الوداع وسأخذه للغسل والدفن سنخرج بضع وقت ونترككم تودعون الفقيد
ظلت سعاد وأولادها يبكون أمام جثة لطفي وهم غير مصدقين ان الذي امامهم هي جثة سندهم في الحياة وقد رحل فجأة وتركهم وبعد لحظات دخل عليهم إمام مسجد وقال : أخت سعاد سنأخذ جثة الفقيد هل لك من وصية للميت او عنده اي ديون ؟
نهضت خديجة من مكانها وقالت : أريد ان اعطيكم شيء انتظروني قليلا دخلت سعاد الى غرفة لطفي وأخرجت ملابسه القديمة من الدولاب
ثم صعدت الى فوق الخزانة ومدت يديها وسحبت صرة التي كان يجمع فيها ملابس أبيه ويخفي المال خفية عنها دون ان تدري ما في داخلها ثم اخذتها الى إمام مسجد وقالت : هذه بعض ملابس المرحوم ومعها ملابس أبيه أريد ان أتبرع بها
لأحد مساكين صدقة جارية أخذ إمام المسجد الملابس من يد سعاد ثم دخل الناس واخذو جثة لطفي وذهبوا بها الى المغسلة وفي المساء ذهبوا بها الى مقبرة وهم يهللون ويكبرون
في الغد بعد منتصف الليل ذهب الشاب إلى المقبرة فوجد هناك أحدهم يحرس المقبرة من خلال هيئته عرف الشاب أنه حارس جديد للمقبرة لأنه قد وصل خبر وفاة لطفي وبينما كان الحارس جالس يحرس في مكان لطفي اذا بذالك الشاب يأتي إليه بعد منتصف الليل ففزع من رؤيته ولكن الشاب طمئنه قائلا : لا تخف لن أوذيك اريدك في مشروع مهم
فأجابه حارس جديد وهو يبتلع ريقه بصعوبة قل اعوذ برب الفلق وماذا تريد مني ؟ جلس الشاب الى جانب حارس وقال : أريد ان اتي لك كل ليلة واخذ جثة اموات من المقبرة ومقابل ذلك لك مني كل يوم عشرون الف درهم ولا أحد يعلم ما بيننا فما هو رأيك ؟
راح الحارس ينظر إليه في خوف ولكن لما رأى حزمة المال تخرج من جيب شاب تغير وجهه وقال : عشرون ألف درهم
للجثة واحدة فأجابه الشاب قائلا : طبعا واذا اعطيتني جثة حديثة سأعطيك ضعفين
سال لعاب الحارس لما سمع هذا المبلغ وقال على فور : نعم أعرف شخص مات منذ فترة قليلة أنه لطفي الحارس السابق
للمقبرة إبتسم الشاب ابتسامة عريضة وراح يسترجع ذكرياته مع لطفي ثم ادار بوجهه نحو حارس وقال : احضر ادوات حفر وتعالى لنستخرج جثة لطفي بدؤو في الحفر حتى وصلو إلى مكان الجثة لم يجد أي شيء
تفاجأ الشاب وقال هل أنت متؤكد أيها الحارس أن هذا القبر هو لي لطفي لم يجبه الحارس
وبينما هو يلتفت إلى الوراء حتى تفاجأ بضربة قوية في رأسه بمعول الحفر من طرف الحارس الجديد وقال هذا القبر لك
أنت لقد حفرته خصيصا لك فقال الشاب من أنت
أجاب انا شبح أيوب صديق جار لطفي لي أخدت جثته في
نفس اليوم للدفن بما انك أخدت جثثي فأنا سأدفنك حي
حتى تتعذب تحت التراب ثم لن يسمعك أحد حتى تلقى حتفك وهذا ما حدث فقد مات لطفي والشاب وبقيت الأموال في يد أشخاص أخرين
أما بالنسبة للملابس التي أخدها إمام المسجد ففعل كما أخبرته سعاد فقد تصدق بها لسيدة أرملة لديها أولاد أيتام كانت تجلس قرب باب المسجد تنتظر بعد كل صلاة أن يتصدقو لها المحسنين ببعض الدراهم القليلة لكي تشتري بعض الخبز والحليب لأولاده
فرحت المرأة بتلك الصرة وعندما بدأت تبحث في الصرة وجدت مبلغ من المال على الأقل سوف يخرجها من الفقر ففرحت هي وأولادها وشكرت الله على هذه الصدقة وعلى صبرها لي صبرت وعانت مع ذالك لم تنسى هي الفقراء ايضا
فقد تصدقت بالقليل منه….
***النهاية***