شعر وشعراء
الخنساء إلى أُمّ ناصر أبو حميد شعر: المتوكل طه
هي الأخضرُ المستمرُّ، البلادُ،الحكايا،
هي،الآن،أحلى الصبايا،
هي،الآن، ترمي عن الخيلِ سرجَ السبايا،
هي ، الآن، أجملُ منّا جميعاً،
وأجملُ مما حَوَتْهُ المرايا.
***
كأنّي التقيتُ بها في المَنام،
وأسمعُ خطوتَها في الخِيام!
هي الحُرَّةُ / الفَرَسُ / الرّعدُ،
والبرقُ مُختَزِنٌ في الغَمام.
سلامٌ على قُبّراتِ الحقولِ
توزِّعُ ألوانَها للشقائقِ ..
ساعةَ أنْ نَعَفَتْ دَمَ أبنائها للترابِ،
وقد أسْرَجَت زيتَ قنديلِها في الظلام.
سلامٌ على أُمّنا المُعجِزةْ ..
على مَن تودِّع خمسةَ أقمارِها في السجونِ إلى جَنَّةِ الشهداءِ ،
وقد خلّفوا نهرَ جَمْرٍ لماءِ البراكينِ،
سيّدةِ النارِ،
والنَّغمِ النّاعسِ المُستَبِدِّ.. الذي
يُبرئ القلبَ، في مدخلِ الأغنياتِ،
ليذبَحَهُ في الخِتام.
كانت على شجرِ النورِ تصعدُ
حتى لتبلغَ آخرَ مَن جاءَ في لَمَعاتِ الزجاجِ..
ونادتْ! وما سمعوا حكمةَ البابليِّ..
وزخُّ الرصاصِ تصادى على جنباتِ البيوتِ ،
ولا شيءَ غيرُ الرّدى والزّؤام..
ولكنّ مَن أشْعلَ البيتَ وزَّعَ أولادَها
للقيودِ ، وخلَّى لها جثتين تضيئان نجمَتَها
في الرّكام..
وكم شَرِقَ الطينُ من دمعةِ الأرجوانِ،
ولمّا تخثّرَ سَيلُ الشرايينِ ، في كلّ مذبحةٍ،
لم يزل بعضُ عَندَمِهم في المقام.
لقد كان أصغرهُم أجملَ مَن حملتهُ العواصفِ ،
في قبّةِ المُرسلينَ ،
.. ويرفعُ للطيرِ أشجارَها كي تعودَ،
فَلاحتْ عليه الأكاليلُ والحبقُ المُشتهى والشبابيكُ،
كانَ الهتافُ يُخضِّبُ شمسَ البلادِ،
وطافتْ عليه الزغاريدُ ،
حتى الملايينُ ضاقت بها الأرضُ وسطَ الزّحام.
لم يبقَ شيءٌ من التاجِ غيرُ الشظايا
وما ظلّ وجهٌ .. وما من قوامٍ..
وما من جديدٍ،
سوى أنّ تمثالَه بعثرتهُ النِّصالُ
التي فَجَّرَتْ رأسَ أيقونةٍ أوسعت للموازينِ ..
حتى تعودَ البصيرةُ للعَرْشِ والظالمينَ،
وكانَ يُحبّ النّدى واليَمام.
وقد بحثوا،بعدما أسْلَمَ الروحَ ،عمّا تساقطَ منه..
فكانت بذوراً من الجَمْرِ،
أو جنّةً من طيوبٍ تَجَلَّتْ،
ورائحةٌ من خُزامى يديه تعبّئُ زيتونةَ المَرْجِ
والحائطَ المريميَّ،
وظلّ هناك الفَراشُ المُدمّى ، يدفُّ..
وَحامَ..
وخضَّبَ أجنحةً بالرِّهامِ العقيقِ ..
وواصل ترحالَه نحوَ ثلجِ العبيدِ ،
ومرّغَ جدرانَهم بالسُّخام..
هو الصوتُ ؛ صوتُ الحقيقةِ والحقِ،
تحنو عليه الثكالى وأُمُّ الأسيرِ ،
فَلا ظِلَّ إلا لهُ في الطريقِ،
ويُعلي له الجُرحُ صورتَهُ في الرّخام!
سلامٌ على قمرٍ
لم يزل بعضَ ما تركَ العاشقون،
وما رَنَّ من وَتَرٍ في الصدورِ،
وما قالهُ السِّرُّ للخطواتِ التي
وَزَّعَت كُحلَها في الحِزام.
سلامٌ على سربِ ملائكةٍ يفردون قوادِمَهم
في حليبِ السماءِ
على زهرةِ الأرضِ،
مَن هَجَسَتْ بالحروفِ،
وخَلَّقَت الحُسْنَ في وردةِ الذّائبينَ،
وأعطَتْ لأفئدةِ العارفينَ الكلام.
سلامٌ على امرأةٍ أوقَدَت غُصنَها
كي يتمَّ النهارُ،
وردّت عن البابِ ظلَّ الغريبِ،
ليعلوَ ليلَ الملاحمِ ضوءُ السِهام.
والنومُ قد يشبهُ الموتَ،
لكنه الصمتُ يطوي كثيراً من النّارِ ،
شبَّتْ وفارتْ ..فتشربُ منها النُسورُ..
إلى أنْ تعالتْ وكانتْ
كما شاءَ لها الكونُ عُرْساً،
يزفُّ المدائنَ مُطهمةً للقِيام.
وتهجسُ ؛ سوف نعود،
وسوف نغنّي على دربِ عودتِنا للأمام..
فيا قاتلَ القلبِ،لا!
لا وراءَ،
ولا أيَّ نَهجٍ سوى التّيهِ.. فارحَلْ!
فإنّي أُعدُّ خطابَ الرجوعِ،
وأحلمُ أن يلتقيني الحصانُ ،
وأرفعُ في الساحِ بُرجَ الحَمام..
وكان له قلبُه الطفلُ ،
هبَّ على ألَمٍ في المنافي،
وفي كلّ عاصفةٍ في البراري..
فقد خرجَتْ من قيودِ الطّغاةِ،
كما حطّمَتْ بالدماءِ الِّلجام!
لقد قتلوا اثنين في صدرها،
أُغلقوا كوَّةَ الضُوءِ
لمّا يفزُّ المخيّمُ ،
والكونُ لا يبصرُ النَّقْعَ..
أمسى على صمْتهِ في الدخانِ
ونامَ على ذُلِّهِ في الحطام.
سلامٌ على الحيِّ في السجنِ،قيداً وقبراً،
سلامٌ على أبيضِ الرّوحِ يسعى
لموجِ الحياةِ ..فيتبَعُه في الطريقِ الأنام .
سلامٌ عليه، سلامٌ عليها..
إذا جَفَّ نَبعُ المدائنِ فاضَ لها شعبُها بالجموعِ،
وعادت لها القدسُ نجماً
يدلّ الرّعاةَ على مولدٍ للنبيِّ ..
لنحلمَ ، ثانيةً، بالسلام