نشاطات
الأميرة_الصامتة الجزء الثاني
وانطلقا قبيل المساء. ولما لم يكترثا لمظهرهما، فقد صارا بعد
ستة أشهر أشبه بمتوحشين منهما بأمير نبيل ومرب. نسيا الراحة
والنوم، والتفكير بالطعام والشراب لم يخطر لهما على بال.
وفي نهاية المطاف وصلا قمة جبل. ولاحظا هناك أن الصخور
والتراب تضيء وتتلألأ كالشمس. نظرا حولهما وأبصرا شيخاً
يقترب منهما. سأله المسافران عن اسم تلك المنطقة. فأخبرهما
أنهما يقفان على جبل «الأميرة الصامتة»، وأن الأميرة نفسها
ترتدي سبعة خمر، لكن الحقيقة، مع ذلك،
هي أن البريق الذي
أبصراه حولهما كان بسبب بريق محياها الفائق اللمعان. عندئذ
سأل المسافران عن مسكنها. فأجابهما أنهما إن واصلا سيرهما
دون توقف لمدة ستة أشهر أخرى فإنهما سيصلان إلى قصرها.
وهناك فقد الكثير من الناس حياتهم في محاولات عبثية لاستخراج
كلمة واحدة منها.
هذه الأخبار لم تثبط من عزم الأمير بأي حال، بل إنه انطلق
مع رفيقه في رحلتهما.
وبعد ترحل طويل وجدا نفسيهما على قمة جبل آخر حيث
لاحظا أن الدم الأحمر القاني يغطي المكان. وواصلا سيرهما
حتى دخلا قرية، وهنا قال الأمير لمربيه: «إني في غاية التعب،فلنسترح قليلاً في هذا المكان، وفي الوقت ذاته نتسقط الأخبار».
عندئذ دخلا إلى مقهى، ولما علم أهل القرية أن مسافرين من
بلاد بعيدة هما بين ظهرانيهم، أقبل الناس الواحد بعد الآخر
يحيونهما ويرحبون بهما. سألهم الأمير لماذا كان الجبل مغطى
بالدم فأخبروه أن الأميرة الصامتة تعيش على بعد مسافة ثلاثة
أشهر، وأن شفتيها تعكسان لونهما على الجبال أمامهما وأنها
ترتدي سبعة خمر، ولا تنطق بكلمة واحدة، وقيل إن الكثير من
الرجال قد ضحوا بحياتهم من أجلها. ولما سمع بذلك، بات
الفتى نافد الصبر يتحرق شوقاً لكي يضع مصيره للامتحان ومن
ثم انطلق هو ومربيه لمواصلة رحلتهما.
وبعد أيام عديدة، أبصرا جبلاً عظيماً آخر في البعيد، وظنا أن
ذلك لابد من أن يكون مقام الأميرة التي جاءا للبحث عنها. ثم
حان الوقت الذي وصلا فيه عند أقدام الجبل وبدءا في الصعود.
انتصبت فوقهما قلعة شاهقة، هي مسكن الأميرة الصامتة، ولما
اقتربا بما فيه الكفاية لاحظا أن القلعة بنيت كلها من الجماجم
البشرية. قال الأمير لرفيقه: «هذه هي رؤوس أولئك الذين هلكوا
وهم يحاولون أن يجعلوا الأميرة تتحدث. فإما أن ننال بغيتنا أو
أن جمجمتينا ستستخدمان للغرض ذاته».
وقبل أن يحاولا الدخول إلى القلعة، استقرا في نزل صغير
لبضعة أيام. وطوال تلك الأيام لم يسمعا شيئاً سوى البكاء
والعويل: «أوه، يا أخي»، «أوه، يا ولداه». ولما سألا عن
سبب ذلك البكاء والحزن الشاملين، أجيب عليهما: «لماذا
تسألان؟ من الواضح أنكما قدمتما لتموتا. هذه المدينة هي
مدينة أبي الأميرة الصامتة. أياً كان من يحاول أن يجعلها
تتكلم، يجب أن يذهب أولاً إلى السلطان الذي، إن هو
سمح بهذا، سيرسل رفيقاً مع البطل إلى الأميرة». ولما سمع
الفتى بهذا، قال لرفيقه: «وصلنا حقاً إلى نهاية رحلتنا.
سوف نستريح بضعة أيام أخرى، ثم نرى ما الذي يخبئه لنا
قدرنا». أقاما في الخان، وكانا كل يوم يخرجان للتمشية في
الأسواق وبينما هما منشغلان على هذه النحو رأى الأمير
رجلا ومعه بلبل في قفص. سحر البلبل لب الأمير فعزم على
شرائه. فاعترض المربي وذكره بأن لديهم الكثير من المشاغل
المهمة التي عليهم أن يكترثوا لها. لكن الأمير رفض أن
يصغي، واشترى البلبل بمبلغ ألف «بياسترز»، وأخذه إلى
النزل، وعلق القفص في حجرته.
ولما كان الأمير ذات مرة بمفرده يفكر كيف يمكن أن يجعل
الأميرة تتكلم، اصطدم بفكرة كئيبة، وهي أن الإخفاق يعني
الموت ثم انتفض مذعوراً وقد سمع البلبل يخاطبه هكذا: «لماذا
كل هذه الكآبة يا أميري؟ ما الذي يشغل بالك؟».
ارتعش الأمير، غير مصدق إن كان العصفور ملاكاً أو جنياً هو
الذي تحدث إليه. ولما هدأ، ظن أن ذلك كان وحياً من الله، وتجلياً
لنعمته، فأخبر البلبل قصة حبه للأميرة الصامتة، وأنه على وشك
الجنون بسبب التفكير في كيف يمكنه الوقوف في حضرتها. أجاب
البلبل: «لا تقلق من شيء. إن هذا هو أسهل ما يكون. اذهب هذا
المساء إلى السرايا، وخذني معك. السلطانة ترتدي سبعة حمر؛ وما
من أحد قد رأى وجهها، وهي لا ترى أحداً. ضعني في قفصي
تحت حامل المصباح واسأل الأميرة كيف هي. وهي لن تعطي أي
إجابة. عندئذ قل إنها ما دامت لن تتكلم، فإنك ستتكلم مع عمود
النور. ثم ابدأ بالحديث وأنا سأرد عليك».
اتبع الأمير هذه النصيحة وذهب مباشرة إلى قصر السلطان .
ولما علم السلطان أن قادماً جديداً يرغب أن يذهب إلى ابنته،
استقبل الأمير، وحاول أن يثنيه عن مراده. قال له إن الآلاف قبله
قد حاولوا عبثاً أن يجعلوها تتحدث. مهما يكن، فهو قد أقسم
يتبع …..الجزء الثالث
من حكايا العالم الاخر